غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    علماء يحذرون.. وحش أعماق المحيط الهادئ يهدد بالانفجار    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    ترامب يبحث ترحيل المهاجرين إلى ليبيا ورواندا    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوفل سلامة يكتب لكم / محمد عبو : "لم يعد من الممكن الوصول إلى الحكم عبر الدبابات أو الانقلابات"
نشر في الصريح يوم 21 - 02 - 2019

إلى جانب عملها التأريخي لأحداث البلاد ومنها أحداث الثورة التونسية وإلى جانب تناولها لقضايا الذاكرة الوطنية وموضوع الكتابة الجديدة للتاريخ التونسي برؤية مخالفة عن التاريخ الرسمي الذي عادت ما يغيب الخصوم ويقصي الهوامش وكل المنسيين تحاول مؤسسة التميمي منذ الفترة أن تقدم أجوبة على بعض الأسئلة الحارقة التي تتعب المواطن العادي وأن تساهم في التفكير في الحلول للمشكلات التي تعاني منها البلاد ومن هذه الأسئلة التي طرحتها المؤسسة سؤال كيف نخرج من هذا الوضع الرديء الذي باتت عليه البلاد ؟ وكيف ننهي مرحلة الركود الاقتصادي ونتخطى واقع العجز الذي نلاحظه في العمل الحكومي ؟ وهل من مخرج للوضع السياسي المتشنج والمنتج لعدم الاستقرار الذي تحتاجه البلاد حتى تحقق نموها الاقتصادي ، لذلك كان سؤال السيد عبد الجليل التميمي في هذه القضايا هو سؤال من أين نبدأ أمام الكم الكبير من الخلل والوهن ؟ ومن أين نبدأ لمعالجة كل القضايا التي اتضح أنها كثيرة وتحتاج وقتا طويلا ؟
كان سؤال من أين نبدأ هو سؤال سبق لمؤسسة التميمي أن طرحته على المناضل الأستاذ محمد عبو في ندوة سابقة لمعرفة رؤية حزب التيار الديمقراطي من مسألة الخطوة الأولى في الإصلاح واليوم تستضيف المؤسسة محمد عبو في لقاء جديد ولكن في قضية أخرى تتعلق بالمستقبل وبالأفاق الممكنة للانتقال بالبلاد إلى وضع أفضل مما هي عليه الآن فكان سؤال الهاجس الذي طرح على محمد عبو في ندوة يوم السبت 16 فيفري الجاري هو هل من مستقبل للبلاد بعد ثماني سنوات من الثورة ؟ وكيف نرسم طريقا جديدا لتونس ؟
ينطلق محمد عبو للإجابة على السؤال المطروح من فكرة تقول بأن الدولة المتقدمة عادة ما تعرف انطلاقا من جملة من المعطيات والأرقام منها وجود صناعة متقدمة وتجارة مزدهرة ومنها سهولة الولوج إلى جملة من الخدمات التي يحتاجها المواطن وغير ذلك من صور ومظاهر التقدم التي نجدها في هذه الدول ولكن الأهم من ذلك وجود حياة سياسية سليمة مع عقلية جديدة للمجتمع. ونحن اليوم واقعنا السياسي التونسي تعيقه عدة اشكاليات تمنعه من التطور :
أولا : لدينا إرث ثقافي مانع من التطور :
منذ قرون عديدة ونحن تحت وقع ارث ثقافي لا يتحدث عن حياة سياسية سليمة فلو اعتبرنا أن تاريخ قرطاج هو مرحلة استثنائية في تاريخ تونس فإن باقي التاريخ الآخر هو تاريخ الاستبداد السياسي والحكم الفردي وطبيعة هذا الحكم يؤثر بالضرورة على المخيال الشعبي وفي سلوك الشعب وهذه الحقيقة تحيلنا إلى ما قاله الدكتور منصف وناس في كتابه عن الشخصية التونسية التي يتحدث فيه عن فكرة الخلاص الفردي وهي فكرة نجدها عند جانب كبير من الشعب لا تعترف بالدولة وقوانينها وإداراتها ولا تؤمن بالحل الجماعي لذلك نجد اليوم حديث عن الحلول السهلة والتي لا تحتاج أن يبذل من أجلها جهد كبير وحديث آخر عن عدم اعتراف الكثير من الناس بالدولة وفي هذا المناخ تكثر الاشاعات وتنتشر بسبب عدم تعودهم على حاكم له مصداقية والسؤال اليوم هو كيف نغير هذا الواقع السياسي الذي لا ثقة فيه للمواطن في دولته وهذا الواقع الذي يطغى فيه الحل الفردي على حساب الحل الجماعي وبحث الفرد عن خلاص لكل مشاكله من خارج الدولة ومؤسساتها وبطريقه المنفردة ؟ وهنا يأتي الحديث عن المسألة الثقافية وعن الموروث الثقافي المعيق وحديث عن قدرة النخبة المثقفة على تغيير الراكد وسؤال حول قدرة هذه النخبة على رفع هذا التحدي؟
يعتبر محمد عبو أن هناك من يعول على النخبة المثقفة في تغيير الأوضاع ولكن تاريخيا لم يكن لهذه النخبة من دور مؤثر قد نجد لها دورا في تبليغ الافكار ودورا في مجال الصحافة والندوات ولكن النخبة المثقفة التونسية لم تلعب الدور المطلوب في الثورة ولا في تغيير الاوضاع.
