رئيسة الحكومة: تنمية المناطق الحدودية أولوية مشتركة بين تونس والجزائر    وزارة البيئة تعلن عن فتح باب الترشحات لتقديم مبادرة فنية رياضية مسرحية ذات الصلة بالبيئة    صادم: أجهزة منزلية تهدد صحة الرئتين    جندوبة: تفقد مراكز توقير البذور والأسمدة وتوصيات لتوفير مستلزمات موسم البذر    قريبا: الغيث النافع من الشمال الى الجنوب التونسي    السجن لمروّج مخدرات بالوسط المدرسي..وهذه التفاصيل..    وزير الاقتصاد يؤكد التزام تونس بمواصلة الاصلاحات الاقتصادية    35 للراجل و29 للمرأة: شنوة اللي صار في أعمار الزواج للتوانسة؟    31 ديسمبر 2025: انطلاق موسم تصدير البرتقال المالطي إلى فرنسا    كندية ترفض مليون دولار نقداً وتختار شهرية أسبوعية للأبد    الألعاب الأفريقية للشباب – لواندا 2025: تونس ترفع رصيدها إلى 5 ميداليات برونزية    عاجل: نادي عربي يقدم عرضًا ضخمًا لمحمد صلاح    حملة صحية مجانية للتقصي المبكر لسرطان القولون بجهة باردو..    كأس القارات للأندية: فلامنغو البرازيلي يواجه بيراميدز المصري في نصف النهائي    جمعت تبرعات لبناء جامع...تفكيك عصابة تدليس وتحيل وحجز أختام وبطاقات تعريف    عاجل: قبل الدربي بيوم..لاعب الترجي يغيب عن المُقابلة والسبب ''عُقوبة''    كأس أمم إفريقيا "المغرب 2025": قائمة أفضل هدافي المسابقة عبر التاريخ    تأجيل محاكمة راشد الغنوشي وعدد من قيادات حركة النهضة    قابس: تركيز الشباك الموحد لتوفير مختلف الخدمات لفائدة حجيج الولاية    المتهم بقتل تشارلي كيرك يمثُل أمام المحكمة    عاجل: هذه حقيقة الوضع الصحي للفنانة ''عبلة كامل''    قضية عبير موسي..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    الرابطة الأولى: مستقبل المرسى يتربص بالمنستير.. و3 وديات في البرنامج    وزير الإقتصاد: حقّقنا نتائج إيجابية رغم الصعوبات والتقلّبات    عاجل: فتح باب التسجيل لطلبة تونس السنة الثالثة في الطب و هذا اخر يوم !    مدير عام الديوانة: هذا ما قمنا به لتبسيط المعاملات للمواطنين والمؤسسات    حاجة في كوجينتك فيها 5 أضعاف الحديد الي يحتاجه بدنك.. تقوي دمك بسهولة    هجوم سيبراني يخترق ملفات ل "الداخلية الفرنسية"    10 سنوات سجنا لشاب اعتدى على والدته المسنّة بقضيب حديدي    بطولة الرابطة الثانية: تعيينات حكّام مباريات الجولة الثالثة عشرة    عميد البياطرة: هاو علاش الكلاب السائبة منتشرة في الشوارع التونسية    عشبة شهيرة تخفض ضغط الدم وتساعد على النوم..والحوامل يمتنعن..    عاجل: دولة أوروبية تقرّ حظر الحجاب للفتيات دون 14 عامًا    مصطفى عبد الكبير: جريمة قتل الشابين في مدنين «عمليّة تصفية»    جدول مباريات اليوم الجمعة في كأس العرب ..التوقيت القنوات الناقلة    طقس اليوم: ضباب كثيف في الصباح والحرارة في استقرار    عاجل/ جريمة مدنين الشنيعة: مصطفى عبد الكبير يفجرها ويؤكد تصفية الشابين ويكشف..    