نواب مجلس الجهات والأقاليم يطالبون بتعزيز استقلالية المجالس المنتخبة ودعم الهياكل الأمنية    رئيسة الغرفة الوطنية لمنتجي الزياتين: الأسعار الحالية لا تغطي كلفة الإنتاج والفلاحون في انتظار تنفيذ القرارات الرئاسية    العراق ينتخب.. ماذا سيحدث من يوم الاقتراع لإعلان النتائج؟    المحامية دليلة مصدّق تؤكّد أن صحة شقيقها جوهر بن مبارك في خطر رغم زيارة الطبيب له    وزير الداخلية: استراتيجية استباقية لضرب شبكات تهريب المخدرات وتعزيز الأمن السيبرني    الشرع: دمشق أصبحت حليفا جيوسياسيا لواشنطن ووجهة بارزة لاستثماراتها في قطاع الغاز    ترامب: أنا على وفاق مع الرئيس السوري وسنفعل كل ما بوسعنا لجعل سوريا ناجحة    تونس/الصين: بحث سبل تعزيز التعاون السياحي    افتتاح الوحدة الثالثة في تونس للشركة العالمية في صناعة الأدوية " حكمة" بقيمة استثمارية تقدر ب 50 مليون دينار    هذا النجم المصري يعلن انفصاله رسمياً عن زوجته... التفاصيل    ظاهرة طبية مقلقة: عندما تسبّب الأدوية الألم بدلاً من تخفيفه... كيف ذلك؟    مونديال تحت 17 عاما: المنتخب التونسي يترشح إلى الدور السادس عشر    عاجل/ أبرز ماجاء في أول لقاء بين وزير الخارجية والسفير الامريكي الجديد    المهرجان العالمي للخبز ..فتح باب الترشّح لمسابقة «أفضل خباز في تونس 2025»    جندوبة: تتويج المدرسة الابتدائية ريغة بالجائزة الوطنية للعمل المتميّز في المقاربة التربوية    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    أخبار الحكومة    بعد دفع الكفالة من قبل الحكومة الليبية .. هانيبال القذافي حر    ميناء رادس: 20 سنة سجنا لمهرب المخدرات وشريكه    قابس: تنظيم أيام صناعة المحتوى الرقمي من 14 الى 16 نوفمبر    ميزانية 2026: تطور بنحو 10 بالمائة في ميزانية وزارة البيئة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    بنزرت: إنتشال 5 جثث لفضتها الأمواج في عدد من شواطئ بنزرت الجنوبية    المتلوي: وفاة ستيني بعد إصابته بطلق ناري من سلاحه    تحذير شديد من خطورة النوم بالسماعات    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي: كافية الراجحي تتحصل على جائزة البحث العلمي وعملان تونسيان ضمن المُسابقات الرسمية    الرابطة الثانية: التعادل السلبي يحسم لقاء سبورتينغ بن عروس وسكك الحديد الصفاقسي    فرنانة: إصابة تلميذين بخدوش وكدمات بعد انهيار جزئي لسقف قاعة تدريس    يوسف بلايلي يُعلن إصابته ويودّع الجماهير برسالة مؤثرة    عاجل/ وزير التجارة: صابة قياسيّة في زيت الزيتون والتمور والقوارص    عاجل: هذا ما جاء في تقرير أمير لوصيف في مواجهة الدربي    بعد 20 يوما من سجنه: هذا ما تقرّر في حق ساركوزي..#خبر_عاجل    تقلبات جديدة ..كيف سيكون الطقس طيلة هذا الأسبوع؟..    تحوير جزئي لمسلك خطي الحافلة رقم 104 و 30    هذه الدولة تبدأ استقبال رسوم حج 2026...وتؤكد على عدم الزيادة    سليانة: تقدم موسم البذر بنسبة 30 بالمائة في ما يتعلق بالحبوب و79 بالمائة في الأعلاف    ميزانية التربية 2026: مدارس جديدة، حافلات نقل، وترميم ...