أول مدرسة للطب و الصيدلة و الجراحة و طب الأطفال في العالم الاسلامي نشأت في مدينة عقبة بن نافع القيروان قلعة العرب الأولى في إفريقية و عاصمتها التي أسسها الفاتحون العرب سنة 50 هجري و كانت هي المدينة التي انطلقت منها الفتوحات نحو الأندلس و القارة السمراء و جنوب الصحراء لنشر راية الإسلام و فيها ولد الأطباء الأعلام و أنشأوا بيت الحكمة و أشهرهم أحمد ابن الجزار بمؤلفاته و ترجماته و ثانيهم ابن عمه محمد بن الجزار عالم النفس معالج الأطفال صاحب كتاب (سياسة الصبيان وتدبيرهم) الذي ظل يدرس للطلاب في أوروبا الى القرن العشرين و في القيروان تأسست مدرسة الجراحة واكتشف علماء الأثار في ستينات القرن الماضي في مقبرة القيروان جماجم تعود إلى ألف عام أجريت عليها عمليات فتح الجمجمة و الذي يزور متحف سوسة الأغلبية يكتشف مشارط الجراحة التي استعملها ابن الجزار و تلاميذه للجراحة وهي متقدمة على عصر النهضة الأوروبية بقرون ! و الذي لا يعرف ابن الجزار نقدمه كما قدمه الذهبي في كتاب (سير الأعلام النبلاء) حيث قال إنه عاش بين 895م و 980م (285هجري و 369هجري) أي عاش 85 سنة وهو أبو جَعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد، ويُعرَف بابن الجزَّار من أهل القيروان طَبيبٌ ومؤرِّخ وابنُ طَبيب. ومن أشهر أطبَّاء وعُلَماء القَرن الرَّابِع الهجري. قال عنه الذَّهبِي في كتاب سِيَر أَعلام النُّبَلاء: "ابنُ الجزَّار الفَيلسوف الباهِر وشَيخ الطبِّ في القيروان من ولايات تُونس لأُسرةً اشتُهر أهلُها بالطبِّ كانَ من أهل الحِفظ والتطلُّع والدِّراسة لسائر العلوم، حسنَ الفَهم لها لم تُعرَف له زَلَّةٌ في مُمارَسة الطبِّ عَفيفاً نَزيها لا يَتَقاضى على تَطبيبِه أجراً تَتَلمذَ ابنُ الجزَّار على يدي أبيه وعمِّه وكانا طَبيبَين حاذقَين الأوَّل في طبِّ العيون والثَّاني في الجِراحَة كما تتلمذَ على يد طبيبٍ شَهير في عصره هو إسحاق بن سُلَيمان وكذلك إسحاق بن عُمران. قالَ عنه سُلَيمان بن حسَّان، المعروف بابن جُلجُل "إنَّ أحمدَ بن الجزار كان قد أخذَ لنفسِه مَأخذاً عَجيباً في سِمته وهَديه وتَعبده ولم تحفَظ عنه بالقَيروان زَلَّةٌ قط ولا أَخلدَ إلى لَذَّة وكان يَشهد الجنائزَ والعرائس ولا يأكل فيها ولا يَركب قطُّ إلى أحدٍ من رجال إفريقية ولا إلى سُلطان إلاَّ إلى أبي طالب وكان له صَديقاً قَديماً". وترجمَ ابنُ الجزَّار عدداً من كتب الأطبَّاء اليونانيين، مثل كِتاب "المقالات الخمس" لديسقوريدس، وكتاب "المقالات الست في الأدوية المفردة" لجالينوس واطَّلعَ على كتب العَديدِ من عُلَماء العَرب والمُسلِمين في الطبِّ والصيدلة وعلوم الحياة وغيرها. هذه نبذة موجزة من تاريخ المجد العلمي لمدينة القيروان التي أنجبت أيضا الفاتحين و العلماء و أيمة الفقه المالكي و الأدباء إلى يوم الناس الغريب أن أصدقائي الأفاضل من أبنائها معتصمون سلميا هذه الأيام في المستشفى الذي يحمل اسم ابن الجزار و هو الذي عرفناه منذ تأسيسه في عهد الإستعمار كما هو لم تطوره و لم تعتن به وزارات الصحة منذ الإستقلال 1956 الى اليوم فهو يتداعى للسقوط و لا يوجد فيه لا طبيب إنعاش و لا جراح قار و لا طبيب تخدير فهل بهذا العقوق والتجاهل تكافأ القيروان ؟ و أنا حين أقول في عنوان المقال (بدون مستشفى) فهي الحقيقة لأننا نجد في المدن الأخرى مستشفيات جامعية كاملة الطواقم الطبية و التخصصات و سبق منذ سنوات أن وعد وزير من وزراء الصحة بأن السعودية تبرعت بتكاليف بناء مستشفى جديد و لم ير القيروانيون للوعد إنجازا و رفعوا شعار (أين المستشفى؟) و اعتصموا و كتبوا العريضة تلو العريضة و بحت حناجر شيوخهم محسن بن رجب و عبد الجليل الكيلاني و غيرهما من الذين لم يغادروا القيروان و لم تجد اعتصاماتهم نفعا ! و أنا إبن القيروان عولجت في نفس المستشفى منذ عقود وهو كما تركناه في الخمسينات و لم تضف اليه حكوماتنا التي همشت القيروان أي قسم جديد أو مرفق حديث أو جهاز سكانر أو سيارة إسعاف أو طبيب اختصاص ؟؟ العجيب أن مدينتي ماضيها أجمل من حاضرها هذا بالإضافة إلى أنها الولاية الأكثر فقرا في الجمهورية حسب تصنيف رسمي و التي ضربت الأرقام القياسية في جرائم العنف و في انتحار الشباب و تهجير الأدمغة و الحارقين عبر البحر مع مناطق أخرى مهملة و منسية ! إنني أوجه ندائي لكل المسلمين لأن القيروان جزء من أمجادهم و إلى الحكومة الحالية لكي تتحمل مسؤولياتها إزاء محنة الحضارة في إحدى قلاع الحضارة حتى لا يكون الإنهيار المبرمج لعاصمة الأغالبة وصمة عار في جبين جيل كامل !