اليوم لدينا مشكلة كبيرة وتحتاج إلى نخبة مثقفة لمعالجتها وهي أننا نعيش في عالم ازدحام المعلومات وكثرتها وهي في الكثير منها متضاربة ومتناقضة وهذا يجعلها تحتاج إلى تحليل وتدقيق حتى يستطيع المواطن أن يتخذ موقفا من كل ما يسمعه ويشاهده ويلاحظه وموقفا من كل القضايا التي تهمه .. الكثير من القضايا اليوم تحتاج إلى تدخل المثقف والمفكر وتحتاج إلى ثقافة لمعالجتها من هذه القضية التي نحتاج فيها إلى حضور المثقف قضية الإرهاب التي تحتاج إلى مقاربة فكرية وثقافية غير أن ما نجده اليوم هو مقاربة سياسية وهي توجه لن يحل المشكل.
ظاهرة الارهاب هي ظاهرة وجدت قبل الثورة وكانوا يقولون لنا بأن أكثر العناصر تشددا ودموية هو التونسيون وتواصلت هذه الظاهرة بعد الثورة وقد كان من المفروض أن يعتني بهذه الظاهرة علماء اجتماع ويقومون بتحليلها لفهمها فما يقلق أن المثقفين لم يكن لهم دور كبير في معالجة هذه الظاهرة لذلك فإننا نحتاج إلى نخبة مثقفة قوية قادرة على تأسيس الوعي المطلوب عند الناس.
ثانيا : كيف نصبح دولة ديمقراطية :
اليوم لم يعد من الممكن الوصول إلى الحكم عبر الدبابات أو الانقلابات اليوم الطريق الوحيد والوسيلة الوحيدة هي التوجه إلى الشعب وإقناع التونسيين ولكن ما يعيق ذلك هو قضية شراء الذم وشراء الاصوات في الانتخابات بعد الثورة كانت لنا فرصة لتخليص تونس من فكرة الخلاص الفردي الذي أدى الى اتساع دائرة الفساد وتوجيه الناس والتحكم في ارادتهم نتيجة عجزهم على مجابهة مشاكلهم اليومية .. ما نشهده اليوم هو محاولات متكررة للسيطرة على الأشخاص من خلال المال ومن خلال التدخل لتسوية مشاكلهم الخاصة في مناخ كهذا لا تطغى فيه العقلانية فإن البعض يطرح التغيير والإصلاح من السلطة ومن خلال الوصول إلى الحكم وعندها تكون لهم القدرة على الفعل.
نحن في التيار الديمقراطي لدينا رؤية أخرى وهي أن الإصلاح لا يكون إلا من خلال اقناع الناس وتغيير العقليات صحيح أن الدولة لها دور في تغيير الواقع وتغيير العقليات وتجربة الرئيس بورقيبة في الاصلاح قد أوضحت أنه يمكن من خلال الدولة أن يتغير المجتمع وتتغير العقليات فالرئيس بورقيبة رغم أنه لم يكن ديمقراطيا فقد استطاع أن يفرض مجلة احوال الشخصية وقد فرض قوانين غير بها الواقع لذلك فإننا نعتبر أن الدولة الديمقراطية هي القادرة على ذلك ولذلك فإننا نقول بأننا في حاجة إلى دولة القانون دولة يفرض فيها تطبيق القانون حتى تتغير العقليات وترسى ثقافة مجتمعية جديدة في المستقبل.
