من حين الى آخر تظهر وجوه سياسية، نحسبها في طريق الانقراض، لأنها أخطأت في السراط المستقيم، فتعيد الكرة، وهي تأمل العودة من جديد الى كرسي الحكم، والغريب في الامر، انها جربته، فأخفقت في التصرف في ادارته، بكل المؤشرات المتداولة للتقييم، واليوم تغتنم فرصة تردي الاوضاع لتطل علينا من جديد، وتبين بكل وقاحة، انها تقدمت بالبلاد الى الافضل، والواقع اليومي للمواطن يعكس ترهاتهم، و لو كان للحكام الذين تداولوا على ادارة البلاد بصيصا من المصداقية، ورأي سداد، لما أجروا كشوفا، لما تركه اسلافهم في الحكم، حتى على المدى القريب، وهي تركة تلو التركة، علاماتها الدمار، الذي لامثيل له في تاريخ تونس، فهذا من أزلام ومسيري "التريكا"، يحاول، بكل وقاحة، التنكر لما حصل في عهدها، وهو من الذين سلموا مفاتيح البلاد، لمن هب ودب، فانتصبوا امراء في بلادنا، واستقبلوا كزعماء في مطارنا، و جند لهم، على مرأى ومسمع كل الشركاء في الحكم، ميليشيات وزبائن، مكنتهم من حصانة لم يتمتعوا بها في مسقط رؤوسهم، وسمح لهم الخطب في منابرنا لزرع الحقد، والتنكر لما انجزته البلاد، بثوراتها المتتالية، من رقي، وتقدم في طريق الازدهار والمدنية، بقيادة زعيم فذ، المرحوم الحبيب بورقيبة، وأقر له بذلك، في ذكرياته الدكتور المنصف بن سالم، عالم من قيادة النهضة، ومن هذا المنطلق، وجب على الشيخ راشد ان يتصالح مع أجيال كانت فاعلة في بناء تونس، آمنت بالمنهج البورقيبي، ودافعت عنه، لأن الالتفاف حول الزعيم كان من واجب البناء والتشييد، وباعترافه يخطوا خطوة نحو التصالح المفروض، لمن يدعي الزعامة وينحت التاريخ، والاعتراف بأمجاد تونس فضيلة وواجب، لان بورقيبة سيبقى حاضرا بإرثه الثري وفكره التنويري، ولنترك جميعا للمؤرخين المجال للحكم على ما كانت عليه تونس قبل الاستقلال وما أصبحت عليه في عهده الاصيل، والترحم عليه ورفاقه، اعترافا لتضحيات جسيمة في تخليص البلاد من وطأة الاستعمار، وبناء دولة حديثة، وان وقعت سلبيات أو انحرافات فهي من العمل البشري، يجب تداركها، بوضعها في اطارها الزمني، و لا يمكن البتة، أن تحط من قيمة ما أنجز في كل الميادين الحياتية في بلادنا، في عهد الحزب الاشتراكي الدستوري، الذي كان مدرسة أجيال، ناضلت في سبيل خدمة الغير، بلا جزاء و لا شكورا، و لا ننس أن نذكر وحالتنا السياسية رثة، بأن "من زرع المعروف حصد الشكر"، و أن "من لانت كلمته وجب محبته"، تلك هي أمثالنا نرصدها لمن غابت عنهم الذاكرة، أو اغتروا بالزعامة الظرفية. ولنترك كلنا اللغو جانبا، حتى يعاد بناء الوحدة القومية على اسسها التي اعطت اكلها، وبين التاريخ جدواها، و لنتذكر، لان الذكرى تنفع المؤمنين، انه تدفقت على بلادنا، في بداية الثورة، اهل النفاق، مرتزقة وجدت اللجوء في احضان من يشاطرهم الرؤيا، و يساندهم التفكير، و يفتح لهم الآفاق، وقد نبهنا في كتاباتنا وغيرنا كذلك، في الابان من خطورتهم، ودعونا الى ترحيلهم من حيث أتوا، فلم نجد الاذان الصاغية، ولا القلوب الواعية، ولا التفكير العبقري، للاطلاع على ما ترمي نواياهم، وما تعيشه تونس اليوم، يعتبر من مخلفات بذورهم ومن الأجدر بزعماء "التريكا"، الذين مارسوا حكم البلاد، ان يلزموا الصمت، ويطلبوا العفو من شعب ابي، منحهم ثقته للنهوض به، آملا ان منارة