بعد الاقالة التي تعتبر فجئية لوزير الداخلية السابق لطفي براهم وتعيين غازي الجريبي وزيرا بالنيابة حصلت حركة نشطة تتعلق بتعيينات في مناصب أمنية تجاوزت المائة ورغم عدم الاعلان الرسمي عن العدد الدقيق الا أن مصادر أكدت كونها وصلت أو حتى تجاوزت ال110 منصبا أمنيا هاما. تفسير الداخلية لذلك كونها اجراءات لملء الشغورات الحاصلة في المناصب الأمنية وهذا صحيح لكن لماذا وصل العدد الى هذا الحد؟ لا يمكن انكار أن هناك خلافا كان حاصلا بين لطفي براهم ورئيس الحكومة يوسف الشاهد لكن من ناحية أخرى هل من الطبيعي أن يقوم وزير بالنيابة بتعديلات بهذا الحجم والعدد؟ ما يعنينا هنا هو مسألة أخرى رغم أهمية الأولى وهي هل أن الدور قادم على مؤسسة أخرى وسلك آخر مهم ولا يقل أهمية عن السلك الأمني ,ونقصد سلك الديوانة ؟ هذا الأمر يجعلنا نشير كون تغييرات تتمثل في اقالات وتعيينات خصلت لكنها تبقى غير كافية وليست بالواسعة كما حصل في الأمن . عند الحديث عن الديوانة فان ذلك يربط مباشرة بميناء رادس باعتباره رئة التجارة الخارجية وعمود الاقتصاد .هذا الميناء عليه نقاط استفهام كثيرة لم يعد من الممكن اخفاؤها . تصريحات وتحذيرات ما كان يحصل وهو متواصل حاليا في ميناء رادس لم يعد خافيا على أحد ورغم الدعوات الكثيرة التي أطلقت إلا أن التعامل مع هذا الملف لم يكن في مستوى وخطورة الفعل . فقبل انضمامه للحكومة مثلا قال مبروك كرشيد بكون ما يحصل من "ترافيك" في ميناء رادس هائل جدا وان عمليات "النطرة" تحصل بشكل مسترسل ومتواصل بل أكثر مما كان يحصل قبل 2011. مصطلح النطرة هنا هو إحالة على سرقة الحاويات لكن التجاوزات لم تقف هنا بل ان التجاوزات الأكبر والأضخم تحصل في التلاعب بالحاويات أي تغييرها فعليا أو تغيير محتواها في الأوراق. لكن قبل التعرض لهذا علينا أن نشير أن خطورة ما يحصل في ميناء رادس جعل عديد الحكومات تتحرك واولها كانت من قبل رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي الذي أدى في فترته زيادة إلى الميناء واطلع على الوضع هناك وتخذ جملة من القرارات منها عزل مدير الديوانة وكوادر أخرى لكن رغم ذلك فان المعضلة لم تحل رغم إحالة عشرات الملفات على القضاء. رئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة تحرك هو الآخر لكشف ما يحصل في ميناء رادس وأدى زيارة مفاجئة عاين خلالها ما يحصل من تجاوزات وتلاعب في الحاويات بالتالي عمد إلى إحالة عديد الكوادر الديوانية على القضاء . في 2016فتح الملف مجددا وعزلت كوادر وعينت أخرى مرة ثالثة لم تنتهي المعضلة .
السؤال هنا: هل ان حجم التجاوزات التي تحصل في ميناء رادس صارت مستفحلة إلى درجة صعوبة التعامل معها؟
ملف معقد لا يمكن إنكار ان الوضع في ميناء رادس معقد للغاية وأن حجم الفساد والتجاوزات كبير جدا خاصة فيما يتعلق بالحاويات . وما يحصل في اذا الميناء نجد أثره في الواقع اي في سوق بومنديل والمنصف باس ونهج الملاحة في العاصمة وفي غيره من الأسواق أي إغراق السوق بالبضائع المهربة . بالتالي كيف تدخل هذه السلع؟ في خصوص هذا الملف حصل جدل كبير اي هل ان هذه السلع تدخل عن طريق المعابر الحدودية والمسالك غير الرسمية أم أن القسم الأكبر منها يدخل عن طريق ميناء رادس؟ رغم أن هناك سلعا كثرة تدخل عبر المعابر وايضا تدخل من قبل مهربين من طرق صحراوية وجبلية الا ان ها لا ينفي ان قسما مهما منهلا يدخل عبر الميناء اي في شكل حاويات .
فتح الملف ضمن الحملة التي أطلقتها منذ سنة تقريبا الحكومة فان هناك ادراك كون التعامل مع ملف ميناء رادس لا تنفع معه الطرق والوسائل العادية أي رصد التجاوزات ثم تمرير الملف للتحقيق فيه بل ان التعامل يجب أن يكون مباشرا بإيقاف "بارونات" التهريب الذين هم خارج الميناء ويحركون اللعبة قبل التعامل مع من هم داخل الميناء . طبعا هذا الملف متورطة فيه عناصر كثيرة من الديوانة لكن من الحكمة عدم التعميم فالشرفاء موجودون في كل قطاع لكن أيضا مع هذا لا يمكن الصمت عما يحصل وهو أنه لم لو تكن هناك تجاوزات في داخل الميناء لما نجح المهربون في اختراقه . بالتالي فالحل الأمثل للتعامل مع ها الملف هو تفعيل إجراء من اين لك هذا اي كشف الإثراء غير المشروع وهو قانون بدأ مجلس نواب الشعب في مناقشته للمصادقة عليه حيث ان هناك منطق فالموظف العادي لا يمكن أن يتحول الى ثري في أشهر أو سنوات قليلة وكذلك عون الديوانة. الاجراء الثاني الضروري هو تفعيل مشروع قانون حماية المبلغين فالشرفاء في حاجة الى حماية ليكشفوا التجاوزات وشبكات الفساد خاصة ان كانوا من داخل القطاعات نفسها