شوفوا التفاصيل    الترجي الرياضي: نهاية موسم "يوسف بلايلي"    عاجل: هبوط اضطراري لتسع طائرات بهذا المطار    الأهلي بطل للسوبر المصري للمرة ال16 في تاريخه    كميات الأمطار المسجّلة خلال ال24 ساعة الماضية    عاجل: هذه الدول العربية تحت تأثير الكتلة الحارة    بطولة فرنسا: باريس سان جرمان يتغلب على ليون وينفرد بالصدارة    عاجل/ طائرات حربية تشن غارات على خان يونس ورفح وغزة..    عاجل: الزّبدة مفقودة في تونس...الأسباب    تونس: 60% من نوايا الاستثمار ماشية للجهات الداخلية    عاجل: غلق 3 مطاعم بالقيروان...والسبب صادم    علاش فضل شاكر غايب في مهرجانات تونس الصيفية؟    عاجل: عودة الأمطار تدريجياً نحو تونس والجزائر بعد هذا التاريخ    دواء كثيرون يستخدمونه لتحسين النوم.. فهل يرتبط تناوله لفترات طويلة بزيادة خطر فشل القلب؟    أفضل 10 طرق طبيعية لتجاوز خمول فصل الخريف    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    عاجل/ فاجعة تهز هذه المعتمدية..    محمد صبحي يتعرض لوعكة صحية مفاجئة ويُنقل للمستشفى    رواج لافت للمسلسلات المنتجة بالذكاء الاصطناعي في الصين    الشرع أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوفل سلامة يكتب لكم / محمد عبو : "لم يعد من الممكن الوصول إلى الحكم عبر الدبابات أو الانقلابات"
نشر في الصريح يوم 21 - 02 - 2019

إلى جانب عملها التأريخي لأحداث البلاد ومنها أحداث الثورة التونسية وإلى جانب تناولها لقضايا الذاكرة الوطنية وموضوع الكتابة الجديدة للتاريخ التونسي برؤية مخالفة عن التاريخ الرسمي الذي عادت ما يغيب الخصوم ويقصي الهوامش وكل المنسيين تحاول مؤسسة التميمي منذ الفترة أن تقدم أجوبة على بعض الأسئلة الحارقة التي تتعب المواطن العادي وأن تساهم في التفكير في الحلول للمشكلات التي تعاني منها البلاد ومن هذه الأسئلة التي طرحتها المؤسسة سؤال كيف نخرج من هذا الوضع الرديء الذي باتت عليه البلاد ؟ وكيف ننهي مرحلة الركود الاقتصادي ونتخطى واقع العجز الذي نلاحظه في العمل الحكومي ؟ وهل من مخرج للوضع السياسي المتشنج والمنتج لعدم الاستقرار الذي تحتاجه البلاد حتى تحقق نموها الاقتصادي ، لذلك كان سؤال السيد عبد الجليل التميمي في هذه القضايا هو سؤال من أين نبدأ أمام الكم الكبير من الخلل والوهن ؟ ومن أين نبدأ لمعالجة كل القضايا التي اتضح أنها كثيرة وتحتاج وقتا طويلا ؟
كان سؤال من أين نبدأ هو سؤال سبق لمؤسسة التميمي أن طرحته على المناضل الأستاذ محمد عبو في ندوة سابقة لمعرفة رؤية حزب التيار الديمقراطي من مسألة الخطوة الأولى في الإصلاح واليوم تستضيف المؤسسة محمد عبو في لقاء جديد ولكن في قضية أخرى تتعلق بالمستقبل وبالأفاق الممكنة للانتقال بالبلاد إلى وضع أفضل مما هي عليه الآن فكان سؤال الهاجس الذي طرح على محمد عبو في ندوة يوم السبت 16 فيفري الجاري هو هل من مستقبل للبلاد بعد ثماني سنوات من الثورة ؟ وكيف نرسم طريقا جديدا لتونس ؟
ينطلق محمد عبو للإجابة على السؤال المطروح من فكرة تقول بأن الدولة المتقدمة عادة ما تعرف انطلاقا من جملة من المعطيات والأرقام منها وجود صناعة متقدمة وتجارة مزدهرة ومنها سهولة الولوج إلى جملة من الخدمات التي يحتاجها المواطن وغير ذلك من صور ومظاهر التقدم التي نجدها في هذه الدول ولكن الأهم من ذلك وجود حياة سياسية سليمة مع عقلية جديدة للمجتمع. ونحن اليوم واقعنا السياسي التونسي تعيقه عدة اشكاليات تمنعه من التطور :
أولا : لدينا إرث ثقافي مانع من التطور :
