القى اليوم مهدي جمعة كلمة بمناسبة مرور سنة أولى على المصادقة بالإجماع على دستور الجمهوريّة الثانيّة وحسب الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة فقد جاء في الكلمة ما يلي: «بكلّ فخر واعتزاز وبمشاعر فيّاضة وصادقة تزدحم فيها المعاني والعبر، نحيي اليوم ذكرى مرور سنة أولى على ملحمة تاريخيّة فارقة تتمثّل في إتمام إنجاز دستور جمهوريتنا الثانية بعد المصادقة عليه بإجماع واسع، وبهذه المناسبة أتوجّه إلى كافة أبناء الشّعب التونسي في الدّاخل والخارج وممثّليه تحت قبّة مجلس نواب الشعب الموقّر بخالص التّهاني وعميق التحيّات بهذا الإنجاز الوطني التّاريخي الذي حقّقناه سويّة وبإخلاص من الجميع للوطن ووفاء لمن ضحّوا بأرواحهم من أجل أن نعيش مناخا نقيّا وننعم بالحريّة والديمقراطيّة التي طالما رجونا ونشدنا. قد حقّق الشّعب انتصاره وتجسّدت إرادته بإنجاز دستور توافقي جديد فسح المجال لاستكمال آخر مشوار في مسار الانتقال الديمقراطي عبر انجاز انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة عامّة وحرّة ونزيهة لاقت استحسان العالم وإعجابه، دستور كرّس قيم الحريّة وجذّر مبادئ العدل والدّيمقراطيّة ورسّخ مقوّمات العدالة الاجتماعيّة وزاد في تعزيز انفتاحنا على المعايير الكونيّة، دستور من شأنه أن يوفّر كافة أسباب الحصانة المطلوبة في مواجهة كلّ أنواع التحديّات والمخاطر في الدّاخل والخارج في ظلّ التحوّلات الخطيرة والمتسارعة على السّاحتين الإقليميّة والدوليّة. ولقد طوينا بإنجاز الدستور صفحة لم تعد تليق بتونس ولا بشعبها وفتحنا صفحة جديدة ناصعة في تاريخ بلادنا المجيد ستفتح حتما أبواب غد مشرق على جميع الأصعدة وسينتفع بثمارها التونسيّون وهو «حقّ لهم لا مكرمة من أحد عليهم»، هذا الدستور سيكون مهد الوفاق السياسي الحقيقي بين كلّ الأطراف المكوّنة للمشهد العام كما سيكون الحافز نحو إرساء عدالة اجتماعيّة حقيقيّة وردم الفجوة بين الجهات وتقليص التفاوت بين مختلف مناطق الوطن، هذه التّركة الثقيلة التي ورثناها مكرهين، وهذا الدستور في مضمونه الجديد يدفع عبر ما يقرّه من حريّات اقتصاديّة إلى تحريك دواليب الاقتصاد وتنشيط عجلة التنمية بما يمكّن من النهوض بمستوى العيش في المناطق «ذات الأولويّة» ومزيد الارتقاء بالمناطق الأخرى ليكون لدينا في نهاية المطاف منوالا للتنمية متناسقا ومتوازنا و ليكون لدينا مجتمع منسجم ومتناغم يساهم في إنجاح الاستحقاقات وكسب الرهانات التي تقبل عليها البلاد. شخصيّا اعتبر أنّ الدستور الجديد عصارة جهود مكثّفة بذلتها جميع الأطراف الفاعلة سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا وبتعاضد مساعي منظمات وهياكل وجمعيّات المجتمع المدني التي أعرب لها بالمناسبة عن شكري وامتناني كمواطن يحبّ البلاد ويخاف على مصلحته وأشكرها كرئيس حكومة ونيابة عن أعضائها باعتبار إسهام كلّ تلك الأطراف في إنجاح المسار الانتقالي وإنهاء المرحلة الأولى من مسيرة ديمقراطيتنا النّاشئة، أعرب عن خالص شكري للجميع الذين عملوا ما في وسعهم لتهيئة الظروف الملائمة وتوفير إطار مناسب ومناخ نقيّ غلب عليه نكران الذات والتنازل لمصلحة الوطن وإعلاء لرايته وخدمة لصالح مواطنيه. دستور جمهوريتنا الثّانية الذي يعدّ اختزالا وتثمينا لمسيرة طويلة من كفاح أجيال متعاقبة منذ بناء الدولة الحديثة التي أعقبت الاستقلال إلي اليوم لم يكن لينجز بالشكل المطلوب وفي الظروف المواتية التي تمّ توفيرها لذلك إلاّ عبر مجهودات رجالات الأمن والجيش الذين ضحّوا ورابطوا وصبروا ونزلوا إلى ساحة المعركة لمحاربة الإرهاب وتعقّب صانعيه والقضاء عليهم في أوكارهم في نفس الوقت الذي كانت فيه وحداتنا الأمنيّة والعسكريّة تحمي الممتلكات العامّة والخاصّة ومؤسسات الدولة الحيويّة والشخصيّات الوطنيّة، أقول أن الدستور الجديد وإن كان من المهامّ الموكولة للسلطة التشريعيّة إلاّ أنّ تونس صنعت الاستثناء في دستور استثنائي مميّز كان فيه للأمنيين والعسكريين إسهامات لا يمكن إغفالها والمرور عليها مرور الكرام، وأقلّ الواجب تثمينها والتنويه بها ولفت النظر إليها. وهذه فرصة متجدّدة أعاود فيها الترحّم على أرواح جميع شهداء المؤسستين الأمنيّة والعسكريّة وجرحاهما كما أترحم على كافة شهداء تونس الأبرياء وأتمنّى للمصابين الشفاء العاجل والحياة الطيبة والآمنة في كنف الرخاء والهدوء والازدهار الشامل، وأتمنّى أن يواصل الجميع تكاتفهم وتتعاضد جهودهم من أجل استكمال المشروع المجتمعي التونسي المتمثّل أساسا في إرساء ركائز دولة ديمقراطيّة مدنيّة وتعدّديّة على أسس صلبة ومتينة. وفي الختام لا يفوتني أن أعرب عن مشاعر الاطمئنان العميق بأن بلادنا في مسيرتها نحو الوجهة الصحيحة، وجهة البناء والتشييد وتركيز المؤسّسات، وجهة استرجاع هيبة الدولة وبسط القانون وفرض علويته، وجهة تكريس المساواة والعدل والسلم والعدالة الاجتماعيّة»