مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية التي ستجري في 2019 وفق ما هو مقرر هناك مجالات ستتحرك وتنشط وسيتم التركيز عليها لأن لها دورا مهما في النتائج التي ستفرزها صناديق الاقتراع ومنها استطلاعات الرأي . هذا المجال الذي يعرف أيضا باستطلاعات الرأي لم يكن في بلادنا قبل 2011 يهتم بالسياسية بل كانت لها مجالات أخرى مثل المنتوجات الاستهلاكية للمؤسسات الخاصة وأيضا وسائل الإعلام أي مردوديتها ومدى متابعتها وحتى في تلك الفترة كانت هناك اتهامات كونها مسّيسة وان السلطة تؤثر فيها وتتحكم في النتائج . بعد 2011 تغير الوضع كليا فمن ناحية انتشرت مراكز سبر الآراء في بلادنا ومن ناحية أخرى دخل هذا المجال عالم السياسة والأحزاب وهو أمر منطقي بحكم عدة عوامل منها كثرة الأحزاب وأيضا التغيير الذي حصل في بلادنا أي الانتقال من سلطة الحزب الواحد والفرد إلى مجتمع متنوع تكرّست فيه الممارسة الديمقراطية وحرية التعبير. ضمن هذا صار هناك مجالان لهما تأثير كبير الأول الإعلام الذي صار يصنع الرأي العام ويوجهه ويؤثر عليه والثاني نتائج عمليات سبر الآراء التي صارت مقياسا لمعرفة مدى تأثير حزب ما أو شخصية سياسية أو حتى غير سياسية أي أن هناك منافسة صارت تحصل للظهور من قبل الأحزاب خاصة والقيادات الحزبية والسياسية في المراتب الأولى في عمليات سبر الآراء. عمليات سبر الآراء أو استطلاعات الرأي هي عمليات حسابية بحتة أي أنها أقرب إلى المجال العلمي لكن رغم ان هذا المجال تطور كثيرا خاصة في الغرب إلا انه بقي نسبيا أي انه لم يصل ولن يصل إلى معرفة كل الحقيقة بل هو يقدم نتائج تقريبية وفق آليات ضبطت . لكن مراكز سبر الآراء كثيرا ما تتعرض للاتهامات بعدم المصداقية من الإعلام والمحللين وأيضا من سياسيين وأحزاب كون أغلب مراكز سبر الآراء مسيّسة أو هي تشتغل وفق عقلية براغماتية أي تحول الأمر إلى تجارة والى حسابات لا علاقة لها بالأرقام التي تمثل العينات بل هي أرقام أخرى . لا يمكن فصل نتائج عمليات سبر الآراء التي تنشر والتي صارت دورية عن تتبع الآليات التي استخدمت واستعملت ففي الغرب الآليات معروفة بل ان القانون يلزم أي مركز يصنف كونه لسبر الآراء بجملة من الشروط يجب أن تتوفر فيه منها مثلا كشف إن كانت عملية سبر الآراء تلك تلقائية وروتينية أم أنها طلبت من جهة ما كما أن هناك مختصون يراقبون الآليات ومدى تطبيقها وأيضا يقيمون النتائج للتأكد من صحتها. في بلادنا للأسف فانه لا يوجد قانون منظم لهذا المجال ما جعله عشوائيا وغير خاضع لضوابط دقيقة تفرض عليه أن يكون موضعيا في مستوى النتائج. من هنا فان الأحزاب خاصة كما الإعلام وجزء من الرأي العام يتهم مراكز سبر الآراء في تونس بكونها صارت تجارة وأيضا محاباة بل وصلت الاتهامات كون النتائج تصدر وفق الطلب والمصلحة إن كانت مادية أو سياسية. لكن السؤال الذي لم يطرح هو: بغض النظر عن الآليات التي تستخدم هل يمكن مثلا لأجهزة الدولة مثل دائرة المحاسبات التثبت من مشروعية الأموال التي تحصل عليها مراكز سبر الآراء؟ هذا الأمر مهم جدا لأن الحديث عن اتهامات لبعض مراكز سبر الآراء لا يمكن أن يستقيم دون أدلة وأهم دليل هو مصادر الأموال.