قد يتغير نظام الحكم في مصر.. وقد يختفي حسني مبارك من الساحة السياسية نهائيا وبدون رجعة.. وقد يحلّ محلّه رئيس جديد.. وقد تأتي حكومة جديدة.. وقد.. وقد.. ولكن الذي سوف لا يتغيّر هو النكتة المصرية.. سوف تبقى صاحبة السلطان الأول والأخير على المزاج المصري.. وسوف تحتفظ بعرشها وصولجانها.. وسلطتها.. إن مصر منذ انتفاضة 25 جانفي وهي تغلي.. فهناك شهداء.. وهناك جرحى.. وهناك حرائق.. وهناك مصائب عامة وخاصة.. ومع ذلك فإن مهرجان الضحك متواصل.. ولم يتوقف.. توقفت المدارس.. والجامعات.. والمؤسسات.. والبنوك عن العمل.. ولكن مهرجان الضحك ظلّ يواصل عروضه بل ربما ازدادت هذه العروض وتنوّعت أكثر.. وقويت أكثر.. إن الشعب المصري حتى وهو ينتفض.. ويصرخ.. ويحتجّ.. ويتظاهر لم ينس روح الدعابة والفكاهة.. ولم يفقد قدرته على الضحك.. والإضحاك.. إن كمية النكت التي رافقت الانتفاضة منذ بدايتها إلى يوم الناس هذا كمية ضخمة.. وكبيرة إذا استمعت إلى البعض منها فإنك ستموت ضحكا وهي كلها تتصل اتصالا وثيقا بالانتفاضة وبحسني مبارك شخصيا.. وبالحزب الحاكم.. وما إلى ذلك.. إنهم ينتفضون وفي نفس الوقت يضحكون وهذه مفارقة عجيبة أظن أن الشعب الوحيد الذي يقدر عليها هو الشعب المصري.. يوميا أستمع إلى نكت جديدة لها علاقة بحسني مبارك.. وجماعته.. فأعجب من القدرة على التأليف.. والاستنباط.. والابتكار.. حتى إن المرء يتمنى لو أن هذه الانتفاضة تطول أكثر فأكثر حتى نسمع كل ما لدى الشعب المصري من نكت عن نظام حسني مبارك الذي لم يتجرّأ على منع النكت في عهده مثلما حاول سلفه أنور السادات ولكنه فشل فشلا ذريعا.. لقد أزعجت النكت السادات كثيرا وكان يطلب تقريرا يوميا حولها وحاول مع وزير داخليته أن يسجن كل من يردد نكتة سياسية.. ولكن الوزير نبهه إلى أن ذلك مستحيل: أولا لأن المساجين أنفسهم يتبادلون النكت.. وثانيا السجون لن تتسع لكل الشعب المصري.. والخلاصة أن النكتة هي الوحيدة التي لا يمكن وضعها في السجن..