القطاع يستعد لرمضان: إنتاج وفير وخطة لتخزين 20 مليون بيضة    ولاية واشنطن: فيضانات عارمة تتسبب في عمليات إجلاء جماعية    زلزال بقوة 6.5 درجة قبالة شمال اليابان وتحذير من تسونامي    وفاة 7 فلسطينيين بغزة جراء انهيارات بسبب المنخفض الجوي    رقمنة الخدمات الإدارية: نحو بلوغ نسبة 80 بالمائة في أفق سنة 2030    إثر ضغط أمريكي.. إسرائيل توافق على تحمل مسؤولية إزالة الأنقاض في قطاع غزة    خطبة الجمعة.. أعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    أيام قرطاج السينمائية: عندما تستعيد الأفلام «نجوميتها»    تونس تسجل نموًا ملحوظًا في أعداد السياح الصينيين بنهاية نوفمبر 2025    قبل الصلاة: المسح على الجوارب في البرد الشديد...كل التفاصيل لي يلزمك تعرفها    صدر بالمغرب وتضمن حضورا للشعراء التونسيين: "الانطلوجيا الدولية الكبرى لشعراء المحبة والسلام"    هيئة الصيادلة تدعو رئيسة الحكومة الى التدخّل العاجل    تونس تسجل "الكحل العربي" على قائمة اليونسكو للتراث العالمي    عاجل : عائلة عبد الحليم حافظ غاضبة و تدعو هؤلاء بالتدخل    بنزرت : تنفيذ حوالي 6500 زيارة تفقد وتحرير ما يزيد عن 860 مخالفة اقتصادية خلال 70 يوما    خولة سليماني تكشف حقيقة طلاقها من عادل الشاذلي بهذه الرسالة المؤثرة    بدأ العد التنازلي لرمضان: هذا موعد غرة شهر رجب فلكياً..#خبر_عاجل    الدورة الخامسة لمعرض الكتاب العلمي والرقمي يومي 27 و28 ديسمبر 2025 بمدينة العلوم    عاجل/ توقف حركة القطارات على هذا الخط..    عاجل: دولة عربية تعلن تقديم موعد صلاة الجمعة بداية من جانفي 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عيسى البكوشي يكتب لكم : الفكر الإباضي في جزيرة جربة..النشأة والتداعيات
نشر في الصريح يوم 05 - 10 - 2018

لقد تميّز تاريخ جربة بالحركيّة التي فاقت ما كان معهودا لدى أقوام أخرى وإنّه ليكفي الواحد منا أن يطالع رسائل الشيخ سليمان الحرائري التي حققها الأستاذ محمد ڨوجة حتى تنفجر أمامه بغزارة المادّة التاريخية.
هذا علاوة على الشحنة العنيفة والسمة الدمويّة للكثير من الأحداث وليس أشنعها برج الرؤوس أو ما وقع لعبد الله البرجي الذي قتل ثمّ سلخ وملئ جلده نخالة ثمّ أرسل إلى طرابلس وذلك بضع سنوات قبل أن يُلحق عثمان داي جربة بالإيالة التونسية سنة 1604 أي منذ أربعة قرون.
وعلى العموم فلقد سجّل التاريخ لفائدة هذه الجزيرة التي قد تبدو في عيون المعاصرين بالحالمة أو السعيدة على حدّ تعبير E.Grévin :« Djerba, l'île heureuse » ملحمة من أجل الحرية دامت أكثر من ألف عام.
يقول صلاح الدين التلاتلي في كتابه "Djerba, l'île des Lotophages"
كيف يمكن لنا أن نتصوّر أنّ هؤلاء "العطارة الهادئين" هم أسلاف أبطال الحرية على امتداد عدّة قرون:
« Comment imaginer que les placides épiciers qu'on voit aujourd'hui tout bourgeoisement installés derrière leurs comptoirs aient pour ancêtres des héros de la liberté qui durant près de 10 siècles se sont battus sans merci pour que leur petite île ne connaisse plus la servitude et la tyrannie ? »
من المتعارف عند غير الجربيين أنّ من يقول جربة يقول الإباضيّة فهما مترادفان بالنسبة للمخيال الجماعي وكثيرا ما يذهب الخاصّة والعامّة إلى نعت الجربيين بالخوامس أي أصحاب المذهب الخامس بما أنّهم لا يتّبعون مذاهب الأئمة الأربعة أي مالك وأبو حنيفة والشافعي وابن حنبل، فهل هذا صحيح وما هي نسبة الأسطورة من الحقيقة وهل أنّ كلّ الجربيين هم إباضيّون؟.
