كنت منذ قليل أردّ على فيديو وصلني من المحامي عبد الرؤوف العيادي فكتبتُ إليه : أنا احترمك يا سي عبد الرؤوف لكنني أرى أنك من المقصرين في البحث عن حل جاد للبلاد بعيدا عن مهزلة "الديمقراطية". فبدلا من هذا نراك تخوض مع الخائضين!.. هل تعلم يا سي عبد الرؤوف أنني اليوم تحاورتُ مع شابين وكانت البداية بمناقشة مقالي الذي نشرته الصريح ( رائف بن حميدة، هل من مجال لمقارنة المرزوقي ببورقيبة !؟ )وبعد تحليلي الطويل وكان الشابان منصتين لي قرابة الساعة بإهتمام وتنبّه إلى كل فكرة ( وهما من الصنف النزيه النظيف بحق!) انتقل الكلام الى البحث عن حل لتونس ،فقدمتُ تصوّري في ثلاث حلول ،وهذا ملخصها: 1-الوفاق المطلق بين جميع التيارات الستة الموجودة ،بمعنى تقسيم البرلمان على 6 دون انتخابات ( انظر مقالي: الصريح، ما أشبه الليلة بالبارحة) 2-أما إذا رفضت الأحزاب هذا وأصرّت على المغالبة الإنتخابية التي دمرت البلاد، فالحل يكون بهيئة وطنية غير متحزبة ينتخبها الشعب ويترك جميع الحزبين.أما اذا لم تتكوّن هذه "الهيئة الوطنية" فالحل الثالث هو : 3- مطالبة الشعب الجيش بحكم البلاد لمدة زمنية معلومة ، وتكون هذه المطالبة بكثافة عبر الفايسبوك والمعلقات الحائطية وكل الوسائل حتى يتمكّن الجيش من تفويض شعبي بعيدا عن الإنقلاب.أما المدة الزمنية فربما تكون 10أو15 سنة ( 15 سنة ريثما يموت أو يهرم هؤلاء الموبوؤون بالحزبية!).وهذه الفكرة في الحقيقة كنت شرحتها بمقال نشرته صحيفة الصباح بعد يوم من اغتيال المرحوم شكري بالعيد ( انظر: تورس، الجيش تحسّبا للفراغ!) وهنا وعندما انهيت كلامي قال لي أحد الشابين،وكان يتكلم بجد وبإحترام بعد إن اقتنع الى حد كبير بكلامي وخاصة بالجيش، فقال : وربما ايضا المطالبة بعودة فرنسا فنحن لا نصلح ولا يوجد عندنا نخبة صالحة ! فقلت لهما :هذه مع الأسف صارت أيضا وجهة نظر طالما يحكمنا الذين لهم جنسيات اجنبية !!... وإذا أردتُ الآن أن أضيف شيئا تعقيبا على رسالتي الى الأستاذ عبد الرؤوف فسأقول: لمذا الشعب صابرعلى وضع أسوأ بكثير من زمن بن علي؟؟؟! والجواب هو:الشعب في الحقيقة غير صابر ،بل قام بعدة احتجاجات وحتى انتفاضات لكنها فشلت، وسبب الفشل هو أنّ إرادته شُلّت نتيجة لتقسيمه الى احزاب مصداقًا للقاعدة الإستعمارية- فرّقْ تسدْ-!.فالشعب الذي كان متماسكا كالحبل "يِكبسْ و يقرّطْ" الآن قطّعته الأحزاب: لهذا شبر وللآخر شبران وهكذا..!..إذن فالمتحزبون هم السبب في ضياع ارادة الشعب و تأبيد القهر وإفلاس البلاد وإرتهانها بمزاعم"الإنتقال الديمقراطي"{وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} !احزاب مريضة بالزعامتية كملوك الطوائف،لن تتحد حتى لو دخل الإستعمار! لقد كانت النخبة عندنا تسخر من مقولة القذافي الشهيرة . من تحزّب خان لكنها الآن صارت تخرس خاسئة أمامها ! إنّ أقصى "وطنية" رأيناها منهم هي صراخهم التلفزي والبرلماني بمزاعم الإنحياز " لقضايا الجماهير"،فلو كانوا صادقين لإنسحبوا من البرلمان أصلا !! لكنهم اكتفوا بذر الرماد في العيون ينتحبون مع الراعي ويأكلون مع الذئاب!.. الشعب ادرك بالمحسوس والملموس ان ما يسمى "ديمقراطية" أسوأ مليون مرة من الدكتاتورية "هارب من القاطر جاي تحت الميزاب"!..فالتجمعيون مقارنة بالموجد الآن من إحزاب انتهازية يعتبرون " شرفاء وملائكة". إن الذي دمّرنا كشعوب متخلفة منكوبة هي النخبة السياسية التي شوهت السياسة وجعلت "ماعون صنعة" هو"التشقليب والنفاق وقلة الحياء"! أما في الدول المحترمة فمجرد كذبة اومخالقة صغيرة كفيلة بمحاسبة المسؤول او حتى سجنه...إنّ ما يسمى " ديمقراطية" اخطر حتى من الإستعمار ، لأن الإستعمار على الأقل تنتج عنه لحمة وطنية لكن هذه "الديمقراطية" جعلتنا اعدء بعضنا بعضا..ولم نر منها غير الإفلاس والديون وإقفال باب الإنتداب ولم يفتحوا من باب غير "قانون الزطلة" والجرائم وضياع القيم وحرمة الوطن و المؤسسات وشرف العمل..الشيء الوحيد الذي "ربحناه" هي العداوة والإنقسام و الصداع والتشاتم بيننا في الشارع وفي الصحف والفايسبوك.وصار كل تافه ورُويْبضة فيلسوف ومنظّر وصاحب رأي !.. ألم يأمرنا الإسلام بالتعاون ونبذ الصراع {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم }...{وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللَّهِ جَميعًا وَلا تَفَرَّقوا}؟؟ إنّ اكبر ثورة يقوم بها الشعب هي المقاطعة النهائية لأي انتخابات طالما هذه النخب لا تبحث إلا عن مصلحتها وأنانيتها الفردية والفئوية