منذ قرون عديدة ونحن تحت وقع ارث ثقافي لا يتحدث عن حياة سياسية سليمة فلو اعتبرنا أن تاريخ قرطاج هو مرحلة استثنائية في تاريخ تونس فإن باقي التاريخ الآخر هو تاريخ الاستبداد السياسي والحكم الفردي وطبيعة هذا الحكم يؤثر بالضرورة على المخيال الشعبي وفي سلوك الشعب وهذه الحقيقة تحيلنا إلى ما قاله الدكتور منصف وناس في كتابه عن الشخصية التونسية التي يتحدث فيه عن فكرة الخلاص الفردي وهي فكرة نجدها عند جانب كبير من الشعب لا تعترف بالدولة وقوانينها وإداراتها ولا تؤمن بالحل الجماعي لذلك نجد اليوم حديث عن الحلول السهلة والتي لا تحتاج أن يبذل من أجلها جهد كبير وحديث آخر عن عدم اعتراف الكثير من الناس بالدولة وفي هذا المناخ تكثر الاشاعات وتنتشر بسبب عدم تعودهم على حاكم له مصداقية والسؤال اليوم هو كيف نغير هذا الواقع السياسي الذي لا ثقة فيه للمواطن في دولته وهذا الواقع الذي يطغى فيه الحل الفردي على حساب الحل الجماعي وبحث الفرد عن خلاص لكل مشاكله من خارج الدولة ومؤسساتها وبطريقه المنفردة ؟ وهنا يأتي الحديث عن المسألة الثقافية وعن الموروث الثقافي المعيق وحديث عن قدرة النخبة المثقفة على تغيير الراكد وسؤال حول قدرة هذه النخبة على رفع هذا التحدي؟
يعتبر محمد عبو أن هناك من يعول على النخبة المثقفة في تغيير الأوضاع ولكن تاريخيا لم يكن لهذه النخبة من دور مؤثر قد نجد لها دورا في تبليغ الافكار ودورا في مجال الصحافة والندوات ولكن النخبة المثقفة التونسية لم تلعب الدور المطلوب في الثورة ولا في تغيير الاوضاع.
اليوم لدينا مشكلة كبيرة وتحتاج إلى نخبة مثقفة لمعالجتها وهي أننا نعيش في عالم ازدحام المعلومات وكثرتها وهي في الكثير منها متضاربة ومتناقضة وهذا يجعلها تحتاج إلى تحليل وتدقيق حتى يستطيع المواطن أن يتخذ موقفا من كل ما يسمعه ويشاهده ويلاحظه وموقفا من كل القضايا التي تهمه .. الكثير من القضايا اليوم تحتاج إلى تدخل المثقف والمفكر وتحتاج إلى ثقافة لمعالجتها من هذه القضية التي نحتاج فيها إلى حضور المثقف قضية الإرهاب التي تحتاج إلى مقاربة فكرية وثقافية غير أن ما نجده اليوم هو مقاربة سياسية وهي توجه لن يحل المشكل.
ظاهرة الارهاب هي ظاهرة وجدت قبل الثورة وكانوا يقولون لنا بأن أكثر العناصر تشددا ودموية هو التونسيون وتواصلت هذه الظاهرة بعد الثورة وقد كان من المفروض أن يعتني بهذه الظاهرة علماء اجتماع ويقومون بتحليلها لفهمها فما يقلق أن المثقفين لم يكن لهم دور كبير في معالجة هذه الظاهرة لذلك فإننا نحتاج إلى نخبة مثقفة قوية قادرة على تأسيس الوعي المطلوب عند الناس.
ثانيا : كيف نصبح دولة ديمقراطية :
اليوم لم يعد من الممكن الوصول إلى الحكم عبر الدبابات أو الانقلابات اليوم الطريق الوحيد والوسيلة الوحيدة هي التوجه إلى الشعب وإقناع التونسيين ولكن ما يعيق ذلك هو قضية شراء الذم وشراء الاصوات في الانتخابات بعد الثورة كانت لنا فرصة لتخليص تونس من فكرة الخلاص الفردي الذي أدى الى اتساع دائرة الفساد وتوجيه الناس والتحكم في ارادتهم نتيجة عجزهم على مجابهة مشاكلهم اليومية .. ما نشهده اليوم هو محاولات متكررة للسيطرة على الأشخاص من خلال المال ومن خلال التدخل لتسوية مشاكلهم الخاصة في مناخ كهذا لا تطغى فيه العقلانية فإن البعض يطرح التغيير والإصلاح من السلطة ومن خلال الوصول إلى الحكم وعندها تكون لهم القدرة على الفعل.
