بدأت السنة السياسية الجديدة في أجواء مصابة بتطورات " موبوءة" لم تكن في الحسبان ، فمنذ أشهر بدا أن العلاقات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أي رأسا سلطة تنفيذية برأسين ، قد اشتعل لهيبها ، فقد تمنى الرئيس الباجي قائد السبسي أن يستبدل رئيس الحكومة يوسف الشاهد، برئيس حكومة على ذوق ابنه حافظ قائد السبسي ، الذي استعصى عليه الشاهد وعلى مطالبه ، مثلما كان الأمر قبل عامين ونيف عندما ساءت العلاقة بين رئيس الحكومة الحبيب الصيد ، وابن رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي ، غير أن الشاهد الذي تعلم من التجربة ، و استمرأ المنصب ، واستعد مبكرا بعد تنصيبه لكل طارئ ، وبعد الدور الذي لعبه في وضع ابن الرئيس على رأس الحزب الأول في البلاد على شاكلة أحزاب البلدان غير الديمقراطية ، وفي إطار تبادل الهدايا دفع الشاهد حافظ قائد السبسي إلى قيادة حزب تم تغييب كبار مؤسسيه ، فنال كجزاء رئاسة حكومة قيل وقتها إنها ليست على مقاسه وأنه ليس من حجمها ، وسارت معه حركة النهضة في غير حماس إرضاء للوالد وعملا بالتوافق ، وما يتطلبه من تنازلات المفروض أن تكون متبادلة ، وبدا اليوم على لسان قيادات نهضوية ، أن مسايرة عزل الحبيب الصيد كانت خطأ فادحا ، ما يفهم منه أن طلبات ابن الرئيس ليس لها نهاية ، وأنها ليست دائما مقبولة. تمنيات رئيس الجمهورية بصرف رئيس حكومته الذي لم يعد من ذوق ابنه ، اصطدمت بصخرتين ، الأولى هي صخرة الشاهد نفسه الذي يبدو أنه استعد مبكرا للاحتمال ، وهو أعرف بتقلبات ابن الرئيس ، ومطالبه التي ليست لها نهاية والتي اعتبرها شاذة وغريبة farfelus، أما الثانية فجاءت من الحليف التوافقي ، ظاهرها الحفاظ على استقرار الحكم ، وباطنها الدفع لانفجار نداء تونس من الداخل ، أو ما بقي من نداء تونس من الداخل ، بعدما بدا من أن الشاهد ليس تلك اللقمة السائغة للبلع ، وبعد ما حملت كل الجهات سرا أو علانية أسباب الهزيمة في الانتخابات البلدية ومسؤوليتها ، لحافظ قائد السبسي لولا طوق النجاة الذي وفره له أبوه الرئيس. في هذه الاجواء المتعكرة تدخل سنة سياسية جديدة ، تتسم بعلاقة منعدمة أو تكاد بين رئيس البلاد ورئيس حكومتها ، وتتسم بنهاية وفاق بين النهضة والنداء ، وفقا لاستنتاج رئيس الجمهورية ، وهو في الحقيقة وفاق متواصل ولكن قائم على عكازين اثنين ، أحدهما الشاهد الذي اعتمد على كتلة برلمانية تعتبر الثانية حاليا بعد تدحرج كتلة النداء إلى مرتبة ثالثة ، رئيس الجمهورية يعتبر أن رفض الغنوشي صرف الشاهد ، والانتصار له يعلن عن الخلاف الذي أعده حافظ ، وهو قطع لخيط التوافق ، والغنوشي فوق أنه لا يرغب في صرف الشاهد والإبقاء على الاستقرار الحكومي ، يخشى من أن يأتي الرئيس برئيس حكومة ليس من ذوقه ، ما دام السبسي لا يريد أن يفصح عن مرشحه مكان الشاهد ، ولعل أخشى ما تخشاه النهضة تعيين رجل مثل وزير الداخلية السابق لطفي ابراهم ، الذي يعتقد أنه لا يخفي مناهضته للنهضة وتعامله مع أعدائها في السعودية والإمارات ، والذي تردد كثيرا أن تنحيته من موقعه من طرف الشاهد ، إن لم يكن بطلب صريح من قيادات النهضة ، فلعله استجابة خفية لها في غمزة من الشاهد