يتكلمون ليلا نهارا عن الانقلابات، وعن الكتل المنشقة، داخل نداء تونس، او في احزاب اخرى، وعن انتماءاتها لفريق دون آخر، وكل بتحليله وتخميناته وتقويمه،لوضع اصبح يائس،انبنى،في الواقع،على ثقة الناخب، و حسن تدبيره، ودارت الايام، وانقشع الغطاء، وظهرت النوايا بكل وضوح، ان من انتخبناهم للدفاع عن حقوقنا،وتقرير مصيرنا،اهتموا أولا وبالذات، اكثر ما يمكن،بالتمركز في السلطة،أوالتقرب منها، فغاب الامل اذا، وعبر عنه الناخب، بعدم مشاركته، بكثافة، في الانتخابات البلدية الاخيرة، التي افرزت قوائم، يجب التمعن في تشكيلاتها، و النظر بعمق، الى مصادرها الخفية، ومراميهاالغير معلنةفي اقتلاع الحكم، والسيطرة على السياسة في البلاد، ان كان ذلكعاجلا ام آجلا،للبعث بها في مسار الاخوان، وسلوكهم العقائدي، كل ذلك باستعمال، ازدواجية الخطاب، والارتماء في احضان التقهقر والرجعية،اصبح سلاحهم الوحيد للتمويل بجميع اشكاله، ومنابعه داخليا كان ام خارجيا مستترا،ولم يقع بكل اسف،حتى الى يومنا هذا،استخلاص العبر، من احزابليس لها رصيد انتخابي و لا مناضلون،لأنها فاقدةللقاعدة الشعبية،وليسلها برامج تذكر،وشفافيتهافي السلوك،أقل ما يقال فيها، انها بائسة، ولا تعطي المثل في التضحية، والتفاني في خدمة الغير،ولنذكر بان من ليس له تاريخ، ليس له مستقبل، ولو ملك مال الدنيا ومن فيها بعثت مع الثورة،مئات الاحزاب، ومئات الجمعيات خفية المنهج، غاياتها، غالبا، بث الحقد والكراهية، و التنكر لما بنته تونس، وضحت من اجله اجيال توالت على الحكم، في اجتهاداتها لبناء تونس منها الغض والسمين، وللمؤرخين وحدهم، استنادا على المراجع العلمية، والوثائق الموجودة، والمحفوظات بأنواعها، الادلاء بها، ونقدها بكل حرية و نزاهة، أما الروايات الفردية، وما تتصف به، غالبا، من تمجيد للأنانية، ومن قلب للحقائق، يرفضها كل من عاش زمنها، او شارك فيها، ولنا من هذا النمطالذي ولد بعد الثورة،كتابة السّير الذّاتيّة، و قد توالت في السّنوات الأخيرة، وتكاثرت،وللقارئ نظرته في كلّ ما أتت به ذكرياتهم، وتخميناتهم، و لكن هذا الأخير، لن يجد بتاتا جوابا عن نكسات الحكم، ولا التجارب الفاشلة، فكلّمن يدعي معرفة السياسة، يتهرب من مسؤوليته الشخصية ويرمي بها على محرّر الأمّة الحبيب بورقيبة، وهم،حتى اليوم، يزعمون الانتماء الى أفكاره، والذّود عن آرائه، لكن في الواقع، كانوا يلجؤون لذلك،وما يكتبونه اكبر شاهد عليهم، للمراوغات، وللبقاء في أعلى سلّم الدّولة، والتّمتّع وذويهم، بمزايا السّلطة، فمنهم من خان أمانة الزعيم، الذي كان حريصا على التضحية في سبيل تونس، ونكران الذّات، وعلويّة المصلحة العامّة، لانهم تصرّفوا ،بدون وعييذكر، في الحكم الذي استحوذوا عليه، من خلال انقلاب طبي، وايادي خفية لم تظهر للوجود بعد، و لم يكن ذلك الفريق في مستوى تشييد دولة مستقلّة، يسوسها القانون، ويطيب فيها العيش، بل، والغريب في الأمر، نجح في بناء دكتاتورية لا مثيل لها،تمتاز بخنق الحريات، وزرع الفساد، وتعميم الرشوة،وللباحثين في هذا المجال التعمق في تلك الفترة ومآسيها، وكان من الاجدر ان تدافع عنها الحاشية التي أغدقت عليها أموال الدولة، بدون رقابة،كما هو الحال بعد الثورة لمن ادعى النضال والاضطهاد انّ سلسلة الكتب الّتي صدرت عن مسؤولين في الدّولة، ترمي بإطناب في باطنها الى التهرّب من مسؤوليّتهم التّاريخيّة، و حتّى بعضهم ذهب الى اغتنام فرصة انتقال أحد ركائز النّظام البورقيبي، أذكر خاصّة ابنه الرّوحي المغفور له الأستاذ محمد الصياح، طاب ثراه، الى جوار ربه، لينهالوا في تجريح التّاريخ وتحريفه، بتنوير دورهم، في جميع المجالات الّتي مرّت بها تونس، وكأنّهم من البناة الأوائل، وهم في الواقع،من صف الموالين، بيادق لم يعرفوا للسيّاسة مراجعها، ولم يستنيروا من وجاهاتها، واستمروا في