مواصلة للجدل الفكري والديني الذي يشهده المجتمع التونسي اليوم حول قضية المساواة في الميراث وتوسيعا لزوايا النظر بخصوص مقترح لجنة الحريات الفردية والمساواة ومبادرة رئيس الجمهورية في عيد المرأة الأخير التي انحصرت في صيغة التخيير في التشريع في توزيع التركة بين قاعدة المساواة بصفتها المبدأ والأصل وبين حرية الفرد في تطبيق قواعد الميراث الشرعية بعد وصية يوصي بها قبل مماته ، نظم مركز دراسة الإسلام والديمقراطية ندوة علمية احتضنها نزل المشتل صبيحة يوم الخميس 30 أوت الجاري ودعى لها ثلة من المفكرين المنتمين إلى مختلف الطيف الاسلامي كان من بينهم الدكتور احميدة النيفر المفكر الإسلامي المعروف و رئيس رابطة تونس للثقافة والتعدد ومؤسس مجلة الإسلاميين التقدميين 15 / 21 لعشرية كاملة من سنة 1981 إلى سنة 1991 والأستاذ صلاح الدين الجورشي أحد الأعضاء البارزين في لجنة الحريات الفردية والمساواة وأحد الوجوه البارزة كذلك فيما كان سمي تاريخيا بالإسلام التقدمي أو اليسار الاسلامي والكاتب الصحفي وأستاذ التفكير الإسلامي محمد القوماني وهو الآخر كان منتميا إلى تيار الاسلام التقدمي وهو اليوم عضو في حركة النهضة وهؤلاء الثلاثة يجمع بينهم قاسم مشترك هو إنفصالهم في مرحلة تاريخية معينة عن حركة الاتجاه الاسلامي وتأسيسهم لتيار جديد أطلق عليه إسم تيار الإسلام التقدمي الذي طرح على نفسه مسألة تجديد الفكر الإسلامي وهو تيار لم يعمر طويلا .. ومع هؤلاء حضر الدكتور محمد الشتيوي مدير مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة والشخصية القريبة من فكر جامعة الزيتونة والأستاذ ناجي الحجلاوي أستاذ التفسير بالمعهد العالي للحضارة الإسلامية وهو شخصية مثيرة للجدل بأطروحاته التي تبنى فيها كامل فكر محمد شحرور المصري الذي أحدث هو الآخر بكتبه وأرائه رجة في العالم الاسلامي. كان المحور الأساسي لهذه الندوة هو الإجابة على جملة من الأسئلة في علاقة بالدعوة التي تطالب بتبديل وتغيير منظومة المواريث الدينية منها سؤال : هل نحن اليوم في حاجة إلى اجتهاد جديد ومعاصر في النصوص الدينية الصريحة ؟ وهل يمكن تغيير قوانين المواريث الاسلامية باستعمال آلية الاجتهادي الفقهي لطبيعة الواقع الجديد الذي نعيشه وهو واقع متغير ومتحرك لضمان مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ولتغير ظروف الحياة منذ نزول القرآن إلى الآن ؟ وإذا كان ممكنا أن نجتهد في النص الديني الذي تقول عنه المنظومة الفقهية التقليدية أنه محكما وثابتا فما هي شروط هذا الاجتهاد وما هي حدوده ؟ وهل يمكن اليوم أن نسن قوانين دينية تسمح بتحقيق المزيد من المساواة بين الأفراد على اعتبار أن مطلب المساواة هو مسار متواصل منذ عهد الرسالة ولم ينته إلى اليوم ؟ ونظرا لقيمة وأهمية ما قدم في هذه الندوة فسوف نورد ملخصا لأهم مداخلات المحاضرين لنترك الحرية للقراء للتفاعل مع هذه المادة العلمية أولا / احميدة النيفير : السياق الدولي هو الذي فرض تغيير منظومة المواريث وليس حاجة المجتمع : مقاربة الدكتور احميدة النيفر في مداخلته بخصوص الحاجة الى اجتهاد جديد في مادة المواريث تحقق المقصد الأسمى الذي جاء به الاسلام وهو تحقيق مبدأ المساواة بين الناس هذه المقاربة تقوم على فكرة أنه من حيث المبدأ ليس هناك من مانع من إعادة النظر في النص الديني فهما وتدبّرا وتأويلا من أجل الوصول إلى معاني جديدة تستجيب للواقع الجديد كما أنه ليس هناك ما يمنع من أن نعيد القراءة والفهم والتأويل للكثير من النصوص التي اجتهد فيها العلماء من قبل لكن المشكل