كان رحمة الله عليه من أكبر المناضلين الذين آمنوا بالقضية الوطنية وانخرط صغيرا في حزب بورقيبة، وكان وقتها اطارا في معامل الصناعات البحرية (بفريفيل) قبل ان يتغير اسمها الى منزل بورقيبة التي استقر فيها بصفة رسمية وكانت وقتها مسكونة بالأوربيين وهي بالنسبة لفرنسا تعتبر موقعا استراتيجيا وتسببت في تعطيل مفاوضات الحكم الذاتي سنة 1955 لما حاولت فرنسا أن تبقي بلديتها ممسوكة من الفرنسيين بحجة أن أغلب سكانها من الأوربيين مثلما كان غيرها من البلديات القليلة. في تلك البيئة الاستعمارية عاش صاحبنا وتجرأ ببعث شعبة دستورية فيها كانت قاعدة للنضال واستقطاب الوطنيين ومنهم على سبيل الذكر المرحوم المحجوب بن علي الذي ابلى البلاء الحسن في المقاومة المسلحة وفي معركة بنزرت الاخيرة وادار بعدها الحرس الوطني بحزم وجدية وبقيت آثاره قائمة نفتخر بها اعترافا له بالجميل. تذكرت المرحوم الطيب تقية اصيل مدينة طبلبة وكنت أسمع به في صغري ومسكنه كان غير بعيد منا في ضاحية بودريس المشهورة بحدائق البرتقال الذي كانت تختص بإنتاجه طبلبة. عرفته بعد الاستقلال اكثر واحتككت به وكانت المناسبات الرسمية تجمعنا من حين الى حين، وزرته في بنزرت لما كان مندوبا للحزب الدستوري وتتبعت نشاطه وبطولاته ومواقفه الشجاعة التي ظهرت خاصة في احداث معركة الجلاء وفِي مظهرة التحدي صحبة رئيس بلدية بنزرت المرحوم رشيد التراس تنفيذا لأوامر الرئيس بورقيبة التي تقضي بكسر الحصار الذي ضربه الجيش الفرنسي على المدينة العتيقة، وكان ذلك لتقديم لائحة لوالي بنزرت الكائن مقره خارج المدينة احتجاجا عن فرنسا وخرقا للحصار الذي تغلب عليه الوطنيون بالصبر والعزيمة وبلغوا تلك اللائحة للمصدر وذاع خبرها في وسائل الإعلام المحلية والعالمية وتحركت بفضلها مجددا القضية. كان المترجم له معروفا في بنزرت ومنزل بورقيبة اكثر من طبلبة لأنه ترأس بلدية تلك المدينة الأخيرة لعدة سنين بعدما تخلصت من الاستعمار نهائيا وجعل منها نظام بورقيبة قطبا صناعيا وموقعا لمعمل الصلب الحديد وصناعة السفن وترك المعني بهذا التقديم في جهة بنزرت اثرا كبيرا ولم ينقطع ذكره هنالك وفي مسقط راسه وموطنه الأصلي طبلبة التي كتبت عنها اخيرا مقلا عنونته (بتحيا طبلبة) ذكرني بِه وهو ما جرني للكتبة عنه هذه الورقة القصيرة. فرحمة خالصة ومتواصلة لروحه الزكية وتوفيقا لابنته الوحيدة وأبنائه الثلاثة الذين واصلوا المسيرة في اختصاصاتهم المهمة لبناء تونس الجديدة.