نحن في التيار الديمقراطي لدينا رؤية أخرى وهي أن الإصلاح لا يكون إلا من خلال اقناع الناس وتغيير العقليات صحيح أن الدولة لها دور في تغيير الواقع وتغيير العقليات وتجربة الرئيس بورقيبة في الاصلاح قد أوضحت أنه يمكن من خلال الدولة أن يتغير المجتمع وتتغير العقليات فالرئيس بورقيبة رغم أنه لم يكن ديمقراطيا فقد استطاع أن يفرض مجلة احوال الشخصية وقد فرض قوانين غير بها الواقع لذلك فإننا نعتبر أن الدولة الديمقراطية هي القادرة على ذلك ولذلك فإننا نقول بأننا في حاجة إلى دولة القانون دولة يفرض فيها تطبيق القانون حتى تتغير العقليات وترسى ثقافة مجتمعية جديدة في المستقبل.
هل مشكلة تعثر الاصلاح والتغيير في عدم فرض القوانين ؟ وهل يمكن أن نصلح الإدارة من دون قوانين ؟ ولكن هل يمكن للقوانين وحدها أن تحل المشكل ؟ يرى عبو أن مع القوانين هناك التدخل البشري فمهما حاولنا الإصلاح بقوانين وإجراءات جيدة فإن ذلك لا يمكن أن يحصل من دون وجود العنصر البشري الذي نحتاج أن يكون بأقل فساد ممكن أو بدون فساد ذلك أن الاعتبارات الاخلاقية تتلاشي مع الوقت بسبب سطوة الاغراءات والخلل الذي وقفنا عليه في موضوع التغيير هو أن الدولة إذا أرادت أن تقود تغييرا حقيقيا فإنه عليها أن تبدأ بتطبيق القانون على أقرب الناس منها عندها تستعيد ثقة الناس ويسهل الاصلاح. ما يقلق اليوم هو ما يشاع من أن كل من يحاول الاصلاح فإن جهات قوية نافذة تقاومه وتمنعه وهذا يجرنا إلى ضرورة وجود دولة قوية تتصدى للفساد وتفرض القانون على الجميع .
المشكل الذي نواجهه اليوم هو أنه كان من المفروض أن يبدأ التغيير من المدرسة ومن خلال التعليم وأن نجد حديثا عن الثورة وقيمها في البرامج التربوية ولكن المقلق أن نجد انفسنا في اختلاف حول الثورة وعدم اتفاق حول حصولها وأن لا نجد حديثا عن الثورة في المدارس فالناشئة اليوم لا تعرف شيئا عن الثورة لأنها لم تدرسها وفي مقابل ذلك نجد من ينادي بعودة النظام القديم وتمجيد الوضع السابق وهي مغالطة كبرى لأن الوضع السابق كان أسوء ومع ذلك لم نتصد بما يجب لمنع هذا الامر لم نقم بما يجب القيام به في مدارسنا فصورة الثورة غير موجودة في البرامج الدراسية نحن لم نفعل شيئا حتى نجعل الناشئة تعتز بثورتها المؤسف أن الدولة لم تضع البرامج المطلوبة لحماية الثورة وهذا جانب هو اليوم مغيب ولا يهتم به السياسي ومن يحكم وهي مسألة خطيرة وفي غاية من الأهمية والمشكلة في ذلك أنه لا يمكن أن تصبح تونس دولة ديمقراطية تعتز بثورتها بالرجال الفاسدين.
ثالثا : هل أن الدستور الجديد هو سبب مشاكلنا ؟ :
هناك من يرى أن دستور 26 جانفي 2014 هو دستور هجين ومبني على متناقضات وثنائيات يصعب التوفيقي بينها ولكن من يقول هذا اليوم من رجال القانون ينسون أنهم هم من وقع استشارتهم عند وضعه لذلك من يرى اليوم أن الدستور هو سبب البلية في تونس هو مخطئ فهل كنا في ظل دستور 1957 أفضل حال من الآن ؟ الدستور الجديد يكفيه فخرا أنه انهى مشكلة الحكم الفردي وقضية الشخص الذي يحكم بمفرده وانهى السلطة الاستبدادية ,ارسى دعائم حكم ديمقرلطي.