هل مشكلة تعثر الاصلاح والتغيير في عدم فرض القوانين ؟ وهل يمكن أن نصلح الإدارة من دون قوانين ؟ ولكن هل يمكن للقوانين وحدها أن تحل المشكل ؟ يرى عبو أن مع القوانين هناك التدخل البشري فمهما حاولنا الإصلاح بقوانين وإجراءات جيدة فإن ذلك لا يمكن أن يحصل من دون وجود العنصر البشري الذي نحتاج أن يكون بأقل فساد ممكن أو بدون فساد ذلك أن الاعتبارات الاخلاقية تتلاشي مع الوقت بسبب سطوة الاغراءات والخلل الذي وقفنا عليه في موضوع التغيير هو أن الدولة إذا أرادت أن تقود تغييرا حقيقيا فإنه عليها أن تبدأ بتطبيق القانون على أقرب الناس منها عندها تستعيد ثقة الناس ويسهل الاصلاح. ما يقلق اليوم هو ما يشاع من أن كل من يحاول الاصلاح فإن جهات قوية نافذة تقاومه وتمنعه وهذا يجرنا إلى ضرورة وجود دولة قوية تتصدى للفساد وتفرض القانون على الجميع .
المشكل الذي نواجهه اليوم هو أنه كان من المفروض أن يبدأ التغيير من المدرسة ومن خلال التعليم وأن نجد حديثا عن الثورة وقيمها في البرامج التربوية ولكن المقلق أن نجد انفسنا في اختلاف حول الثورة وعدم اتفاق حول حصولها وأن لا نجد حديثا عن الثورة في المدارس فالناشئة اليوم لا تعرف شيئا عن الثورة لأنها لم تدرسها وفي مقابل ذلك نجد من ينادي بعودة النظام القديم وتمجيد الوضع السابق وهي مغالطة كبرى لأن الوضع السابق كان أسوء ومع ذلك لم نتصد بما يجب لمنع هذا الامر لم نقم بما يجب القيام به في مدارسنا فصورة الثورة غير موجودة في البرامج الدراسية نحن لم نفعل شيئا حتى نجعل الناشئة تعتز بثورتها المؤسف أن الدولة لم تضع البرامج المطلوبة لحماية الثورة وهذا جانب هو اليوم مغيب ولا يهتم به السياسي ومن يحكم وهي مسألة خطيرة وفي غاية من الأهمية والمشكلة في ذلك أنه لا يمكن أن تصبح تونس دولة ديمقراطية تعتز بثورتها بالرجال الفاسدين.
ثالثا : هل أن الدستور الجديد هو سبب مشاكلنا ؟ :
هناك من يرى أن دستور 26 جانفي 2014 هو دستور هجين ومبني على متناقضات وثنائيات يصعب التوفيقي بينها ولكن من يقول هذا اليوم من رجال القانون ينسون أنهم هم من وقع استشارتهم عند وضعه لذلك من يرى اليوم أن الدستور هو سبب البلية في تونس هو مخطئ فهل كنا في ظل دستور 1957 أفضل حال من الآن ؟ الدستور الجديد يكفيه فخرا أنه انهى مشكلة الحكم الفردي وقضية الشخص الذي يحكم بمفرده وانهى السلطة الاستبدادية ,ارسى دعائم حكم ديمقرلطي.
ما نراه أن هناك اليوم مغالطة كبرى وهي الترويج إلى أن وضعنا ناجم عن اختيارانا الدستورية وأن الدستور هو من يعرقل الحياة السياسية لكن الحقيقة أن الأمر لا يتعلق بالدستور وإنما يتعلق بعدم احترام مقتضياته ولا ننسى أن نظامنا السياسي يتكون من الأحزاب السياسية والبرلمان والمنظمات والجمعيات وأن مشكلتنا في تعفن العمل الحزبي الذي تحكمه تصرفات لا اخلاقية.