الانحراف، والتحريف، لبلبلة الافكار، للتظاهر بسداد النظر، وعمق التفكير، وبيان انهم لازالوا اهل الحل والعقد، وبلادنا تشكوا اليوم من مخلفات حكمهم، اذ توالت عليها من يجهل دواليبها، وعمى في الرؤية، وحتى في تحديد الاولويات، وتجاهر في العمالة، وتحريض على التدخل والوصاية، ولو كانت من الاجنبي،مما ادى ببلادنا الى دمار اقتصادي، لامثيل له في تاريخها المجيد، وقد عرفت النمو ومزاياه، في الحد من البطالة، وكبت التضخم، واعادة الثقة الى النفوسالتي هي رهينة البناء والتشييد، والامل لخروج من المأزق ومن التركة الثقيلة التي خلفتها الحكومات المتداولة على الحكم، من اقتصاد هش، وفساد متفش، وانتهازية مفرطة، ودستور تحتم النظر في اخفاقاته، و قانون انتخاب لم يأت بأغراضه... هو التعاطي بجدية وحرفية مع الملفات الحساسة والمصيرية هذه، في آن واحد، والحث على مشروع بديل جاهز يتماشى مع الوضع الداخلي والخارجي،يعتني بالإصلاحات الهيكلية والاستراتيجية،و يجنب البلاد القرارات الارتجالية والعشوائية، و يمكن من التخلي عن التعيينات لأشخاص متورطة في ملفات فساد، مصيرهم بيدي العدالةوكفا بالبلاد سبيلا من منطق "العصا والجزرة"،أي من يدخل بيت الطاعة فعفا الله عما سلف، واما من استعصى فالملف جاهز... وكذلك الابتعاد عن سياسة خلق المشاكل وايجاد الحل التي تمتاز بها احزاب وتجيدها بامتيازحتى لا تفرض المنظمات المالية العالمية، على الحكومةعدة خيارات، وتجبرها على التورط في التزامات واتفاقات تعجيزية،والخطر ان عديد الدولتريد اجهاض الثورة في تونس، وانتاج نظام دكتاتوري في تحالف جديد، يلتقي فيه تجار الدينمع تجارالدنيا، و في هذا الاتجاه،لهم اجندات قوية، يخدمها، مع الاسف الشديد، علماء من رجال الفكر، وجمعيات ممولة من الخارج ،و بوجه مكشوف و بشكل سافر حتى من السفراء، الذي دورهم الحياد، وعدم التدخل في الشأن الداخلي والشارع في تململ وحالة استياء من اداء الحكومة، وكذلك من اداء المجلس، في ازدياد تصاعدي، فمن ينقذ السفينة ويأتي بتصحيح المسار والرجوع الى المطالبة بأهداف الثورة؟هل لعبة تقاسم الادوار تأت بالحل ؟ هل هي مناورة سياسية بحتة؟ هلفي تكاثر تبادل التهم في الايام الاخيرة،والتراشق بين حكام البلاد فيه مصلحة لتونس؟ انه مشهد مأساويهل ينبا بخير ؟ هل تواصل الحال على ما هو عليه من تصاعد النقد من خصوم الحكومة ومن شركائنا، و من كثرة صراع الاجنحة وتصفية الحسابات الداخلية للمنظمات، ينبا انطلاق حملة من الاعتصامات والاضرابات والفوضى؟هل السفينة لا تزال في قلب العاصفة؟ هل لها بوصلةوهل لها سند؟ الى أين تقاذفها أمواج الفساد وتعصف بها ريح المؤامرات؟ هل النهضة هي المسكوت عنها، لأنها تمثل بالمنطقةالضامن للمد الاسلامي وهو المرجو منها من الغرب؟هل هي الكفيلة وحدها بتهدئة الشارع و الحاملة لراية التفاوض او الفوضى؟ تلك هي قضايا تطرح للنقاش،وقد رأى البعض ان الوقت حان لإعلان ترشحهم الى رئاسة الجمهورية،وكان من الاجدر بهم ونصيحتي لهم التّخلي عن هذه الثّورة المباركة، وتركها تشقّ مسارها بكلّ رويّة، لأنّه لا يمكن اليوم لأحد الرّكوب فوق القطار الّذي يجري، لأنّ شعبنا الأبيّ على يقظة مستمرّة، وشباب الثورة بذكائه الحادّ وطموحه المشروع بالمرصاد، يعرف حقّ المعرفة من خان الثورة، وعمل على اجهاضها، وهم يدعون اليوم الشفافية والخبرة، ولا اعمال لهم تذكر،هم زعماء في أهلهم،وخريجي الصحافة "المنكوبة" التي تعمل في ركابهم،لتنوير مصارهم، والسكوت عن ماضيهم، وانتماءاتهم العقائدية، فالاختيار نتمناه ان يكون مبنيا على البرامج وعلى الاستقلالية من المال الاجنبي،و على أسس قوامها العدل والشفافية، واليد المفتوحة للغير اليوم، والعمل على انقاض البلاد من الوحل التي هي فيه، لا يمكن الا بتظافر الجهود لما أصابها من مرض عضال، مرض التّناحر على كرسيّ الحكم.