في خطوة اعتبرت مهمة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردغان لإنقاذ الوضع الداخلي المتأرجح الذي تعرفه تركيا منذ فترة بتراجع بعض المؤشرات الاقتصادية على غرار تراجع نسبة النمو ونسبة عائدات الصادرات وتراجع قيمة العملة التركية نتيجة مخلفات عملية الانقلاب الفاشلة التي حصلت في صيف السنة الماضية والتي تسببت في تراجع نسبة الاستثمارات نتيجة عدم الاستقرار النسبي الذي خيم على تركيا فضلا على توتر الأوضاع على الحدود مع الجارة سوريا ، كل هذه المعطيات جعلت أردغان يعجل بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها وقبل سنة ونصف من موعدها الأصلي حتى يضمن أكثر استقرارا للبلاد الأمر الذي يخول ويسمح له بالقيام بالإصلاحات الضرورية التي تحتاجها البلاد لمعالجة التراجع الذي حصل خاصة وان كل الاقتصاديين قد أشاروا إلى أن الاستقرار السياسي ضروري لتركيا كي تستعيد اقلاعها الإقتصادي و تحسن وضعها المالي. إن المفيد في هذه الانتخابات إلى جانب نسبة المشاركة العالية والتي وصلت إلى حدود 90% وتحالف حزب العدالة التنمية مع الحركة القويمة الذي سمح بهزم كل الخصوم السياسيين الذين عولوا كثيرا على هذه الفرصة الانتخابية لقلب المعادلة السياسية وإلى جانب الحصول على عدد مريح من المقاعد في البرلمان ما يسمح بالقيام بكل الاصلاحات التي وعد بها أردغان وحصول هذا الأخير على نسبة 53% من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية وهو فوز له دلالته على مستقبل تركيا وتداعياته المحلية والإقليمية والدولية وهي تداعيات سوف يكون لها أثر على الداخل التركي وخارجه ، إلى جانب كل ذلك فان المفيد هو فهم كيف ولماذا فاز اردغان وحزبه العدالة والتنمية ؟ و لماذا أعاد الناخب التركي انتخاب أردغان من جديد رغم الحملة المضادة التي قادتها المعارضة وبعض الدول العربية والغربية التي لعبت على ملف الحريات وموضوع انتهاك حقوق الانسان ووضع الأكراد والمعارضة اليسارية خاصة بعد حملة الاعتقالات الواسعة التي حصلت بعد فشل الانقلاب الأخير؟ إذا استثنينا وضع الحريات العامة ووضع حرية الصحافة والذي يقول عنه النظام التركي أنه شأن داخلي يتعلق بأمن البلاد وبحركات معادية للنظام لها أجندات خارجية وهي قضية يمكن أن يناقش فيها أردغان فان الذي جعل الناخب التركي يعطي صوته من جديد لهذا الرجل ولحزبه العدالة والتنمية هي جملة من المعطيات التي أثرت على قرار المواطنين منها النقلة النوعية التي عرفتها تركيا في فترة زمنية وجيزة لم تتجاوز 15 سنة فتركيا قبل مجيء أردغان كانت بلدا قد حاصرته الأزمات الاقتصادية وكبله تراجع كل المؤشرات الاقتصادية وعرف صعوبات مالية كبيرة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتدنى المقدرة الشرائية للناس وتراجع مستوى عيشهم . كانت تركيا بلدا يعيش على القروض و على التداين من الخارج لكن الذي حصل هو أن وجه تركيا قد تغير كليا منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم وأصبحت في بضعة أعوام من أقوى البلدان اقتصاديا وتنمويا فخلال 15 سنة الأخيرة تطور نسق التصنيع وارتفعت نسبة المبادلات التجارية وارتفع نسق الاستثمارات مما نقلها من المرتبة 218 الى 117 في ترتيب أقوى اقتصاديات العالم. إن الذي أثر على صوت الناخب التركي هو النتائج التي حققها أردغان على المستوى الاقتصادي حيث قلص من نسبة الفقر إلى 22% بعد أن كان في عهد من سبقه 44% وازداد دخل الفرد من 230 دولار إلى 820 دولار كما أن الذي زاد من شعبية أردغان هو العمل الكبير الذي قام به منذ توليه الحكم والذي مكن تركيا في سنة 2013 من تسديد كامل ديونها وبالتالي فك الارتباط مع صندوق النقد الدولي وسياساته التي أضرت بالكثير من الدول المرتبطة به ماليا وبذلك انطوت صفحة 52 سنة من الاستدانة. في الحقيقة إن الانجازات التي تحققت لتركيا بفضل سياسة أردغان عديدة ومتنوعة في مجال البنية التحتية وتعصير شبكة الطرقات والسكك الحديدية بإنشاء الآلاف من الكيلومترات من الطرقات والمطارات والجسور والسكك الحديدية والأنفاق في البحر وجسر مرمرا البحري يعد من أهم الانجازات التي مكنت تركيا من أن ترتبط بأوروبا في بضع دقائق وانجازات أخرى في مجال التكنولوجيا والبحث العلمي والتعليم والفضاء حيث زاد اردغان في الانفاق على التعليم والبحث العلمي ليبلغ نسبة 726 % عما كان عليه سنة 2000 وليرتع عدد الجامعات من 164 الى 186 جامعة. ويبقى أهم انجاز حققه أردغان هو أن جعل تركيا بلدا مصنعا وخاصة في ميدان الصناعات الثقيلة والصناعات العسكرية مما جعلها بلدا مصدرا بامتياز .فكل هذه الانجازات التي تحققت لتركيا في بضعة سنوات تحتاج دولة أخرى أن تحققها في عشرات السنين هي التي جعلت أسهم اردغان ترتفع وتجعل الناس يثقون في حزب العدالة والتنمية في تحقيق الرخاء والنمو للبلاد وللشعب التقدم والعيش في رفاه. فالقضية في رأينا ليس لها علاقة بالانتماء الايديولوجي للرجل ولا بمرجعية حزب العدالة والتنمية الإسلامية فهذه قضية ثانوية وإنما القضية الأصلية هي أن أردغان وحزبه لهما مشروع كبير وهو استعادة مجد الامبراطورية التركية واستعادة الحلم الكبير بعودة تركيا لقوتها في نادي الكبار واستعادة التاريخ القديم تاريخ تركيا مالكة العالم وحاكمة الأمم فاردغان كثيرا ما كان يصرح بأنه سليل السلاطين العثمانيين وبأنه يمثل العثمانيون الجدد .. هذا الحلم وهذه الرؤية هي التي جعلت من أردغان وحزبه في مقدمة الأحزاب التركية بعد أن وضعا استراتيجية واضحة وهي إخراج تركيا من تخلفها وإنهاء سياسة الاستدانة وتحقيق النوم والرفاه للشعب.