أصدرت السلطة السعودية أخيرا بيانا (أوليا) كذبت فيه مزاعم قنصلها و سفرائها والمدافعين عن الباطل في سائل الإعلام المدعية منذ أسبوعين بأن جمال خاشقجي غادر مقر القنصلية بعد عشرين دقيقة يوم 2 أكتوبر و أن المملكة تتعرض لحملة معادية من ..تركيا و قطر والكنغرس الأمريكي و المعارضين ! ثم فند البيان نفسه كون الرجل حيا يرزق وهذا البيان يبدو لكل من اطلع عليه أنه مرتجل مضطرب لكن مهما كان تقييمنا لأقوال الرياض والقرارات التي إتخذها الملك سلمان بشأن إعفاءات و إقالات مست جهاز المخابرات فإن حقيقة ساطعة لم ينكرها ناكر وهي أن مقرا دبلوماسيا هو قنصلية المملكة في إسطنبول تم تسخيره لقتل رجل سعودي ثم أين جثة الضحية في البيان؟ لماذا عجزت تلك الأبحاث الأولية عن معرفة مكان إخفاء جثة القتيل ؟ على كل فمنذ الثاني من أكتوبر تاريخ زلزال الإغتيال تتردد على مسامع الرأي العام العربي و الدولي عبارة (إتفاقية فيانا الموقعة يوم 18 أبريل عام 1961) وهي النص الأساسي في القانون الدولي الذي يحدد مهمات البعثات الدبلوماسية و يقنن تطبيق مبدإ الحصانة الدبلوماسية وعموما يضبط باتفاق كل الدول الموقعة عليها مختلف تفاصيل العلاقات بين الدول و بين مجموعات الدول و قد وقعت على هذه الإتفاقية المؤسسة للمعاملات الخارجية كل دول العالم (195 دولة الى اليوم و من بينها المملكة العربية السعودية و بالطبع تركيا) تشرح الإتفاقية في مادتها الثالثة مشمولات كل بعثة دبلوماسية فتقول " تمثيل الدولة المعتمدة لدى الدولة المعتمد لديها و حماية مصالح الدولة المعتمدة وكذلك مصالح رعاياها لدى الدولة المعتمد لديها في الحدود المقررة في القانون الدولي مع حماية مصالح الدولة المعتمدة وكذلك مصالح رعاياها لدى الدولة المعتمد لديها في الحدود المقررة في القانون الدولي و التفاوض مع حكومة الدولة المعتمد لديها إلى جانب التعرف بكل الوسائل المشروعة على ظروف وتطور الأحداث في الدولة المعتمد لديها وعمل التقارير عن ذلك لحكومة الدول المعتمدة و تؤكد الإتفاقيةأن مهام البعثة هي تهيئة علاقات الصداقة وتنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة المعتمدة والدولة المعتمد لديها. ولا يفسر أي نص من نصوص هذه الاتفاقية بأنه يحرم البعثة الدبلوماسية من مباشرة الأعمال القنصلية من هنا نفهم بأن كل مقر للبعثة للدولة الموفدة لدى الدولة المضيفة تتمتع بحصانة كاملة لكن في نطاق القانون أي بشرط قيامها بما يسمح لها به القانون الدولي من إحترام لقوانين الدولة المضيفة و للقانون الدولي المنظم للعلاقات بين الدول و خدمة مواطنيها المقيمين بشكل دائم أو بصورة عارضة على أرض الدولة المضيفة و لا بد من استدعاء المادة التاسعة من الإتفاقية في هذا الحدث الغريب الذي وقع يوم 2 أكتوبر 2018 و التي تحدد تحركات أعضاء البعثة أو الأشخاص الذين يتعاملون معها تقول المادة 9 ما يلي : (للدولة المعتمد لديها في أي وقت وبدون ذكر الأسباب أن تبلغ الدولة المعتمدة أن رئيس أو أي عضو من طاقم بعثتها الدبلوماسي أصبح شخصا غير مقبول أو أن أي عضو من طاقم بعثتها (من غير الدبلوماسيين) أصبح غير مرغوب فيه، وعلى الدولة المعتمدة أن تستدعي الشخص المعني أو تنهي أعماله لدى البعثة وفقا للظروف، ويمكن أن يصبح الشخص غير مقبول أو غير مرغوب فيه قبل أن يصل إلى أراضي الدولة المعتمد لديها فإذا رفضت الدولة المعتمدة التنفيذ أو لم تنفذ في فترة معقولة الالتزامات المفروضة عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة فللدولة المعتمد لديها أن ترفض الاعتراف للشخص المعني بوصفه عضوا في البعثة. وهو ما لم يتم إحترامه حين حل بمقر القنصلية السعودية في اسطنبول فريق مشبوه لا يتمتع أفراده بالحصانة ما عدا ما أشيع من أن بعض الموفدين يوم 2 أكتوبر يحملون جوازات دبلوماسية وهو ما يخضع حسب الإتفاقية لنوع مقنن من التعامل لأن حمل الجواز الدبلوماسي يعني أن الدولة التي سلمته ذلك الجواز تثق فيه و تكون ضامنة لسلوكه البعيد عن الشبهات و هنا لا بد أن نلاحظ أن حمل بعض أفراد الطاقم السعودي الذي حل باسطنبول يوم 2 أكتوبر و غادرها في نفس اليوم للجواز الدبلوماسي مخالف لبنود إتفاقية فيانا من جميع الوجوه في صورة ما إذا ثبت بالدليل القاطع أنهم ارتكبوا جريمة من الحجم الثقيل تتمثل في إغتيال مواطن سعودي تفرض إتفاقية فيانا قطعيا على البعثة القنصلية و الدبلوماسية حمايته و خدمة مصالحه الادارية العادية كتلك التي اتصل جمال خاشقجي بالقنصلية لطلبها منها كأي مواطن يريد إنجاز معاملة شخصية ألا وهي إتمام إجراءات زواجه من المواطنة التركية خديجة جنكيز ! إن كل ما سبق يثبت المخالفات الخطيرة للمعاهدة المذكورة من قبل السلطات السعودية و نحن بالطبع لا بد أن ننتظر نتائج الأبحاث الجنائية التركية التي ربما قلبت بعض الموازين و أكدت وقوع الجريمة بشكل أكثر مصداقية من مجرد "شجار" حصل بين رجل أعزل ليس لديه سوابق في الشجار مع أحد و بين فريق إحترافي شبه عسكري مدرب على الفنون القتالية و على مهارات التعامل مع المهاجمين ! فياله من شجار بين مواطن مدني قادم لاستلام وثيقة قنصلية و خمسة عشر ضابطا ينتظرونه جاؤوا في طائرات خاصة لإنجاز مهمة واضحة كلفوا بها ! على كل فإن القانون الدولي في المجال الدبلوماسي و الذي تقننه إتفاقية فيانا وقع خرقه مما يوجب تدويل الحدث كما تنص الإتفاقية في بندها المضاف سنة 2014 بتكليف محكمة العدل الدولية بمتابعة أي إخلال خطير بالإتفاقية في حالة ارتكاب جريمة أو ممارسة إرهاب أو ترويج مخدرات أو القيام بعمل يهدد الأمن الاقليمي أو الدولي تحت غطاء الحصانة الدبلوماسية. إننا حيال أزمة غير مسبوقة في العلاقات الدولية ستبقى مرجعا للمتخصصين في القانون الدولي و ستظل وصمة في تاريخنا العربي الحديث مهما كانت نتائجها و الحقائق الصادمة التي ستتضح للرأي العام العالمي ! .