البارحة وفي احدى القنوات التلفزية تابعت حوارا سياسيا مسائيا كان طرفاه الرئيسيان ممثل عن النهضة وممثلة عن النداء واحتد بينهما النقاش والحوار والخلاف حتى ظننا انهما لم يكونا في يوم من الايام صديقين حميمين متحالفين ومتفقين تمام الوفاق ومتعانقين تمام العناق فقلت فتذكرت في نفسي ما قاله الحكماء وهل في عالم السياسة حقا صداقة وولاء ووفاء؟ لقد ثبت بالكاشف والمكشوف للعيان ان عالم السياسة اليوم عالم خاضع لفلسفة ابليس ووحي الشيطان فجماعة السياسيين وخاصة منهم الزعماء والقواد الأولون يضحكون لبعضهم بالشفاه ويتصافحون بالأيادي في الصباح والمساء ولكن حقيقة قلوبهم مليئة بالحقد وبالحسد وبالعداء ولكم اضحكني في ذلك الحوار ان ممثلة النداء تعيب عن النهضة اليوم بعد ما وقع بينهم من الخلاف والخصام انها استاثرت بالحكومة ومسكت بتلابيبها كلها من اليمين الى اليسار ومن الخلف والأمام ولكن هذه السياسية الصغيرة نسيت ان هناك كثيرا من العقلاء لم يعجبهم قولها بل يعتبرونه نقدا وخطا وقع فيه حزبها النداء الذي نساله فنقول ولماذا لم تصرحوا بهذا الأمران كان حقيقة قبل هذا الخلاف ؟وهل كنتم عن هذا الوضع غافلين ؟ام كنتم به من الراضين وعليه من الساكتين؟ ولا اظنكم في كلا الحالتين قادرين على تبرئة ساحتكم فان كنتم عنه من الغافلين فلا حاجة للتونسيين بحزب تنقصه الفطنة والانتباه وان كنتم عنه من الساكتين فقد ساهمتم بايديكم وسكوتكم في ترسيخ هذا الوضع وتثبيت مضمونه وفحواه وبناء على ما تقدم من الأمر وهذا المنطلق وهذا الأساس فلا نظنكم قادرين اليوم على تغيير الحال على الأقل كما يرجوه النداء وكما يتمناه فقد وقعت كما يقول المثل التونسي الفاس في الراس واصبح حزب النهضة اكثر قوة واصبح صعب المراس ومن اجل ذلك راينا ممثل النهضة يتكلم في حوار الأمس بهدوء وتوازن وانشراح واطمنان بما راينا ممثلة النداء تتكلم بشيء من الغضب والحدة والحسرة والتكشير عن الأنياب و الاسنان ومهما يكن من امر فان العقلاء الذين عجبوا سابقا من الوفاق والعناق بين النهضة والنداء هم اليوم يرون و يقولون ان العلاقة بينهم قد ظهرت على حقيقتها وطبيعتها واصلها فالحزبان مختلفان في كل شيء بلا جدال وما كان بينهما من اتفاق وانسجام وتحالف سابق كان لغايات مختلفة تمام الاختلاف ويصدق فيه قول الحكماء الأولين الذين كثيرا ما تطيب بذكر حكمهم ومثالهم النفوس والأنفاس(جا يعون فيه على قبر بوه هربلو بالفاس) اما اهل الدين والفقه المتمعنين في قراءة وحفظ كتاب الله عز وجل فقد قالوا في اجمل واروع الجمل(ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل)وهل يشك عاقل في ان التحالف والتوافق السابق بين النهضة والنداء لم يكن ابدا يوما لله وانما كان لقضاء مصالح ضيقة لا يجهلها اهل الفطنة والفهم والانتباه؟ وختاما في تحليل هذا الوضع السياسي التونسي الحالي المريض السقيم الأليم لا نجد افضل من الترحم والدعاء لذلك العاقل الحكيم الذي قال بعد ان درس وحلل وفهم حقيقة الصحبة الغريبة التي تقع احيانا بين الأعداء والخصوم (لو كانت الصحبة تبقى وتدوم لعجلت الآخرة بالمجيء وبالقدوم)