ان الملف الاقتصادي وما يترتب عنهفي الوضع الاجتماعي يكون غالبا وراءاسقاط الحكومات وتغييرها، لكن في بلادناتجاهلنا ذلك وخطونا في اتجاه مغاير،" فالسياسوي" هو سيد الموقف، لا تزعزعه مصائب القوم، اذ لا يعنيه غلاء المعيشة، ولا انهيار العملة، ولا هجرة الادمغة، ولا فقدان الثقة في الدولة، و لا تصور المستقبل، ولا ابتكار خارطة طريق للخروج من المأزق، والمؤسسات الدستورية التي بعثت تحوم الشكوك حول تصرفها، ولا يعرف المواطن وهو المعني بتمويلها، اين تذهب الاموال المتأتية من ضرائبه،ومن هو الرقيب عليها،والحريص على صرفهافي محلها، ودقتنواقيس الخطر للحالة الكارثية التي وصلنا عليها، من كل من ضحى في سبيل بناء الدولة الحديثة،لكن لم توجد الآذان الصاغية، ولم تؤخذ بعين الاعتبار الحلول المقترحة، بل تواصل عدم الوعي، متمما ما تركه الانقلاب الطبي ومآسيه وزمرته من دمار،دعمته "التريكا"، بجهلها لواقع أجهزة الدولة، التي سيطرت عليها بكل ما لها من نفوذ، فأفرغت موازينها لفائدة شرذمة بدون مرجعية، فاقدة للراي الحصيف،همها حب المال مهما كان ماتاه،والسخاء عادة لا يكون بدون مردود، والغريب في الامر ان بلادنا اصبحت تتواجد في قائمة سوداء، رفيقة لبلدان اشتهرت بالمال الفاسد، تقودها مجموعات ضغط اجرامية، لفائدة نظام عالمي تدهورت فيه الاخلاق،وسيطر فيه قانون الغاب،ذلك هو نتيجة ممارسة حكام افتكوا ثورة شعب،وانحرفوا بها عن الطريق السوي وكبلوها بالتداين المفرط، ورموا بها في سلة المجهول،فامتلأ الفراغ الحاصل للدولة بالانتهازيين الذين استعملوا اولي القربى للحصول على النفوذ، وكذلكتاريخهم النضالي المعدوم، وسيرهم الذاتية المفبركة،وشهائدالمجاملة المختلفةالمنبثقة من المتواطئين معهم، كل ذلك لتبييض مسارهم، وتنوير اصولهم، ولم يهملوا وسائل الاعلام اذ سخروها لخدمة مآربهم، فامتلكوها وسيطروا على مختلف اجزائها،فزجوا بها في خضم السياسة التي لا طائل من ورائها، سوى تدمير الموجود، وبث الكراهية، والانتقام الغير المبررالناتج عن حقد دفين، تداوله اهلهم على مرالسنين وفي قلوبهم مرض، يلتجؤون الى مغالطة المواطنين، وتشكيكهم في تاريخهم، فاختفت الحقيقة في بلادنا منذ عشرات السنين، وتهرب من المسؤولية من شارك في دمارها،واحيلت الملفات الى العدالةالتي ليس لها من التمويلما تواجه به القضايا المطروحة عليها في ابانها، واصبحت كما رواه في احدى الاذاعات الخاصة الاسبوع المنصرم، رئيس جمعية القضاة التونسيين، وهو شاهد من أهلها، ان القضاء يخضع لتدخلات ولضغوطات واحيانا للمحاباة،و في نفس الصدد يلاحظ رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد يوم السبت الفارط بسوسة "ان تعاطي المرفق القضائي مع ملفات الفساد التي عرضتها عليه الهيئة لا يزال بطيئا جدا، مشددا على ضرورة إصدار تعليمات واضحة،... بإعطاء ملفات الفساد الأولوية في البحث والتحقيق والإحالة على المحاكم"، كما دعا "إلى استكمال الإطار التشريعي الذي ينظم التمويل العمومي للأحزاب السياسية وعملها، وذلك بإصدار النصوص التي تثبت الاطار المحاسبي وتحدد شروط منح المساعدة العمومية، مع الحرص على تطبيقها بشكل فاعل وسريع... داعيا الى إضفاء النجاعة في مجال الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية منذ بداية الحملة، وتوضيح مصادر النفقات الانتخابية وقواعدها المحاسبية، واعتماد عقوبات صارمة ورادعة ضد من يثبت تلقيه تمويلات أجنبية". ملاحظا"أن نفقات الأحزاب وخاصة الأحزاب الكبرى والمترشحين في انتخابات سنتي 2011 و 2014 كانت خيالية، عكس التي تم التصريح بها إلى دائرة المحاسبات" فأين الشفافية اذا؟ ومن المسؤول؟