رابعا : محورية المسألة الدينية :
الحقيقة اليوم أن المسألة الدينية أضحت جزء من الصراع السياسي وموضوع نزاع ثقافي فكري وأصل الخلاف في هذا الموضوع هو ورود عبارة " دينها الإسلام " التي جاءت في الفصل الأول وهي عبارة تم جلبها في الدستور الجديد من الدستور القديم وتم الاتفاق على الابقاء على الفصل الاول بنفس الصيغة القديمة التي أقرها المجلس القومي التأسيسي بعد الاستقلال ولكن المشكلة التي أججت الخلاف هو عدم الاتفاق على معنى واحد لعبارة دينها الاسلام فهل المقصود بها تطبيق تعاليم الاسلام وشريعته كما قررها الفقه الاسلامي وما نجده في كتب الفقهاء ؟ أم تعني شيئا آخر ؟
وكذلك الأمر بالنسبة لعبارة " تونس دولة مدنية " التي جاءت في الفصل الثاني من الدستور قد خلقت هي الأخرى إشكالا وهي عبارة وضعت للطمأنة من اللائكية الفرنسية ومن الفصل الحاد للعلمانية الاقصائية والفلسفة التي بني عليها الدستور هي التوفيق بين الكثير من الثنائيات وليس التلفيق بينها كما يقول البعض واليوم بعد سنوات من كتابته نجد انفسنا نناقش في فصول الدستور لذلك نحن اليوم في حاجة إلى الكثير من القوانين التي توضح فصوله نحتاج أن يكون في برامج الاحزاب السياسية ورقات فكرية وثقافية في المسألة الدينية توضح ما المقصود من الكثير من العبارات التي جاءت في الدستور والثنائيات التي أسس عليها والتي تحدث الكثير من سوء الفهم .
إلى جانب ذلك فإننا نرى أن الدولة وجب عليها أن تؤطر المسألة الدينية وأن تشرف على الشأن الديني ولكن من دون فرض لخطاب معين في المساجد وإنما عليها أن تفرض حيادها وعدم تدخلها في الشأن الحزبي والقضايا السياسية اليوم علينا ان نوضح كيف تحمي الدولة المقدسات ؟ في اعتقادنا أن الدولة عليها أن تضع قانونا تفعل به الفصل السادس من الدستور والذي يتحدث عن حماية المقدسات من قبل الدولة حتى نحيد هذه القضايا من الصراعات الحزبية وحتى تكون بعيدا عن خلافاتنا وحتى لا تستغل سلبا أو ايجابا في المحطات الانتخابية نحتاج إلى قانون يحدد حرية الابداع والفن في مجال المقدسات وقانون يوضح أين وكيف يكون الحديث عن المقدسات مباحا ؟ هل نسمح من منطلق الحرية الابداع والفن أن نتعرض إلى الرسل والأنبياء والكتب المقدسة وتعاليم الإسلام ؟ هذه قضايا تحتاج إلى قانون يضبطها حتى ننتهي من الصراعات حولها وحتى تكون المشترك الذي جاء به الدستور اليوم نحتاج إلى تحديد للحرية الاكاديمية وضبط معنى حرية الفن عندما تتعلق بالمسائل الدينية وهنا علينا أن نتذكر الحكم الذي أصدرته المحكمة الأوروبية سنة 2011 والذي أيدت به حكما آخر صدر عن المحكمة الجنائية "بفيانا " والقاضي بإدانة امرأة نمساوية أصدرت تصريحات مهينة ضد النبي محمد صلى الله عليه وسلم معتبرة أن الإساءة لنبي الإسلام لا يندرج ضمن حرية التعبير لأنه لا يسمح لحرية التعبير أن تؤدي إلى المساس بالمشاعر الدينية للآخرين ورموزهم الدينية وأن الذي صدر عن هذه المرأة يشكل خطرا على النسيج المجتمعي لدولة النمسا وتهديدا للسلم الديني فالقضاء الأوروبي بهذا الحكم قد اعتبر أن للحرية حدودا عندما يكون هناك مساس بالمشاعر الدينية للآخرين.