للإبقاء عليه في موقعه رغم إرادة الرئيس قائد السبسي ، ومما يزيد في هذا الاعتقاد التسريبات الأخيرة ، الصادرة عن هيئة الدفاع بشأن اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي ، وهي تسريبات أقل ما يقال فيها أن ردود النهضة عليها لم تكن لا حاسمة ولا مقنعة وأنها حشرتها في ركن ضيق ، وهي إن كانت صدرت عن جهات قريبة من الجبهة الشعبية ، فإنها وفي هذا الوقت بالذات لم تشهد دفاعا من الشريك الآخر للنهضة في التوافق ، حيث تم تركها أي النهضة في الواجهة وحدها ، فهل جاء الوقت للعمل بمقولة لنائبة في مجلس النواب " تعري نعري " ما يعني أن لكل طرف له ما يكشفه إزاء الطرف الآخر ، وأن الستر هو سيد الموقف ، وبعد التسريبات ، هل ستتحرك العدالة للتأكيد أو النفي الجدي ، وهو ما يمكن أن يذهب إلى بعيد ، أو ينهي بصورة نهائية ما يتردد ، إذا أخذ القضاء بصورة جدية الأمر تقطع مع ما كان سائدا ربما لقلة الأدلة ، وربما لعدم ضم المعطيات إلى بعضها البعض. والبعض من اليائسين من القضاء ، يقول إنه إن لم تحسم العدالة ، فإن قناعة شعبية كافية للإدانة أو التبرئة حسب المواقع ، وإن عدالة السماء تبقى هي الملجأ . رسالة لطفي زيتون وهو القيادي في النهضة إلى قيادة النهضة ، ومواقف منار إسكندراني تحمل صيحة فزع ، إذ مفادها أنه لا بديل عن التوافق مع رئيس الجمهورية ، خصوصا مع ما يتردد بصورة متناقضة ، من أن الإخوان المسلمين بمن فيهم النهضة ، بصدد خسران مواقعهم على الساحة الدولية ، مع ما يمكن أن يستتبع ذلك من تداعيات قطرية ، فماذا لو رفع الغطاء المتعاطف خارجيا عن النهضة أو اعتبر دورها منتهيا؟ في هذه الأجواء تبدو السماء ملبدة بالغيوم ، و" الشيخ " الغنوشي يبدو أنه لا غنى له عن السبسي على الأقل في هذه المرحلة ، و" الشيخ السبسي " يبدو أنه لا غني له عن رئيس النهضة ، فيما تواصل النهضة في هدوء سياسة التمكين ، في انتظار أن تسفر الانتخابات المقبلة بعد حوالي عام عن نتائجها المتوقع أن تكون لفائدتها ، بسبب تشتت ما يسمى بأحزاب "الإستنارة" ، المصابة بداء الانقسام والتشرذم داخليا وخارجيا ، ماذا سيكون موقع يوسف الشاهد في كل هذا ، وهل هو قادر على مسك خيط رابط وناظم بين 51 نائبا ينتمون إليه ، مرشح أن يزيد عددهم في كتلة تنتسب له رغم كل محاولات النفي، وتجد جذورها يوما بعد يوم على حساب كتلة نداء تونس ، الذي يغادره كل يوم فوج جديد ، كما لو كانوا يهربون من مركب غارق . هل يمكن أن يضحي السبسي بابنه ، الشرط الأساسي المطروح لاستعادة حزبه وحدة صفوفه وقدرته على الفعل ؟ التصور الأول والسائد أن الشاهد ليس من وزن لا السبسي ولا الغنوشي ، ولا يملك دهاء لا هذا ولا ذاك ، وهو عبارة عن ظاهرة إعلامية ستعود إلى حجمها الطبيعي متى تفطن رئيس الجمهورية ، وعاد إلى حقيقة الأوضاع عبر التغييرات في القمة التي سيدخلها على الحزب الذي أسسه ، بمحاولة استعادة شخصياته المرموقة المؤسسة les ténors ، ولكن هل يبقى ذلك في مجال التمني ، وهل تعود النهضة لاستلام الحكم مجددا بعد الانتخابات المقبلة ، ومع من ، وهل ستتواصل سياسات التمكين التي مارستها زمن الترويكا وبعدها. ؟ لا شيء بات يمنع ذلك. [email protected]