هل فعلا هزم شيبون حنبعل في زاما؟ في كتاب صدر لعبد العزيز بلخوجة تحت عنوان "حنبعل في عيون قرطاجني" هناك نفي قاطع. يقول الكاتب بعد استعراضه للعديد من المقاربات التاريخية "إنّه لا يمكن البتة تصديق رواية المؤرخ بوليب فيما ذهب إليه من انتصار مزعوم للقائد الروماني في معركة زاما هذا إن هي وقعت". صحيح أن موقع زاما أو جامة قد وقع اكتشافه سنة 2001 من طرف الباحث أحمد الفرجاوي وهو موجود على بعد تسعة كم من مدينة سليانة في اتجاه بورويس. ولكن لا شيء يثبت أن مصير المعركة كان سيئا بالنسبة للقائد القرطاجي. حنبعل لم ينهزم قط فما انتصروا عليه ولكن خُيّل لهم أو لعلّه من وحي خيال من استأجرهم شيبيون قبل أن يأتي حفيده فيحرق كل المخطوطات الفينيقية حتى لا يبقى أثر لتاريخ دولة دوَخت العالم قرونا وقرونا والتاريخ يكتبه أحيانا الحارقون ! لم ينهزم حنبعل وإلا فكيف يعود إلى قرطاح وينتخب سبطا أي رئيسا للدولة ومخططا لمدينتها عام 196 ق م فيعيد الثقة للناس في أنفسهم وفي أموالهم وهوالذي اجتمعت الأمور لديه وحده بينما جرت العادة أن تكون السلطة مثلثة أي متركبة من مجلس تشريعي وسلطة تنفيذية برأسين (أي سبطين). إنما هي افتراءات مؤرخ يكتب التاريخ الرسمي بطلب من مؤجّريه الرومان فيزيّن الوقائع لفائدة المستعمرين بعد أن اشتعلت النيران وأتت على كل المراجع التي قد تدحض المزاعم الرومانية. لقد كان لزاما على روما اختلاق معركة "زاما" لمحو معركة "كان" وإزاحة وصمة العار التي لحقتها من جراء صولات حنبعل وجولاته. ولكن أسطورة حنبعل اخترقت الأزمنة وستظل ساطعة في سماء الكون كالكوكب الدَري لن ينطفئ بريقه أبد الدهر. لم يعمر حنبعل طويلا في سدة الحكم إذ أن روما أرسلت بطلب إلى الجهات المناوئة لحنبعل بمحاكمته عام 195 ق م على خلفية نقضه معاهدة سابقة فخيّر حنبعل اتقاءً للفتنة مغادرة قرطاج فتوجه إلى رأس ديماس ثم قرقنة ومن ثمة إلى صور. سنة 190 ق م ينتقل حنبعل إلى انطاقيا في تركيا ثم إلى شمال أرمينيا حيث أفنى بقية عمره في منازعة زعامة روما على البحر المتوسط إلى أن ضيّق عليه الأعداء وأرادوا به سوءا. فلم يستسلم ولم يسلّم نفسه الأبية فوضع حدّا لحياته التي دامت أربعة وستين عاما بتجرع السم الذي لم يفارقه أبدا ومن المفارقات العجيبة أن خصمه شيبون قضى هوأيضا نحبه في نفس السنة أي عام 184 ق م في حين زالت قرطاج البونيقية وعمرها 668 عاما.