اتركوا المقارنات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية مع دول أخرى جانبا، وفكروا مليا في بلادنا وثرواتها، وتاريخها وأفراحه وأتراحه، فالتجربة التي تخوضها بلادنا، هي الكفيلة وحدها بالتقويم، والنقد والاصلاح، شريطة ان يفتح أهل الحكم أبصارهم، ويستمعوا بآذان صاغية الى نداء تونس العزة والكرامة، ويتركوا التنافس على كرسي الحكم، وما يعطيه لهم من اشعاع افتراضي وثروة زائلة ، لن يكونوا اهلا لها، لان كفأتهم محدودة، وتصورهم مفقود و غير كفيل بإخراج البلاد من الوحل الذي هي فيه، منذ عشرات السنين، وللذين ضحوا في سبيل تونس، واعلاء رايتها، واتخذوا من حبها رمزا لحياتهم، وسلوكا في معيشهم، ولم يغرنهم ما اغدق من اموال على من لايستحقه، وقد اصبحت بلادنا بكل سكانها مناضلة، كل حسب أهوائه، ومن الموقع الذي هو فيه، ومن المنظار الذي يريده، فكانت التعويضات الغير معقولة،تؤخذ من اموال الشعب،وتدفع لفاقدي التاريخ، اتوا بهم لتعزيز مسارهم، وتنوير سلوكهم، واغلبهم كان بعيدا عن معارك تونس، وبناء دولتها المدنية، التي تدر عليهم اليوم من جباية المواطن، بلا حساب، وبدون رقيب، و يتنعمون بازدهار ما وصلت اليه البلاد، وهم لايفقهون،منهم من تنكر لأهله، وهرب من عدالة قومه، ومنهم من واصل في غبائه، وتمركز في خياله انه الحل المستقبلي الامثل،ومنهم من هاجر مجددا تحت غطاء الاجنبي الممول، ليواصل بكل دناءة مشروعه المتميز بالتشويه و الثلب،وكذلك الانقلاب على ما انجز من تقدم ورقي،وقد جرب بنفسه ادارة الحكم،وكانت المصيبة العظمى، ومن سوء حظ مسعاه،ان اخفق كليا في مغامراته،لأنه لم يكن،وجماعته،جديرين بثقة الشعب الغالية التي منحه لهم ،فعاثوا فيها الفساد، والعدالة لهم بالمرصاد، تطارد من انتهك المبادئ و القيم، وحاول بث البلبلة في الصفوف،لكنهم ايام فترة "التريكا"، كيفوا مسارا على منوالهم، خشية ان تدور عجلة الحق، ويمروا الى الحساب على ما اقترفوه من ذنب،وكل على ما قدمت يده في توجيه الثورة من مسارها الطبيعي،مسؤول على ما آلت اليه البلاد، من تعفن وتدهور، وارتباط مع الاجنبي، وتكبيل لشباب المستقبل بديون تقضي على طموحاته، اذ يجب تسديدها في امدها،ولا رحمة و لا أخوه في الرهينة، والرهان في هذا المضمار صعب المنال، وعسير الحفاظ عليه،فتبا للمسؤولية التي تأتي بفقدان الكرامة، والتزلق للمطامع، والتنكر للمبادئ، وبيع الذمم، بحثا عن الوظيفة، والحصانة، التي لن تدوما على مر الزمن اتوا بكبريائهم، وعدم قدرتهم، فازدهر في حكمهم الظلم والحيف والفساد، وارقام المعهد القومي للإحصاء خير دليللتأكيد ذلك، واختلطت السلطاتعندهم، وفقدت توازنها، ولم تلعب دورها الحيادي على الوجه المطلوب، وتدهورت أيضا استقلالية القضاء، نتيجة تراكم الملفات وتنوعها، وفقد الحكم الرشيد، الذي يستوجب للتنافس السياسي النزيه، ولم توضع الاليات الكفيلة بضمان استقلالية القرار، ومحاربة الغش، والتصدي للاقتصاد الموازي،ولم تبعثلبنة القضاء العدلي والاداري والمالي، بل مجالس في اغلبها اصبحت غير خاضعة للقانون في تصرفها، اذ هو غير مطابق لما يجب ان تكون عليه من واجبات العدالة والشفافية، ومنها من لم ير النور بعد، كالمحكمة الدستورية التي تختص، دون سواها، بمراقبة دستورية القوانين،أما عن الهيئات الدستورية الاخرى، فحدث ولا حرج، فهل كانت ضامنة لسلامة المسار الانتخابي؟هل اخترقت فعلا بالمال الفاسد؟هل تابعت بالشفافية المطلوبة الاعلام بأنواعه؟ من ساعد الاحزابفي حملاتها الانتخابية؟ ما هي الاجراءات الجزرية التي اتخذت في هذا الشأن؟إن الصحافة تؤدي دور هام في تركيز الجمهورية الثانية،لكن السؤال المطروح لماذا تنطلق الألسن في انتقادها بلا هوادة؟لماذا وقع الخلط بين غثها وسمينها بدون تمييز ولا روية ؟ لماذا تألب عليها كل الساسة من كل الاتجاهات الفكرية والعقائدية ؟ ما هو واقعها وكيف يمكن ردع الذين يريدون الحد من حريتها بإخضاعها لإملاءاتهم ؟ من أين تأتي مواردهاوغلو المعاش لايطاق؟ هل انفردت وحدها بالإثراء والبلاد في أزمة أمنية واقتصادية واجتماعية وبيئية؟هل انكبت الحكومات المتتالية على مشاكلها ؟ وماهي حقيقة سبر الآراء المتواصل خارج قانون تخضع له المهنة؟تلك هي أسئلة مطروحة للبحث، أثبتت التجربة التي خاضتها البلاد منذ الثورة، ان السياسيين المبوبين لقيادة البلاد هم غير قادرين على تصور المستقبل، إذ فقدت في تدخلاتهم في وسائل الاعلام برامجهم الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية، قل منهم و من أحزابهم من له برنامج حول مواصلة بناء مجتمع متفتح على واقعه، ومتطور مع عصره، يمتاز بغزارة الأفكار، وشمولية المشاركة، وتتجلى فيه روح العمل والإخاء، يتعين اذا على الدولة أن تهتم بهذا الواقع المرير، وتمد يد المساعدة ولو لضرف وجيزوهي تملك القسط الاوفر من وسائل الاعلام، ويرجع اليها ان تعتمدإجراءاتلتحديدالثغرات،واقتراحالحلولالناجعة، واقتراحنايكمن في اللجوء إلى الكفاءات التي تعج بها بلادنا، لإطلاق ورشات عمل متعددة الاختصاصات،برئاسة شخصيات بارزة من حيث السلوك المثالي، والتمييز العلمي،تدرس الموجود، وتبني التصور المستقبلي، وتقدم مشروعها واقتراحاتها للحكومة، في أربعة أشهر مثلا، وعندها يقع ابداء الرأي من كل من له تجربة في الموضوع، مهما كانت مشاربه الايديولوجية والفكرية، ويجمع من وراء ذلك أفكار قوى يستنجد بها عند الحاجة لفائدة تونس وسيرها قدما في طريق الرقي، لا الرجوع بها الى القرون الوسطى.