الثورة التي قادها الشعب بأسره، بدون زعماء او أحزاب او جمعيات تذكر، توفر له عاجلا، العزة والكرامة، بتوفير شغل دائم، وتعليم عصري، وصحة ممتازة، ومسكن لائق، ولهذا التمني المشروع، أجاب اهل الحكم بالوعود المعجزة، و الانجازات الخيالية، و ذلك على مرور الزمن، و على تداول وجودهم في الحكم انكشف اليوم القناع، وتجلت الحقيقة ناصعة، التي اراد بعضهم تزييفها، والتلاعب بها، وأتي الرجل الابي، الذي عاش من الويلات ما لا يطاق، وهو من أهل العلم والمعرفة، ليروي حقيقة مساره، أعتبره شخصيا مساهمة في كتابة تاريخ تونس، فأثار الغبار على الانقلاب الطبي ومن آزره، ومن ساعد على انجازه، وروج لواقعه، ودافع عنه بكل قواه، لأنه مشابه لمشروعه، الذي كان حلما فأصبح واقعا لمناضليه. و لكن دارت الايام، وانقلبت المفاهيم، واستولى على البلاد ازلام كان سلاحهم السيطرة على الحكم، من زاوية الإدارة والأمن، وهم اليوم ايضا يريدون التواجد من جديد على الساحة السياسية، ويحاولون الركوب على الاحداث للانبعاث ثانية، في خضم المعركة المتوقعة في الانتخابات التي هي على الابواب، والتي ستنحت مستقبل اجيالنا، وبلادنا مصرح للمخابرات الاجنبية، تصول فيها وتجول، بلا قيد ولا حرج يذكر، والعولمة اباحت هذا التمشي الرجعي، وقد ابتدى مشوار الانتخابات بإعلان بعضهم ترشحه، ولنتذكر كلمات محمد حمزة وأغنية المرحوم عبد الحليم حافظ "ابتدي المشوار"، ونرددها منها "وابتدي وابتدي وابتدي المشوار..وآه يا خوفي من آخر المشوار جنه ولا نار يا عيني .. رايح وانا محتار آه يا خوفي" ينطبق خوفنا على مصير بلادنا، والمتطفلون على الابواب يترصدون، لإحباط كل التقاربات التي لا تتماشى مع مصالحهم الآجلة والعاجلة، و ستغدق الاموال لشراء الهمم، والصحافة لن تكون بمعزل على ذلك، والمطلوب، لان الحكم ليس بهين، ان لا نضيع الفرصة مرة أخرى، والاعتماد على الائتلاف والوفاق وارد، واليد المفتوحة ممدودة، شريطة التنازل كليا، عن التوجهات العقائدية، والطموحات الفردية، ولا أزال أعتقد أن هذا المسار هو القويم لرجوع الثقة، وبناء المستقبل، وطي صفحات الماضي بأفراحه واطراحه ان الواجب يدعوا الى اكتمال بناء مشروع تونس في الجمهورية الثانية، بدون حقد ولا كراهية، لان هذه النزعة، ليست من شيم الزعماء الذين يذكر لهم التاريخ اعمالهم في سبيل رقي أممهم، ودفعهم في مسايرة التطور والازدهار، فالشراكة التي نريدها هي ميثاق، يشترك فيه أعداء الامس وخلان اليوم. و كفانا المخاض السياسي العقيم، و ما تمليه مصلحة تونس، ونجاح تجربتها، هو فوق كل الاعتبارات الحزبية. ثبتنا نحن على مبادئنا وتحملنا الامرين، في عهد المخلوع، وأتت الثورة المباركة، فأزاحت الدكتاتور وأزلامه بدون رجعة، وبعث الأمل من جديد، وظهرت الحقائق ناصعة، وأصبحت مصلحة تونس، ونجاح تجربتها، فوق كل الاعتبارات، فالتحرر من الارث الايديولوجي مهما كان نوعه وتبعاته اصبح واجبا، لضمان مستقبل تونس، وردا ايجابيا لما آلت اليه البلاد من تدهور نتيجة حكم لوبيات المال وأتباعها، وحان الوقت لكتابة صفحة جديدة في تاريخ تونس، فلنكتبه جميعا، سلاحنا الآية الكريمة "اعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" ومنهجنا الآية الكريمة "الصدق في القول والاخلاص في العمل" لتونس لا لغير!