يسرت لي مهنتي أن التقي العديد من حكام العرب، ملوكاً ورؤساء وامراء وشيوخاً صيروا انفسهم امراء الخ.. كان بينهم من اشتهر بالدهاء كحافظ الاسد، وبينهم من عرف بالقسوة كصدام حسين، وبينهم من حولته السلطة المطلقة إلى منظر للعالمية الثالثة كمعمر القذافي، كما كان بينهم من كشفت فيه السلطة الرغبة في الخروج من القوقعة السعودية إلى المدى العربي المفتوح على المفاجآت كالملك فهد بن عبد العزيز الخ.. هنا سأروي بعض الوقائع الملكية او الرئاسية .. من خارج النص: ***** هدية من.. صدام! عرفت “السيد النائب” صدام حسين في اوائل العام 1969 وأجريت معه اول لقاء صحافي، كموفد من دار الصياد، عن “الرجل الغامض” الذي اشتهر بالقسوة والتخلص من مختلف “الشركاء” في انقلاب 14 17 تموز لينفرد بالسلطة في ظل خاله احمد حسن البكر، بداية، ثم لوحده وبصلاحيات مطلقة في ما بعد، وحتى سقوط العراق بعد مغامرات عسكرية عديدة ضد ايران ثم ضد الكويت في العام 2003. بعد فترة، دُعيت ثانية إلى بغداد، واجريت سلسلة من اللقاءات مع بعض كبار “المطلوبين” من المسؤولين السابقين، بينهم من كان سجينا في “قصر النهاية”، وبينهم كان قد أطلق بعد اشهار ولائه للنظام الجديد.. وكانت الخاتمة والاستماع إلى النطق بالحكم مع “صدام”.. انهيت مهمتي وجاء المرافق المكلف بتسهيل حركتي، لاصطحابي إلى مطار بغداد.. لكنني لاحظت، بعد دقائق أن سائق السيارة قد انحرف بها بعيداً عن مقصدنا فصرخت به: لماذا غيرت الطريق؟ فهمس لي المرافق: هون عليك، لديك موعد سريع مع “السيد النائب”، وسنكمل بعدها طريقنا. وصلنا إلى مقر “السيد النائب” فوجدت من ينتظر عند الباب، لكي يقودنا إلى مكتبه فوراً، فاستقبلني مبتسماً، ودعاني إلى الجلوس قائلاً: انس موضوع الطائرة.. هي طائرتنا ويمكننا التحكم بموعد اقلاعها.. تبادلنا جملاً قصيرة، ثم قام صدام إلى الخزانة التي تُشغل حيزاً في الجدار الخشبي المزخرف، وعاد وهو يحمل علبة خشبيه فخمة ومنقوشة وبدأ يتقدم نحوي بينما انا بدأت بالتراجع بظهري وقد ظهر ارتباكي. أدرك صدام اسباب اضطرابي، فاستمر يتقدم مني وهو يقول: لا عني، مو فلوس، مو فلوس، هذه هدية للمولود .. فقد علمت انك تتعجل العودة لكي تكون إلى جانب زوجتك وهي تضع مولودها.. الف مبروك! وحين صار امامي مباشرة فتح الصندوق الفخم فاذا فيه مسدس! صُعقت للمفاجأة: أن يهدي صحافي مسدساً… ثم تمالكت نفسي، فقلت معتذراً: آسف، السيد النائب، ولكني لا أستطيع قبول هذه الهدية، فلم احمل سلاحاً في حياتي، ولست من هواة جمع الاسلحة. قال صدام: ولكنها هدية مني للمولود.. والهدية لا ترد! قلت: يا سيدي، عندي مطاران، وحفلتا تفتيش.. ابتسم وهو يقول: اما في مطار بغداد فلن يسألك احد!.. وأما في مطار بيروت فقائد الطائرة سوف يتدبر الأمر.. ضغط الجرس فدخل “اليارو” ومعه السائق فابلغه تعليماته ليوصلها إلى الطيار.. ثم سلمه علبة “الهدية”، وودعني بقبلتين! ..وبين المطارين كان يمكن تدبير امر مسدس صدام!