منذ مدّة و الصراعات السياسية بين أهم الأحزاب الحاكمة على أشدّها تعتصر البلاد من شمالها إلى جنوبها و الظاهر فيها حول بقاء أو ذهاب حكومة يوسف الشاهد و باطنها في الأصل هو أزمة حكم و أزمة نظام سياسي ظلّ حاجزا جدّيا لحلحة الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و حتّى الأمنية التّي تمرّ بها البلاد و التّي تزداد كلّ يوم تفاقما و تعقيدا و ما خطاب رئيس الدولة الأخير إلاّ دليل على أنّ الكأس طفح بما فيه و لم يعد ممكنا السكوت على الوضع و يمكن تلخيص الوضع الحالي لنظام الحكم بتونس بالقول " لا أحكم و لا تحكم و لا أتركك تحكم " و هذا الوضع ينطبق عليه المثل العامي " وحلة المنجل في القّة " نعم الصراع يبدو على أشدّه بين الحزبين الحاكمين أي النّداء و النهضة و لكل منهما استراتيجيته في التعامل مع هذه الأزمة و لكل منهما مصالحه الحزبية الضيقة. فالشاهد باعتباره كما أسلفنا الجانب الظاهر لهذه الأزمة ليس إلاّ "بترينا" لهذه الأزمة حيث اختلاف كل من الحزبين الحاكمين فيما يخص بقاء حكومته من ذهابها يمثّل عمق الأزمة بين الطرفين حيث تتمسك النّهضة و تساند بقاء الشاهد على رأس الحكومة لا من أجل الشاهد نفسه بل من أجل عيون كاترين و عيون كاترين تتمثل في الابقاء على الشاهد الذي انخرط معها في اللعبة السياسية رغم اختياره من قبل النّداء و هذه مفارقة عجيبة و غريبة ممّا يعني حصول انقلاب لفائدة النهضة ضدّ الحزب الذي اختاره ليكون رئيسا للحكومة و هذا الانخراط مع النهضة يعني بالنسبة لها و في درجة أولى ضمان ربح السباق إلى المحطة الانتخابية الرئاسية القادمة 2019 ليكون الشيخ راشد مرشحها الأوفر حظا بعد تمّ الاشتراط على الشاهد عدم الترشح لها لقاء مساندته له في البقاء على رأس الحكومة و أيضا بعد تهيئة الأجواء لذلك عبر التسميات الجديدة و التعيينات و أيضا بعد ابعاد وزير الداخلية السابق براهم و نجاحها في الانتخابات البلدية. و من جانبه يأتي الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية بعد شعوره بخروج الابن الضال على سلطته و الارتماء في أحضان " غريمه " ليعلن بداية البحث عن حل لهذه الأزمة التي تعصف بنظام الحكم في البلاد، و هذه المرّة بعيدا عن التوافق المعهود حتى لا نقول المغشوش، لتضارب المصالح في هذه الفترة من أزمة الحكم ليدفع هذا الابن الضال نحو خيارين أحلامهما مرّ بين الاستقالة أو التوجه إلى مجلس نواب الشعب و هذا يعني سياسيا و أن رئيس الجمهورية كان يأمل من رئيس الحكومة بعد اقتراحه لهذا المنصب أن يلعب دورا مسرحيا مركبا بمعنى أن يتلقى التعليمات و التوصيات من قرطاج و ما عليه إلاّ التنفيذ و هذا يتناقض مع دوره كرئيس للحكومة مطالب بتنفيذ برنامج عمل حكومي يقترحه رئيس الحكومة نفسه بعيدا عن الإملاءات من أي جهة كانت و لكن ارتماء الشاهد في أحضان النهضة زاد من تعقيد الوضع ليأتي خطاب رئيس الجمهورية و كأنّه إعلان على التخلي عن الشاهد و الدفع به نحو استقالته و ثانيا بمثابة الإعلان عن فك عقد الزواج السياسي بين النّهضة و النّداء كشريكين في الحكم تحت يافطة التوافق. كلّ هذه المنطلقات تؤشر على وجود أزمة حكم حقيقية بالبلاد بل نعتبرها من أكبر الأزمات باعتبار أوّلا و أنّ عيون النهضة ترحل كلّ دقيقة إلى المحطة الانتخابية القادمة و تعمل على فوز حصانها في هذا السباق رغم عدم اظهار ذلك للعموم، في حين يلعب الباجي ورقة بورقيبية من أجل فكّ أسر الوطن من حكم سياسي اسلامي بدأت مظاهره تتجلى يوما بعد يوم خاصة ما وجود النهضة في جل مفاصل الدولة و آخرها في المجالس البلدية و ما نعت الباجي في خطابه الأخير الشيخ الغنوشي بالمرشد إلاّ تلميحا بموقف معين و تذكيرا بما جاء في الموقف الأمريكي الأخير و مفاده اعتبار النهضة ذراعا من أذرعة الإخوان و هذا ما أثار بعض قيادات حزب النهضة و على رأسهم الدكتور عبد اللطيف المكي. هذا الوضع ينطبق عليه تماما المثل العامي القائل " وحلة المنجل في القلّة" و السؤال كيف الخروج من هذه الأزمة التي نراها عاصفة هوجاء قادمة ؟ و السؤال الأهم كيف سيتم انقاذ البلاد منها و هي تعيش الأزمات المختلفة منها الاقتصادية و الاجتماعية و الأمنية ؟ و نعتقد جازمين و أنّ الكلمة ستؤول إلى القوى الحيّة في البلاد من المجتمع المدني الذين أنقذوا بلادهم من أزمات سابقة ؟ فهل تفلح هذه القوى الحية للبلاد في ذلك و نتجاوز هذه الأزمة ؟ الأيام القادمة ستأتينا بالجواب فقط نشير في الأخير إلى أنّ النظام السياسي الحالي في البلاد هو أيضا يمثل جزءا من المشكل ممّا يتطلب معه اعادة النّظر فيه...؟