الذي طرحه عمل اللجنة هو أن السياق الذي فرض القيام بعمل فكري نحو إعادة النظر في الحكم الشرعي هو سياق خارجي واملاءات دولية وليس سياقا داخليا وراءه حاجة اجتماعية ملحة فرضت إعادة النظر في التشريع كما حصل في تاريخيا مع عمر ابن الخطاب حينما عليه فرض الواقع الجديد للمسلمين اعادة القراءة في النص الديني تحقيقا للمصحة العامة ( زكاة الخيل والتوقف عن اعطاء المؤلفة قلوبهم نصيبا من مال الزكاة ) في حين اأن المعطى الداخلي والسياق الاجتماعي التونسي لا يفرض علينا أن نقوم باجتهاد جديد في المواريث فالاجتهاد كما أفهم ليس طرفا فكريا ولا تلبية لحاجة خارجية وإنما اعادة النظر والقراءة هو عمل متواصل يفرضه تحرير الفرد و الواقع وحياة المسلمين من الأوضاع التي أصبحت مزرية فهل في واقعنا ما يدعوا ويلح علنا المساس بقواعد الميراث الشرعية فالاجتهاد الديني مرتبط بمسألة أساسية وهي حاجة المجتمع إلى تغيير الاحكام من أجل تحسين الأوضاع التي باتت صعبة لأن الدين ونصوصه جاءت لتلائم واقع الفرد وتريحه في حياته فكلما تغير الواقع ألا ورأيت آلية الاجتهاد تتحرك وتشتغل ولكن في قضية الحال ليس هناك اجتماعيا ما يدعو إلى مثل ما قامت به اللجنة. كما أن المأزق الذي وقعت فيه اللجنة هو أنها اعتمدت آلية الاجتهاد بطريقة مشوهة ونظرت إلى مطلب المساواة بمعزل عن مطلب العدالة لأن نظام المواريث منظومة كاملة وليس حالة فقط وهو مؤسسة متكاملة مترابطة الجوانب بحيث إذا مسست جانبا منها فإن كل الجوانب الأخرى تتأثر بالضرورة وهي منظومة دينية لا تقوم على فكرة المساواة فقط وإنما هي قوم أيضا وبالأساس على فكرة تحقيق العدل وهو مقصد مقدم على مقصد المساواة ولولا العدل لكانت المساواة شكلية لا تحقق العدل بين الافراد فالنص القرآني على خلاف تفكير اللجنة قد راعى مطلب العدل بالتوازي مع مطلب المساواة لذلك تجد في منظومة المواريث وضعيات مختلفة لميراث الأنثى لأن المساواة التي قصدها الإسلام هي مساواة تقوم على وضعيات الافراد وليس على جنسهم فالذكورة والأنوثة ليست هي المحدد في قسمة المال وإنما وضعية الفرد التي تفرض تصيبا دون غير فالمرأة في سياق معين ينالها النصف وفي سياقات أخرى تحصل على أقل من ذلك أو اكثر لأن منظومة المواريث قائمة على فكرة العدل في ترابط مع المساواة وفي تقديم وضعية الفرد على نوع جنسه. المسألة الأخرى التي غابت عن اللجنة هي أن المشكل ليس في منظومة المواريث وقواعدها والتي اعتبرت هي المسؤولة عما يحصل في المناطق الداخلية من حرمان المرأة حقها في مال مورثها وإنما المشكل في عدم تطبيق أحكام المواريث وفي عدم وجود قوانين ملزمة وتعاقب كل من يحرم المرأة من حقها الشرعي لقد كان على اللجنة أن تقترح سن قوانين تلزم بالإسراع في تنفيذ التركة من دون أن تبقى سنوات من دون أن تحصل المرأة على نصيبها وقوانين أخرى تعاقب كل من يحرم المرأة أو يمنعها أو يبخسها حقها في الميراث لو ذهبوا هذا المذهب لكان أفضل اجتماعيا ودينيا فما قدمته اللجنة لم يكن نابعا من حاجة المجتمع إلى تشريع جديد ولم يكن تلبية لمعطيات اجتماعية جعلت الواقع وحياة الناس تتقدمان عن التشريع الإسلامي الذي بات متخلفا في الزمن وإنما مقترحات اللجنة كانت محكومة بتوصيات ومعاهدات أمضت عليها البلاد والتزمت بها وكل من لم يأخذ في عين الاعتبار المعطى الخارجي فلا يمكن له أن يفهم ما يحصل اليوم من حلول جاهزة أعدت مسبقا لذلك كنت أود لو كان التفكير في مراجعة منظومة المواريث نابعا من التفكير في النص الديني ونابعا من حاجة المجتمع التونسي إلى ذلك. وللمقال صلة