ما نراه أن هناك اليوم مغالطة كبرى وهي الترويج إلى أن وضعنا ناجم عن اختيارانا الدستورية وأن الدستور هو من يعرقل الحياة السياسية لكن الحقيقة أن الأمر لا يتعلق بالدستور وإنما يتعلق بعدم احترام مقتضياته ولا ننسى أن نظامنا السياسي يتكون من الأحزاب السياسية والبرلمان والمنظمات والجمعيات وأن مشكلتنا في تعفن العمل الحزبي الذي تحكمه تصرفات لا اخلاقية.
رابعا : محورية المسألة الدينية :
الحقيقة اليوم أن المسألة الدينية أضحت جزء من الصراع السياسي وموضوع نزاع ثقافي فكري وأصل الخلاف في هذا الموضوع هو ورود عبارة " دينها الإسلام " التي جاءت في الفصل الأول وهي عبارة تم جلبها في الدستور الجديد من الدستور القديم وتم الاتفاق على الابقاء على الفصل الاول بنفس الصيغة القديمة التي أقرها المجلس القومي التأسيسي بعد الاستقلال ولكن المشكلة التي أججت الخلاف هو عدم الاتفاق على معنى واحد لعبارة دينها الاسلام فهل المقصود بها تطبيق تعاليم الاسلام وشريعته كما قررها الفقه الاسلامي وما نجده في كتب الفقهاء ؟ أم تعني شيئا آخر ؟
وكذلك الأمر بالنسبة لعبارة " تونس دولة مدنية " التي جاءت في الفصل الثاني من الدستور قد خلقت هي الأخرى إشكالا وهي عبارة وضعت للطمأنة من اللائكية الفرنسية ومن الفصل الحاد للعلمانية الاقصائية والفلسفة التي بني عليها الدستور هي التوفيق بين الكثير من الثنائيات وليس التلفيق بينها كما يقول البعض واليوم بعد سنوات من كتابته نجد انفسنا نناقش في فصول الدستور لذلك نحن اليوم في حاجة إلى الكثير من القوانين التي توضح فصوله نحتاج أن يكون في برامج الاحزاب السياسية ورقات فكرية وثقافية في المسألة الدينية توضح ما المقصود من الكثير من العبارات التي جاءت في الدستور والثنائيات التي أسس عليها والتي تحدث الكثير من سوء الفهم .
إلى جانب ذلك فإننا نرى أن الدولة وجب عليها أن تؤطر المسألة الدينية وأن تشرف على الشأن الديني ولكن من دون فرض لخطاب معين في المساجد وإنما عليها أن تفرض حيادها وعدم تدخلها في الشأن الحزبي والقضايا السياسية اليوم علينا ان نوضح كيف تحمي الدولة المقدسات ؟ في اعتقادنا أن الدولة عليها أن تضع قانونا تفعل به الفصل السادس من الدستور والذي يتحدث عن حماية المقدسات من قبل الدولة حتى نحيد هذه القضايا من الصراعات الحزبية وحتى تكون بعيدا عن خلافاتنا وحتى لا تستغل سلبا أو ايجابا في المحطات الانتخابية نحتاج إلى قانون يحدد حرية الابداع والفن في مجال المقدسات وقانون يوضح أين وكيف يكون الحديث عن المقدسات مباحا ؟ هل نسمح من منطلق الحرية الابداع والفن أن نتعرض إلى الرسل والأنبياء والكتب المقدسة وتعاليم الإسلام ؟ هذه قضايا تحتاج إلى قانون يضبطها حتى ننتهي من الصراعات حولها وحتى تكون المشترك الذي جاء به الدستور اليوم نحتاج إلى تحديد للحرية الاكاديمية وضبط معنى حرية الفن عندما تتعلق بالمسائل الدينية وهنا علينا أن نتذكر الحكم الذي أصدرته المحكمة الأوروبية سنة 2011 والذي أيدت به حكما آخر صدر عن المحكمة الجنائية "بفيانا " والقاضي بإدانة امرأة نمساوية أصدرت تصريحات مهينة ضد النبي محمد صلى الله عليه وسلم معتبرة أن الإساءة لنبي الإسلام لا يندرج ضمن حرية التعبير لأنه لا يسمح لحرية التعبير أن تؤدي إلى المساس بالمشاعر الدينية للآخرين ورموزهم الدينية وأن الذي صدر عن هذه المرأة يشكل خطرا على النسيج المجتمعي لدولة النمسا وتهديدا للسلم الديني فالقضاء الأوروبي بهذا الحكم قد اعتبر أن للحرية حدودا عندما يكون هناك مساس بالمشاعر الدينية للآخرين.