فهل حسمنا أمر المسألة الدينية بما قررناه في الدستور ؟ أعتقد أن الصراع سيتواصل وسوف تظهر قضايا دينية أخرى في المستقبل وسيتواصل الجدل حول عبارة " وتأسيسا على تعاليم الإسلام " التي جاءت في توطئة الدستور وهي عبارة إذا لم نتفق على معناها فإنها سوف تفتح الباب إلى مفهوم الدولة الدينية في الوقت الذي نجد فيه الدستور يتحدث عن إسلام متسامح .. اليوم لدينا مسلمون من دون إسلام ولدينا فهما خاطئا للإسلام وهذا يعني أن مساجدنا وتربيتنا الدينية وتعليمنا المدرسي قد فشل .. نعود إلى فكرة الخلاص الفردي لنقول إذا تركنا تنظيم المسألة الدينية خارج إطار الدولة فإننا سوف نكون أمام أفراد يشكلون تدينهم بمفردهم وهذا غالبا ما يؤدي بهم إلى التطرف والإرهاب لذلك نقول أن الإسلام يمكن أن يكون له دور إيجابي في المجتمع فقط علينا أن نعرف كيف نتعامل مع المسألة الدينية .
خامسا : نحتاج إعلاما موضوعيا حتى وإن كان غير محايد :
منذ فترة وأنا أتابع القنوات المصرية فما شد انتباهي فيها هو أن الخطاب الاعلامي في هذا البلد الذي أصبح في اتجاه واحد وخطاب يروج للتفاؤل ويبعث برسائل إيجابية للناس في ظل واقع مصري يتخبط في العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ومع انسداد الافق في مجال حرية التعبير .. هذا الخطاب الاعلامي يروج إلى أن الديمقراطية لا تصلح وأن الديكتاتورية يمكن أن ترسل التفاؤل .. هذا الخطاب الذي لا يقبل به الكثير من الناس يمكن أن يجلب المستثمرين الأجانب ويخلق الاستقرار ولكن هذا النوع من الخطاب الاعلامي هو خطاب خطير جدا لأنه يزيف الحقائق ولا يعكس حقيقة الواقع ويبث الأمل الكاذب .. ما نحتاجه اليوم في تونس هو اعلام قوي ويقظ ينتج الوعي الصحيح من دون تلاعب بالعقول ولا توجيه الناس لصالح جهات حزبية خطاب يتحلى بالموضوعية والنزاهة حتى وإن كان غير محايد ما أتعب حكومة الترويكا في سنة 2012 هو أن الاعلام لم يكن موضوعيا وهنا أذكر حادثة حصلت مع حمادي الجبالي لما كان رئيسا للحكومة وذهب لتدشين بعض المساكن الاجتماعية فلم يقع تمرير التغطية الاعلامية في التلفزة الوطنية ولم يفتح تحقيقا في المسألة والحال أن الحكومة لها الحق في تغطية انشطتها في القنوات العمومية ومع ذلك فقد كان الإعلام وقتها غير موضوعي مع حكومة الترويكا في قضايا كثيرة.
ما نراه في قضية الاعلام هو أن لهذا القطاع دور محوري في خلق مجتمع سليم ودولة ديمقراطية وشعب واع لذلك فنحن في حاجة إلى قانون ينظم مهنة الاعلام ويرشدها لذلك عملنا على وضع قوانين تحصن الحرية الصحفي والاعلامي في عمله ولكن في المقابل تراقب مصادر تمويله وتراقب أموال الصحافيين حتى لا يلوث هذا القطاع الحساس لذلك لعلمنا أن الكثير من الصحافيين اليوم لهم ولاء لبعض الجهات السياسية ولبعض رجال الأعمال .. كيف نفهم اليوم أن هناك قنوات ليس لها اشهار ومع ذلك تواصل في العمل ؟ وهناك سياسيون يمولون في وسائل اعلام هذا الواقع لا يسمح بتأسيس اعلام حر ونزيه وموضوعي ما نريده هو اعلام يساهم في بناء الديمقراطية ويكون قويا حتى يكون صوت الشعب وعينه الساهرة على كل انحراف أو خلل قد يحصل .
كانت هذه ملامح القراءة التي قدمها السيد محمد عبو للواقع التونسي في راهنه والمقاربة التي يقترحها للخروج من حالة الوهن التي عليها المشهد السياسي وهي أفكار مهمة تستحق أن نتوقف عندها لتلمس بداية الطريق لبناء تونس الجديدة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.