هذا ما سنتعرف عليه بعد حين ولكن اسمحوا لي أن أشير فقط أنّ الإباضيّين - أو أهل الدعوة كما يسمّون أنفسهم- هم بدورهم تشقّهم فروقات.
فمنهم الوهبيون ومنهم النكار أو مستاوة.
ولقد بيّن ذلك علماء جربة وهم كثر وأورد الأستاذ محمد ڨوجة قائمة مستفيضة في الكتاب الذي سبق ذكره والذي عنونه " علماء جربة".
فمن الأوائل نذكر أبا مسور مؤسس الحركة الفكرية الإباضية في القرن العاشر ميلادي ودفين ڨلالة وإسماعيل الجيطالي في القرن الرابع عشر وأبا القاسم البرّادي في نفس القرن ومحمد بن أبي ستّة وشهر بالمحشي لكثرة تعاليقه على حواشي الكتب وهو من القرن التاسع عشر، ومحمد بوراس صاحب " مؤنس الأحبة في أخبار جربة " وهو من القرن التاسع عشر.
ومن المتأخرين يمكن أن نذكر المشائخ سالم بن يعقوب المتوفى سنة 1991 وقاسم قوجة المتوفى سنة 1993.
وأمّا من ضمن الأحياء فيطيب لي أن أسمّي أبرزهم وهو الشيخ فرحات الجعبيري حفظه الله وهو صاحب الأثر النفيس " نظام العزابة عند الإباضية بجربة". وقد قام أخيرا الصديق الأستاذ عبد المجيد البدوي بنقل هذا السفر إلى اللغة الفرنسية كما قام بنقل أجزاء أخرى من المدونة الإباضية ذات المصدر العُماني.
وتزامنا مع هؤلاء تفتّحت قرائح أبناء جربة الذين كرعوا من مناهل العلوم على مدراج أعتى الجامعات الفرنسية فجاءت آثار الأساتذة محمد فريد غازي والبشير التليلي وصلاح الدين التلاتلي وأخيرها وليس آخرها المنصف ڨوجة طي كتاب اختار له هذا العنوان الجامع والمختزل في نفس الوقت" في نشأة الفكر العربي" « à l'origine de la pensée arabe.
كانت جمعية جربة الذاكرة وجّهت منذ أمد بمناسبة تقديم هذا الكتاب الدعوة لصفوة من المحاورين الذين امتازوا عبر مسيرتهم بأنهم ساءلوا بدورهم التاريخ الجربي وحفروا في أرض الجزيرة بمعاول الحبّ والشغف وأدلى كلّ واحد منهم بدلوه في أعماقها فأخرج منها كلّ نفيس وهم الأساتذة: فوزي البدوي أستاذ الحضارة والمهتم بمسائل الأديان والذي تناول مسألة المصادر ما قبل النهروان، والحبيب الجنحاني الأستاذ المتميّز الذي حاضر حول إسهام الإباضية في التطوّر العمراني في بلاد المغرب في العصر الوسيط، والمؤرخ محمد حسن الذي تناول مسألة التفاعل بين التراث المادي والتراث الفكري: التهيئة المائية نموذجا، وأخيرا الشيخ فرحات الجعبيري الذي ألقى الضوء على العطاء العلمي الإباضي في جربة.
