هذا مثل معروف يقال في من اشترى او في من ارغم غيره على(عركة )او خصومة مفهومة او غير مفهومة... ولما يرى اي رد فعل يصدر ممن تضرروا من موقفه وفعله قد يفضحه ويحيره ويجره الى الهزيمة النكراء ويصيبه بالغم والهم والبلوى يرفع صوته وعقيرته ويسيل حبره حينئذ بالصراخ والصياح والبكاء والشكوى مدعيا انه مظلوم وانه ضعيف ولا حول له ولا قوة ومتهما من يريد ومن يشاء بانه يريد إيذاءه وإسكاته واهانته... ولقد تذكرت واستحضرت كل هذه المعاني لما قرات البيان الذي اسرع الاتحاد العام التونسي للشغل باصداره لما راى ان عددا كبيرا من الأولياء قد خرجوا وتظاهروا وتجمهروا للتنديد بالاضراب الذي دعت اليه ونفذته جامعة التعليم الثانوي والذي تعطلت على اثره الدروس وتاه التلاميذ في الشوارع والطرقات وكانه قد اصابهم وحل بهم سوء الحظ ونحس النحوس كما احتار وقلق وضج كل الأولياء خوفا على مصير ابنائهم في هذه السنة الدراسية التي شهدت اضرابات وتقطعات وصراعات لم يشهدها تاريخ تونس منذ ان قام فيها النظام التعليمي منذ اعوام وسنوات والتي اصبحت مهددة بغول وعفريت اسمه السنة البيضاء... ومما دفعني حقا الى المسارعة بكتابة هذا المقال وكنت قد رايت تاجيل كتابته في اصل وحقيقة وواقع الحال هو شكوى و زعم الاتحاد بان هناك اطرافا سياسية لم يسمها ولم يعينها ولم يصفها ركبت موجة وحصان احتجاج وتظاهر الأولياء لتصب جام غضبها على الاتحاد وتحميله التخطيط لضرب كل دواليب ومصالح البلاد وتشويه سمعته لدى الناس والعباد ولئن كان بيان الاتحاد لم يقدم ولو دليلا واحدا على ما يدعي وما يقول الا اننا نقول له ونساله ولماذا لم تقدم بيانا مماثلا منذ ايام لما استغل بعض السياسيين المعروفين بتوجهاتهم المعارضة للحكومة اضراب يوم السابع عشر من جانفي الماضي وشاركوا جهارا في ذلك الاضراب ولما سئلوا عن سبب ذلك قالوا انهم احرار في ان يشاركوا في كل اضراب يعجبهم ويخدم مصالحهم في هذه البلاد وفي هذه الديار وزادوا فرفعوا شعارات ورددوا كلمات جارحة نابية في حق الحكومة واعتبروها حكومة فاشلة كاذبة منبطحة مذمومة؟ فهل عمل اتحاد الشغل بذلك المثل القديم الذي يختصر موقفا واضحا مبينا (حلال عليكم حرام علينا)؟ كما لاشك عندي ان اتحاد الشغل قد فوجئ وحزن وابتأس وتكدر وتحير من ردة فعل الأولياء الطبيعية الذين خرجوا وتكلموا لاول مرة في تاريخ هذه البلاد وصبوا جام غضبهم على نقابة التعليم ومن ورائها الاتحاد وكيف لا يحزن النقابيون الثوريون وقد اصبح الشعب كارها وناقما على ما يفعلون وما يقررون وكيف لا يثور الأولياء ولا يضجون وكيف لا يعمهم الغضب وقد راوا ان اتحاد الشغل الحالي قد نسي او حاد عن سياسة ومنهج زعيم الاتحاد الأول الذي قال يوما (احبك يا شعب)؟ وهل تدل تصرفات اتحاد الشغالين اليوم وخاصة جامعة التعليم انها تحب حقا الشعب وهي تعطل اكبر مرفق عمومي يمس جميع التونسيين ويجعلهم جميعا يتوقعون سنة بيضاء بل سوداء تضيع من حياتهم وتزيدهم عذابا على عذاب وشقاء على شقاء؟ اننا ننصح بل نحذر اتحاد الشغالين انه ان واصل وتمادى في تصميمه على تعطيل وارباك مصالح التونسيين واعلان الاضرابات في كل اتجاه وفي كل ان وفي كل حين مستترا ومتقنعا ومحتجا بالدفاع عن حقوقهم الاجتماعية ان يفقد فجاة قاعدته الشعبية التي رايناه يعتمد عليها ويستمد منها قوته في مجابهة الحكومة الحالية ويجد نفسه وحيدا معزولا في الميدان ليس له درع وليس له رجلان ولا يدان وليته يتذكر وليته يعمل بذلك المثل التونسي الذي قاله حكماء بلادنا منذ زمان(عارك وخل للصلح مكان) لكننا راينا مع الأسف الشديد ان زعماء اتحاد الشغل دخلوا مع حكومة الشاهد منذ مدة في صراع شديد اسبابه الحقيقية معروفة لدى العقلاء وغير خفية وهم في شبه تخميرة هستيرية هوجاء وقالوا دون طول تفكير عميق بل في عزة وثقة عمياء انه ليس لهم في صراعهم اليوم مع الحكومة ومع الشعب اي خطوط حمراء فليتحملوا اذن نتيجة هذا الصراع وعليهم الا يلوموا والا يعاتبوا والا يشتكوا خصومهم اذا عاملوهم بنفس عملتهم واسمعوهم ما شاؤوا من كلام وداووهم بما شاؤوا من الدواء ولكم يؤسفني ان اختم مقالي بحكمة يجب ان يعلمها وان يتذكرها كل من اختار ان يدخل مع غيره في صراع ولا يتوقع ان يثير به الغبار وان تشتعل خلاله النار(ما دواء الفم النتن الا السواك الحار) ...حمى الله تونس من اشتعال النيران ومن سواد الدخان وهدى اهلها جميعا الى تحكيم العقل وجميل الراي وسديد القول وحسن البيان