تجري اليوم محادثات في مقر الأممالمتحدة بجينيف بين الجزائر والمغرب برعاية أمينها العام بغاية التوصل إلى حل بين الطرفين بخصوص مصير الصحراء الغربية وقضية البوليزاريو الموضوع الذي أعاق بناء مشروع المغرب العربي الكبير وشل عمله و جعل هذا الحلم الذي راود الكثير من الأجيال منذ مؤتمر طانجة في 1962 عندما كانت الارادات السياسية للبلدان المغاربية متطلعة نحو بناء مشروع سياسي كبير يكون قادرا على تغيير وجه المنطقة المغاربية والنهوض بشعوبها ويحقق النهضة الاقتصادية والتنمية التي كانت حلم الدول والشعوب المغاربية بعد نهاية حقبة الاستعمار وبداية بناء دولة الاستقلال . ولكن قبل هذه المحادثات التي تقع اليوم والتي تجري في سرية تامة وبعيدا عن أضواء الاعلام كان العاهل المغربي محمد السادس قد وجه رسالة الى نظيره الجزائري هي بمثابة مبادرة تاريخية لإنهاء الخلاف بين الجارتين وإجراء حوار صريح وجدي حول كل القضايا الخلافية لإزالة العراقيل والصعاب التي كانت تعيق وتعطل إعادة التقارب من جديد وتجاوز ما حدث من خلافات في مرحلة تاريخية من العلاقات الثنائية . ما يحير في هذه المبادرة المغاربية هو الصمت الذي رافقها والسكوت من الجانب الجزائري والموقف الذي اتخذته القيادة الجزائرية بعدم الرد على رسالة العاهل المغربي ذلك أن المغرب كان ينتظر ردا رسميا على مطلب عقد اجتماع ثنائي فجاءت الإجابة من الخارجية الجزائرية وليس من الرئيس بوتفليقة التي حولت رغبة المغرب في عقد لقاء ثنائي إلى عقد اجتماع مغاربي على مستوي الاتحاد المغاربي . ما لم يفهمه الجزائر أو أنه فهمه ولكن تعمد افراغ الدعوة المغربية من محتواها هو أن مطلب المغرب كان واضحا وهو عقد لقاء ثنائي لوجود الكثير من المشاكل العالقة بين البلدين والعديد من نقاط الخلاف يحتاج إلى حلها قبل الذهاب إلى القمة المغاربية فالموضوع الذي طرحه المغرب لا يتعلق بموضوع تعطيل مسيرة اتحاد المغرب العربي ولا بالبحث عن وسائل لحلحلة الفتور الذي يشهده هذا الهيكل وإنما كل الموضوع هو ضرورة عقد لقاء ثنائي من أجل حوار تناقش فيه كل القضايا وتفتح فيه كل الملفات التي كانت سبب قطع العلاقات بين البلدين وتعطيل المغرب العربي وجعله هيكلا من دون روح. المبررات التي قدمها المغرب لنظيره الجزائري حول توقيت هذه المبادرة هي أن الحوار اليوم بين الجزائر والمغرب بات ملحا وضروريا ويدفع إليه ما تشهده المنطقة المغاربية وما يشهده العالم من تحولات عميقة وتطورات على مستوى عدم الاستقرار ومن اهتزازات مرتقبة ومن تهديدات بانهيار النظام العالمي الحالي ومن ورائه كل المنظومة العالمية الاقتصادية والمالية والسياسية وهذا ما يجعل من المغرب يبدي تخوفاته من مواصلة الخلاف مع الجزائر فالمصلحة تقضي أن يعود الوئام بين البلدين من أجل صالح الشعوب والحكومات والمصالحة تقتضي أن تزول الخلافات حتى يلتفت البلدان الى معالجة التحديات الحقيقية والاكراهات القادمة . من المعلوم اليوم والذي بات واضحا للجميع أن الخلاف الجزائري المغربي هو خلاف حول الصحراء الغربية وحول عدم الاتفاق على حل واحد لقضية سكان الصحراء البولزاريو التي هي اليوم إرث ثقيل أعاق بناء الاتحاد المغاربي وأعاق تقدم هذه الوحدة وأفشل كل اندماج وكل نوع من أنواع التعاون الاخرى غير السياسية من أجل ذلك فان إحداث آلية للحوار اليوم وفتح قناة للنقاش بخصوص كل القضايا والمشاكل ووضعها على الطاولة لإيجاد مخرج لها اذ اتضح اليوم انه ليس هناك مشكل الصحراء فقط وإنما هناك مشاكل زادت من حدة الخلافات على رأسها قضية المخدرات القادمة من المغرب نحو الجزائر وموضوع التهريب الذي يهدد اقتصاد البلدين وخطر الارهاب الذي يهدد امن واستقرار البلدين . ما طمح اليه المغرب هو ان الوقت قد حان لكسر الجليد تدريجيا ين البلدين وفتح صفحة جديدة من العلاقات السلمية من خلال الاتفاق على وضع آلية دائمة للحوار الثنائي بعيدا عن إطار المغرب العربي واجتماع هياكله . إن الامر المحير والأمر غير المفهوم هو هذا الرفض من الجانب الجزائري لقبول هذه المبادرة وهذا الرفض لإجراء حوار مباشر وصريح حول كل القضايا العالقة وإنهاء سنوات من العلاقة المتوترة. يذهب بعض المراقبين لتطورات قضية الخلاف الجزائري المغربي في الوقت الذي تناقش فيه قضية الصحراء الغربية في جينيف لإيجاد مخرج لها الى أن موقف الجزائر الرافض لدعوة المغرب للحوار المباشر يعوزه عدم جاهزية الجزائر إلى مثل هذه الحوارات بعد أن تفاجأ قادتها السياسيين برسالة العاهل المغربي ودعوته للحوار في ظل رئيس دولة غير قادر على ادارته . مرة أخرى يتضح أن موضوع الاتحاد المغاربي وموضوع البناء المغاربي هو آخر همّ يفكر فيه القادة المغاربة وبأن الحلم الذي راود الأجيال بوحدة مغاربية تحقق القوة والازدهار للشعوب قد انتهى وتلاشى إلى الأبد بعد أن عسر اليوم إجراء مجرد حوار ونقاش بين بلدين من أجل ازالة المشاكل العالقة بينهما و مجرد الحوار بات اليوم صعب المنال وإمكانية مستحيلة وغير ممكنة .. إن المنطقة المغاربية اليوم تهددها مخاطر كثيرة وهي معرضة للهزات وتتأثر بما يحصل خارج حدودها ومع ذلك تغيب الرؤية الثاقبة والرؤية الاستراتيجية المستقبلية لتحل محلها النظرة الضيقة والحسابات الآنية وهذا فعلا ما فعلته الجزائر حينما رفضت رسالة العاهل المغربي ولم ترد على مبادرته وغلبت حساباتها الضيقة .