تلك التصرفات هياكبر خطر على رجوع الثقة،وتركيز الديمقراطية المنشودة،والتونسي يحتاج اليوم الى الايمان بنظام تكون السلطة فيه موازية للعدالة. أما انقاض الاقتصاد الذي هو على حافة الانهيار، لوضعه الهشٌ،وسوء التصرف فيه،وقد نبه الخبراءمثلا الى عواقب تخفيض الرقم القياسي للدولة الذيتلاه تخفيض الرقم القياسي لجميع البنوك، وذلك رغم الاستنجاد بصندوق النقد الدولي، فلا حياة لمن يساعد من بين الاصدقاء ولا من الاشقاء المزعومين،ان الذين كانوا يأملون تدفق المال الخارجي والهبات من ذوي القربى كما اصبح الشأن في مصر غابت عنهم أن الأموال لا تهدى لسواد العينين، بل تقرض ويكون تسديدها في آجال محدودة، وبفائض معلوم، وتلك هي سنة التداين في السوق المالية أو ما بين الدول والتجربةالداخلية منذ الثورة كشفت المستور، وازاحت الغشاء عن النوايا التي يختفي اصحاب النظريات الشيوعية والدينية والبعثية والثوراجية و من لف لفهم من الداعين للإصلاح، وكلهم يدعون كما ذكره بورقيبة في خطابه في 21 جانفي 1978 "انهم يسعون للإصلاحولتحسين حالة المواطن، ومايريدون في الواقعالا تفليس الدولة، وتقويض اركانها، وهو ما يتعين الاحتراز منه والوقوف له بالمرصاد".و ما قع طرحه بالأمسعن الحالة الكارثية للبلاد، اعترف به اليوم من الحكام نفسهم،أن الوضع الاقتصادي لبلادنا منذ الثورة لا يزال حرجا للغاية،و لا أحد يشك في ذلك. كل الخبراء أجمعوا منذ زمن على أن البلاد لا تزال في وضعية عنق الزجاجة، وهي تمر الآن بمأزق، وأكدوا أنه اذا لم تتخذ الاجراءات العاجلة الكفيلة بإرجاع الثقة في النفوس، يزداد التدهور عمقا، والبلاد مهددة بالإفلاس، لأن الرؤيا لم تتضح بعد من الذين هم في صدارة الحكم، او المبوبون للفوز به، وقد فقد الشباب الامل من اجل تصرفهم، وعدم شفافية سلوكهم، وخاب من توسم فيهم الخير، يدعون انقاض البلاد، وهم لا يعرفون مسيرتها، ولم يواكبوا عن كثب سير ادارتها، التي عمد بعضهم اقحامها في الصراعات السياسية،فكانت الانتدابات العشوائية،وكان الوبال المنتظريظهر جليا في القراراتالغير مسؤولة، في ميادين حساسة، كالعمل في الادارة بخمسة ايام مثلا، اخذت بدون تشاور ولا مرجعية ولادراسة السبب والمسببات، ولم يقع تقويم التجربة من طرف اهل المهنة، و لا دورها في ازدياد ركودالاقتصاد الذي خرج عن سيطرة الدولة،يديره في الواقع الصندوق الدولي،الذي يواكب عن كثب سير الاصلاحات الاقتصادية التي هي في الواقع مجهولة، فما هي اذا هذه الاصلاحات؟و ما هي القيمة المقدرةلتمويلها؟ ومن أين تأت الاموال المرصودة لإنجازها؟ وما هي مواعيدها التقديرية؟وللحديث بقيةفي كفيةاعادة النظر في المجلة الجباية وتحديثها،ودورها في توفير موارد الميزانية، ويكون ذلك كما أكدنا من قبل، ونعيد الكرة،ببعث فريق متعدد الاختصاصات برئاسة كفاءة تونسية لتشخيص الوضع الحالي، والاستماع الى كل من ناله شرف المسؤولية، وتقديم مقترحات يستفاد منها عاجلا أم آجلا إن اللجوء كما بادرت به الحكومات المختلفة التي أدارت البلاد،الى الخصم من الجرايات هو غير ايجابي اطلاقا، لان مردوده ضعيف، مقارنة بما تحتاجه الميزانية، وتأثيره سلبي على الاستهلاك، ونحن بحاجة لتشجيع هذا الاخير لتنشيط الاقتصاد، وكان من البديهي النظر في قطاع البنوك، وشركات التأمين، والشركات الخاصة حيث توجد الاموال بكثافة، وكذلك درس عدالة التوزيع الضريبي ومطاردة الاقتصاد الموازيكل هذه العوامل تمهد لحل الازمة في بلادنا،ولابد في خاتمة هاته التأملات من اخذ الراي العام بالاعتبار في كل الميادين الحياتية وهو كفيل بالتحدي للصعاب وهو ركيزة اساسية لمواجهة الوضع الحالي ومن هنا جاءت أهمية المشاركة لدفع تونس من جديد في طريق العزة والكرامة والازدهار.