فهل حسمنا أمر المسألة الدينية بما قررناه في الدستور ؟ أعتقد أن الصراع سيتواصل وسوف تظهر قضايا دينية أخرى في المستقبل وسيتواصل الجدل حول عبارة " وتأسيسا على تعاليم الإسلام " التي جاءت في توطئة الدستور وهي عبارة إذا لم نتفق على معناها فإنها سوف تفتح الباب إلى مفهوم الدولة الدينية في الوقت الذي نجد فيه الدستور يتحدث عن إسلام متسامح .. اليوم لدينا مسلمون من دون إسلام ولدينا فهما خاطئا للإسلام وهذا يعني أن مساجدنا وتربيتنا الدينية وتعليمنا المدرسي قد فشل .. نعود إلى فكرة الخلاص الفردي لنقول إذا تركنا تنظيم المسألة الدينية خارج إطار الدولة فإننا سوف نكون أمام أفراد يشكلون تدينهم بمفردهم وهذا غالبا ما يؤدي بهم إلى التطرف والإرهاب لذلك نقول أن الإسلام يمكن أن يكون له دور إيجابي في المجتمع فقط علينا أن نعرف كيف نتعامل مع المسألة الدينية .
خامسا : نحتاج إعلاما موضوعيا حتى وإن كان غير محايد :
منذ فترة وأنا أتابع القنوات المصرية فما شد انتباهي فيها هو أن الخطاب الاعلامي في هذا البلد الذي أصبح في اتجاه واحد وخطاب يروج للتفاؤل ويبعث برسائل إيجابية للناس في ظل واقع مصري يتخبط في العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ومع انسداد الافق في مجال حرية التعبير .. هذا الخطاب الاعلامي يروج إلى أن الديمقراطية لا تصلح وأن الديكتاتورية يمكن أن ترسل التفاؤل .. هذا الخطاب الذي لا يقبل به الكثير من الناس يمكن أن يجلب المستثمرين الأجانب ويخلق الاستقرار ولكن هذا النوع من الخطاب الاعلامي هو خطاب خطير جدا لأنه يزيف الحقائق ولا يعكس حقيقة الواقع ويبث الأمل الكاذب .. ما نحتاجه اليوم في تونس هو اعلام قوي ويقظ ينتج الوعي الصحيح من دون تلاعب بالعقول ولا توجيه الناس لصالح جهات حزبية خطاب يتحلى بالموضوعية والنزاهة حتى وإن كان غير محايد ما أتعب حكومة الترويكا في سنة 2012 هو أن الاعلام لم يكن موضوعيا وهنا أذكر حادثة حصلت مع حمادي الجبالي لما كان رئيسا للحكومة وذهب لتدشين بعض المساكن الاجتماعية فلم يقع تمرير التغطية الاعلامية في التلفزة الوطنية ولم يفتح تحقيقا في المسألة والحال أن الحكومة لها الحق في تغطية انشطتها في القنوات العمومية ومع ذلك فقد كان الإعلام وقتها غير موضوعي مع حكومة الترويكا في قضايا كثيرة.
ما نراه في قضية الاعلام هو أن لهذا القطاع دور محوري في خلق مجتمع سليم ودولة ديمقراطية وشعب واع لذلك فنحن في حاجة إلى قانون ينظم مهنة الاعلام ويرشدها لذلك عملنا على وضع قوانين تحصن الحرية الصحفي والاعلامي في عمله ولكن في المقابل تراقب مصادر تمويله وتراقب أموال الصحافيين حتى لا يلوث هذا القطاع الحساس لذلك لعلمنا أن الكثير من الصحافيين اليوم لهم ولاء لبعض الجهات السياسية ولبعض رجال الأعمال .. كيف نفهم اليوم أن هناك قنوات ليس لها اشهار ومع ذلك تواصل في العمل ؟ وهناك سياسيون يمولون في وسائل اعلام هذا الواقع لا يسمح بتأسيس اعلام حر ونزيه وموضوعي ما نريده هو اعلام يساهم في بناء الديمقراطية ويكون قويا حتى يكون صوت الشعب وعينه الساهرة على كل انحراف أو خلل قد يحصل .
كانت هذه ملامح القراءة التي قدمها السيد محمد عبو للواقع التونسي في راهنه والمقاربة التي يقترحها للخروج من حالة الوهن التي عليها المشهد السياسي وهي أفكار مهمة تستحق أن نتوقف عندها لتلمس بداية الطريق لبناء تونس الجديدة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.