يعتبر رضا التركي أحد أهم المنتجين في السينما التونسية فقد كان لسنوات طويلة الرجل الثاني في "كارتاغو" لطارق بن عمار حتى مغادرة هذا الأخير تونس أيام محمد مزالي كوزير أول ثم أسس شركته الخاصة سنة 1987 وساهم في جلب عدة سينمائيين أجانب وخاصة من إيطاليا للتصوير في تونس (فيلم المريض الأنجليزي مثلا) وشارك في إنتاج عدة أفلام من بينها "الزازوات"لمحمد علي العقبي و"عرب" للفاضلين الجعايبي والجزيري و"خريف86" لرشيد فرشيو و"الحضرة" للمنصف ذويب و" نغم الناعورة" لعبد اللطيف بن عمار، ثم فكر في إنجاز مدينة سينمائية بالشبيكة (ولاية توزر) وقطع خطوات لتنفيذ المشروع قبل أن يتراجع ليساهم مع شركاء إيطاليين في بناء استوديوهات الحمامات (منطقة الأطرش)، ويبدو أن متاعب الرجل قد بدأت منذ ذلك الوقت ...التفاصيل في الحوار التالي... _ تقول إن "ستوديوهات الحمامات" هي حلمك ومشروعك مع أطراف إيطالية وشاهدنا تسجيل فيديو لحفل التدشين بحضور وزير الثقافة السابق "عبد الباقي الهرماسي"سنة 2001، وتقول أيضا إن المنتج "طارق بن عمار" تواطأ مع السلطة التونسية ليفتك منك هذا المشروع... لماذا إذن سكت على حقك كل هذه السنوات؟ _ سكت مثلي مثل غيري في مرحلة فرضت على الجميع الصمت على المظالم كلها... _ كان الجميع صامتا على مظالم بن علي وليس على طارق بن عمار؟ _ نظام بن علي تواطأ مع طارق بن عمار في تلك الفترة وأرغموني على السكوت مقابل الحصول على مبلغ مالي كتعويض أو كمقابل للتفويت في المشروع... _ من قال لك ذلك؟ _ عبد الله الكعبي وزير الداخلية آنذاك وقد دعاني إلى مكتبه بعد حفل تدشين المشروع وطلب مني الخروج من المشروع لأن الدولة معنية بالمشروع وستسلمه إلى أطراف أخرى، ولم أكن حينها أعلم رغبة "طارق بن عمار" في "افتكاك" المشروع... _ وكيف كان موقف وزير الثقافة الذي دشن المشروع؟ _ تعاطف معي في البداية، فقد كان متابعا للمشروع منذ بدايته كفكرة حتى التدشين، وتعجب من عملية "السطو" هذه، ثم تلقى تعليمات سياسية بالتزام الصمت فصمت مثلي... ولما عبرت عن رفضي ل"عبد الله الكعبي" وقلت له إن هذا المشروع خاص ولد بيني وبين أطراف إيطالية، قال إنها تعليمات رئاسية لا بد من تطبيقها ووعدني بتعويض مالي قدره مليون دينار، ولكن "طارق بن عمار" لم يقبل بالمبلغ فتم تكليف لجنة تضم كل من "نجيب عياد"، "درة بوشوشة"، "عبد اللطيف بن عمار"، و"أحمد بهاء الدين عطية" لتكون الحكم بيني وبينه، والتقينا جميعا في منزل "عبد اللطيف بن عمار"، وكان "طارق بن عمار" حاضرا وأسفرت هذه الجلسة على اتفاق يلتزم بمقتضاه "طارق" تمكيني من نصف المبلغ أي 500 ألف دينار... _ تتنازل بسهولة وهذا يثير الكثير من نقاط الاستفهام؟ _ أتنازل بسهولة لأنني كنت في موقف الضعيف، فيما كانت السلطة تدعم "طارق بن عمار" بشكل واضح جدا، وكانت التعليمات الرئاسية صارمة بضرورة أن ألتزم الصمت وكانت تتردد على مسامعي عبارة واحدة "سكر فمك"... وحتى المبلغ المتفق عليه لم أتسلمه ولم تقدم لجنة التحكيم محضر الجلسة بسبب التعليمات ربما ولا أدعي أن اللجنة تواطأت ضدي ولكنها على الأقل لم تساندني و"رخت شوية"... _ هل تعرضت إلى تهديد حقيقي؟ _ طبعا، فقد جاءني "أحمد منصور" الخبير المحاسبي بتكليف من طارق بن عمار للتنازل عن أسهمي في المشروع الذي كرست له وقتي كله، وتفرغت له، ولما رفضت التوقيع وطلبت تقييم أسهمي فيه بشكل موضوعي قال لي حرفيا "كل واحد عندو سومو، وتوة يعطيوك 50 ألف دينار" فرفضت رفضا قاطعا وطلبت منه مغادرة مكتبي... _ وكيف كان موقف الطرف الإيطالي؟ _ تعرض الطرف الإيطالي هو أيضا إلى الضغوطات نفسها من "برلسكوني"، فرضخنا وقلنا مصلحة البلد فوق الجميع، وما دامت هذه المصلحة تفرض أن يتسلم "طارق بن عمار" المشروع فليكن وطالبنا فقط بالحد الأدنى من حقنا في التعويض المالي ولما جوبهنا بالمماطلة التجأنا إلى القضاء فحوصرنا في كل مكان وسلطت ضدنا كل أساليب الردع والتهديد وتم استدعائي في أمن الدولة وسألوني "ها الطلاين اللي جبتهم معاك في المشروع منين تعرفهم؟؟" فما كان مني إلا أن التزمت الصمت بعد أن تعرضت إلى ثلاث أزمات قلبية... _ تتحدث عن "طارق بن عمار" وكأنه غريب عنك والحال أنكما كنتما على وفاق واشتغلتما معا، لماذا لم تتواجها كصديقين قديمين لحل هذا الإشكال؟ _ تحدثت إليه واعترف لي بأنني صاحب حق ولكنه وصف ما حدث بأنها "حرب نظيفة" وبدا لي منزعجا من مبادرتي بتأسيس شركة خاصة بي للإنتاج السينمائي في الوقت الذي اختارهو أن يغادر تونس منتصف الثمانينات للعمل في الخارج وطلب مني آنذاك أن أرافقه إلى هناك ولكنني رفضت بسبب التزاماتي العائلية بشكل خاص... ومنذ 2002 لم يجمعني أي لقاء به... ولكنني اليوم أعيد فتح الموضوع وفي نيتي أن أستعين بالقضاء لاستعادة حقي والغرفة النقابية لمنتجي الأفلام مستعدة لإدلاء بشهادتها معي، وأملي كبير في أن تتحرك الضمائر بعد الثورة لتقف في صف الحق...أنا لا أريد تصفية حسابات مع أي كان ولكن حياتي انقلبت بفعل ما حدث لي صحيا ومهنيا وما يهمني هو أن أستعيد بعض حقي فلا معنى لثورة لا تنصف من ظلم سواء تعلق الأمر بي أو بغيري وطارق بن عمار لا حصانة له اليوم حتى يواصل ظلمه لي... _ قلت إن "طارق بن عمار" وصف ما حدث بأنها حرب نظيفة... ما هي الأسباب الخفية لهذه الحرب؟ _ لا أعرف... كنت أعمل وأنتج بمعدل ثلاثة أفلام أجنبية في العام وكانت 90 في المائة من الأفلام الإيطالية تصور في تونس... _ هل تعترف بأنه كان وراء دخولك إلى عالم السينما؟ _ لا لم يكن "طارق بن عمار" وراء دخولي للميدان السينمائي، بل أنا مدين لعبد اللطيف بن عمار ولطفي العيوني (شركة لطيف للإنتاج) بأول معرفتي بعالم الفن السابع... _ والوقائع التاريخية تثبت أن طارق بن عمار هو الذي استنجبك ومنحك فرصة العمل كمدير للإنتاج في أعمال ضخمة؟ _ كنت صاحب مكتب للحسابات أتعامل فيه مع عدد من الشركات ومن حرفائنا "لطيف للإنتاج" ثم هاتفني "عبد اللطيف بن عمار" واقترح علي أن أعمل "محاسبا" في فيلم إيطالي ل"روسليني" منتصف السبعينات فكان ذلك أول عهدي بالإنتاج السينمائي وهناك التقيت للمرة الأولى بطارق بن عمار الذي التحق فيما بعد بإنتاج فيلم ل"زفريللي" مع "لطيف للإنتاج" وكنت أحد الأطراف في هذا الفيلم وقد لاحظ "طارق" حرفيتي وسرعة تواصلي مع فريق العمل ساعدني في ذلك إجادتي للغة الإيطالية فاقترح علي الانضمام إلى شركته "كارتاغو بروديكسيون" واشتغلنا معا عددا من الأفلام ولكنه حين غادر تونس منتصف الثمانينات اخترت أن أؤسس شركتي الخاصة "أنترناسيول منستير فيلم خدمات" ويبدو أن هذا الأمر لم يكن محل رضاه... _ ستتجه إلى القضاء من جديد لاسترجاع حقك، ماذا لو طلب منك "طارق بن عمار" تسوية الأمر سلميا؟ هل تقبل بالمقايضة؟ _ مع إحترازي على كلمة "مقايضة" أقول لك لا مانع لي في تسوية الأمر بمعزل عن القضاء، المهم هو أن أسترد حقي بالكامل... أنا لا أستجدي "طارق بن عمار" الذي بعث إلي بوسيط لتشغيل ابنتي بعد دراستها في أمريكا ولكنني رفضت... هدفي هو أن أسترد حقي وما ضاع حق وراءه طالب... _ لماذا لم تعد تونس الوجهة المفضلة للسينما الأجنبية والسينما الإيطالية تحديدا؟ أحنا اللي تبدلنا واللي الطلاين هوما اللي تبدلو؟ _ أولا لم تعد السينما الإيطالية على نسق إنتاجها المعهود، وأنا شخصيا لم أعد مندفعا في عملي كما كنت في السابق وصرت أخشى من "التعليمات الرئاسية" إن أنا دخلت في مشروع جديد... فهل هناك ما يضمن لي عدم الاستيلاء على ثمرة مجهودي؟ لا شيء ولا أحد يضمن ذلك في عهد استباح كل شيء... وسنة 2003 دعتني شركة إنتاج "روبيرتو بينيني" وتهربت من العمل معه خوفا من المضايقات ولكنهم أصروا على التعاون معي واشتغلنا معا فيلما... منذ ذلك لم تعد تونس الوجهة المفضلة للسينما الإيطالية والأجنبية عموما بسبب الإجراءات الإدارية المطولة والمعقدة... _ ألم يحل الشباك الموحد هذا المشكل؟ _ جاء الشباك كحل متأخر للمشكل بعد أن خسرنا أفلاما كثيرة غيرت وجهة تصويرها نحو المغرب، بل إن هناك من بدأ تصوير فيلمه في تونس واستكمله في المغرب... _ كيف يمكن استثمار الثورة التونسية في الدعاية لتونس واستقطاب السينمائيين الأجانب للتصوير فيها؟ _ نعد لاستراتيجية كاملة في هذا الغرض وقد حاولنا لقاء وزير الثقافة الوقتي لكن يبدو انه منشغل جدا بملفات أخرى، والسينما _كالعادة_ ليست من أولويات وزارة الثقافة... _ هل أنت مع فكرة بعث مركز وطني للسينما التونسية؟ _ طبعا، المركز الوطني للسينما التونسية هو الذي سيكون دافعا لتحريك المشهد السينمائي، وهي تجربة سبقتنا إليها كل البلدان وقد أثبتت نجاحها، وانظروا إلى واقع السينما المغربية اليوم وكيف تطورت كما وكيفا بعد تأسيس المركز السينمائي المغربي... تأسيس مركز سينمائي للسينما التونسية خطوة لا بد منها و"مش مزية من حتى حد..." وإني أستغرب اليوم أن يسب بعضنا بعضا وينسى هؤلاء أن السينما التونسية بشيوخها وشبابها كانت سدا منيعا أمام الديكتاتورية ومن أراد التأكد أحيله على مدونة الأفلام التونسية ليعيد مشاهدتها... ملاحظة: تقرؤون غدا موقف "طارق بن عمار" من تصريحات "رضا التركي"...