هذا ولقد تشرفت بتقديم هذه التظاهرة التي التأمت في جنان التفاح بصدغيان بقولي:
" نجتمع في هذا اليوم الأغر من شهر صفر في هذا البيت الآمن المحصن الذي صمّمه المبدع العجمي ممّيته والذي أسّس بنيانه بفضل الله وعونه وبإرادة لم تتزعزع قطّ من طرف هيئة جمعيّة جربة الذاكرة التي أسّسها الأستاذ محمد بن إسماعيل بمعيّة رفاقه الخلّص. جمعيّة آلت على نفسها أن تنقش ما استطاعت من نفائس على سطح الذاكرة الجربية مساهمة منها في المحافظة على تراث الوطن وإحيائه في تناغم وانسجام مع كلّ المشاريع المنجزة والمبرمجة للدولة. قلت نجتمع في هذا البيت الذي يمثّل ركنا من هذا الجنان، بل قل هذا الروض العاطر لا فقط بالنبات الذي أينعت ثماره وحان قطافها بل وأيضا بهذا الأريج الذي سوف تبثّه نسمات الفكر وستشرئبّ أعناقنا إلى النهل من منابعه وسنروى إن شاء الله ماءً سلسبيلا نطفئ به ظمأنا ونشفي شغفنا لمعرفة أخبار السلف منذ قرون خلت إذ انّه يهمّنا الاطلاع على حال الجربيين وأحوالهم في جزيرتهم خلال هذه الحقبة من تاريخهم قبل أن يبدأ موسم هجرة الرجال إلى الشمال وفي كلّ الاتجاهات."
هذا الكتاب يشتمل على توطئة خطّها الشاعر اللبناني صلاح ستيتية المتحصل على جائزة الأكاديمية الفرنسية للآداب.
"إنّ المنصف ڨوجة باستطاعته أن يحوّل قلمه إلى سيف يحلّ به العقدة كلّما كان ذلك ضروريا ".
إننا لو انطلقنا من الخاتمة للمسنا الحيرة أو قل عدم الرضا عند المؤلف، ويعزى ذلك إلى صعوبة الاطلاع على وثائق ومخطوطات يحرسها الإباضيون بكل ما أوتوا من غيرة ... وكتمان، ورغم ذلك فلقد توصّل ڨوجة إلى بعض الاستنتاجات:
أوّلا: إنّ العصر الذهبي للفكر الإباضي امتدّ من القرن الخامس إلى القرن السادس وما حدث من بعد ذلك إنما هو إلا إعادة وترديد.
ثانيا: إنّ جمود الفكر الإباضي تزامن مع جمود الفكر الإسلامي إجمالا.
ثالثا: يتبيّن من خلال البحث واستنطاق النصوص أنّ الإباضيين كانوا منذ البدء لا يفصحون عن عقيدتهم ويسعون أن يقدّموا تمشيهم على أنه تمشّي موضوعي لا خلفيّة له بينما هم في حقيقة الأمر يتبعون مخطّطا واضحا ويستهدفون هدفا واحدا ومن أجل ذلك يمكن حشرهم بحسب المؤلف في زمرة المتكلمين.
رابعا: وهنا تكمن الإضافة العلمية والمساهمة الأكاديمية للمؤرخ ولمؤرّخ الأفكار بالذات، فلقد اعتنى المنصف ڨوجة من وراء إشكالية الفكر الإباضي المركّز على تنزيه الخالق بالمنهج الإباضي الذي نعته بالمتماسك والذي يسمّيه واضعوه بالمنطق، وقد حاول المؤلف أن يبيّن أنّ هذا المنطق هو منطق أرسطو الذي تمكّن منه الإباضيّون تمكّن المعتزلة.
ويذهب المنصف ڨوجة في هذا الشأن إلى التعجّب من عدم انتباه المؤرخين المعاصرين الذي انكبّوا على دراسة أثر المعتزلة إلى هؤلاء المعتزلة المعاصرين أي الإباضيين.
ولعلّ مردّ هذا إلى السمة التي اتصلت بالإباضيين منذ سالف العصور بالتشدّد وحتّى الردّة مثلما نعتهم ابن خلدون الذي يستشهد به المؤلف عند محاولة فهم الصراع بين التكار والوهبية ويقول: "أليس هذا تجسيما للصراع بين الحضر والبدو".
ولقد سبق الإمام سحنون بإخراجهم من الجامع بالقيروان هم والفرق الأخرى حتى يستتبّ الأمر كلّه للسنّة.
وفي هذا المجال يختم المؤلف سؤال: " في زمن تسعى فيه الديانات الكبرى للتقارب، هل من المقبول أن نعتبر المرجعية الإباضية ملّة متطرّفة؟".






.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.