المعروف عن الرئيس حسني مبارك أنه (عنايدي) من الطراز الأول وكان كثيرا ما يقول للمقربين منه: «أنا عندي دكتوراه في العند» وكل الذين اشتغلوا معه يعرفون عنه هذه الصفة التي تدل في ما تدل على شخصية هذا الحاكم الذي حكم مصر طيلة 40 عاما: 10 سنوات وهو نائب للسادات و30 سنة في رئاسة الجمهورية ولكنه رغم كل هذه السنوات الطوال لم يشبع من الحكم و«عاند» لكي يتشبث بالكرسي وكأنه لم يكن يسمع أصوات الملايين من المصريين الذين بحتّ أصواتهم مطالبة برحيله. ولكن مهما عاند وكابر وأصر فإنه في النهاية لم يستطع مواجهة الشعب خصوصا وأن قواته المسلحة و«داخليته» وكل أجهزة القمع التي كان يحكم بواسطتها إما أنها تراجعت.. وإما أنها تخاذلت.. وفي كل الحالات فإنها تخلت عنه. إن «عناد» مبارك لم يحمه من غضب الشعب ولم يغير شيئا من قرار الشعب.. ومن رغبة الجماهير التي كانت تتحرك وكأنها زلزال رهيب لا ضابط له ولا حدّ له. ولو كان مبارك يفكر في مصلحة مصر بالفعل لانسحب منذ بداية الأحداث وجنّب الشعب المصري الكثير من الخسائر في الأرواح والممتلكات والمنجزات والوقت. كان كل يوم يمرّ ومبارك يتمسك بالحكم فأثقل كاهل مصر وزاد في أعبائها وضاعف من خسائرها على كل المستويات. إن الشعب قال كلمته النهائية منذ 25 جانفي الماضي وهي كلمة صريحة وواضحة وهامة وليت مبارك سمعها وفهمها وحسم أمره وجنب بلاده الكثير من المصائب والويلات والأزمات وحماها من بحر الدماء والدموع. لقد كنت يوميا أتساءل باستغراب: ألا يسمع؟ ألا يرى؟ ألا يفهم؟ إن مبارك لم يفهم منذ الوهلة الأولى أن الشعب الذي تحمله طيلة سنوات لم يعد يستطيع أن يتحمله.. ولا أن يتحمل جوقته وأتباعه الذين أوصلوا مصر الى الكارثة.. وعادوا بها خطوات الى الوراء.. وأحيوا من جديد زمن الباشوات والاقطاع الذي قضى عليه الزعيم الخالد جمال عبد الناصر. لقد هدّم السادات ما هدم من كل ما بناه عبد الناصر.. ثم جاء مبارك ليقوم بعملية محو تام لعصر وفكر عبد الناصر فكانت النتيجة أن تحولت مصر الى أفواه وأرانب وإنقسم الشعب الى قلة قليلة تملك كل شيء وتتحكم في كل شيء... وإلى أغلبية محرومة ومضطهدة وبائسة. لقد أجبر الشعب مبارك على التنحي فكانت هزيمة نكراء له وبرهن أن الشعب عندما يقول كلمته فإن كلمته هي التي تحكم وتحدد المسار. لقد ظنّ مبارك أنه لن يكون (بن علي) آخر ولكن ظنه هذا كان مجرد وهم من أوهامه الكثيرة وضربة قاضية لعناده الذي إن دلّ على شيء فإنما يدل على غطرسته وغروره وعدم فهمه لحركة التاريخ. والآن.. يعود السؤال الذي كنت طرحته منذ بداية الأحداث بمصر في «بطاقة حرّة» وهو: «من التالي»؟.. ومن سيكون الساقط القادم بعد بن علي ومبارك؟ إن الأيام القادمة حبلى بكثير من مفاجآت السقوط. لقد استقيظ الشعب العربي واليوم وليس الأمس.