بالأسماء: أعضاء الهيئة الوطنية للمحامين 2025-2028    وزارة الصحة: ردّ بالك من الماكلة المعلبة... السّر خطير    لبنان يعلن تفكيك شبكة دولية لتهريب المخدرات    نيران تلتهم الهشيم بزغوان.. 1000 متر مربع من الغابة تضرروا...شصار؟    عاجل: الرابطة تستدعي الكنزاري.. شنوّة صاير مع مدرب الترجي؟    الكرة الطائرة....خسرنا ضد إيران أما الأمل مازال قدام المصري..كيفاش؟!    سحتوت ''العراف'' ...يتوفى بمبيد الحشرات في بوحجلة...شنوا حكايتوا ؟    ترامب يطلب تعويضا خياليا عن "كذب" بحقه    طقس الثلاثاء: سحب قليلة وحرارة مرتفعة تتراوح بين 30 و39 درجة    إيران تعلن عن ملاحظاتها على بيان قمة الدوحة أمس    ضربة أمريكية لسفينة فنزويلية يتهمها ترامب بتهريب المخدرات ومقتل ثلاثة أشخاص في المياه الدولية    إلغاء إجراء تمديد عقود CIVP    حماس.. تصريحات ترامب هي تجسيد صارخ لازدواجية المعايير وانحياز سافر للدعاية الصهيونية    همسات من قوافي الوطن...إصدار جديد للمربي توفيق الجباري    الكوتش وليد زليلة يكتب...حتى تكون العودة المدرسية رحلة آمنة لا صدمة صامتة؟    خواطر من وحى العودة المدرسية .. تخفيف البرامج والمواد واللوازم المدرسية وملاءمة الزمن المدرسي مع المحيط والبيئة    تراجع في عائدات تصدير زيت الزيتون رغم زيادة في الكمية…    وزارة الصحّة تحذّر من خطر استهلاك الأغذية المعلّبة على الصحّة العامّة..    سيدي بوزيد ..أكثر من 400 مؤسسة تستقبل 105 آلاف تلميذ    بعد الاحتفاظ بمنفذ السطو على بنك ببومهل...بنوك بلا حراسة ولا كاميرات رغم السرقات ؟    أخبار الحكومة    السفن تتجمّع في المياه الإقليمية استعدادا للانطلاق: أسطول الصمود يبدأ رحلة التحدّي    طقس الليلة    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية (AVC)    بمناسبة العودة المدرسية رئيس الجمهورية يشدد على توفير الظروف المتساوية لكل التلاميذ ويدعو إلى المعالجة الفورية لعديد الإشكالات    مجموعة التعاون البرلماني مع دول القارة الأمريكية : مشروع القانون الأمريكي حول الديمقراطية في تونس تدخل سافر في الشأن الوطني    وزارة التجارة: الانطلاق في تنفيذ برنامج خصوصي للمراقبة المشتركة عبر الطرقات    تونس تعزز حضورها في السوق السياحية الصينية مع تزايد إقبال السياح الصينيين على الوجهة التونسية    وداع المدرسة: كيفاش نخليوا أولادنا يبداو نهارهم دون خوف؟    عاجل: تعرّف على العطل المدرسية للثلاثي الأول    كافة أسلاك التربية ينفذون الاربعاء 17 سبتمبر 2025 وقفة احتجاجية بساعتين داخل المؤسسات التربوية وأمام المندوبيات الجهوية    عاجل: وزارة الداخلية توقف أبرز المضاربين وتحرر محاضر عدلية..شنيا لحكاية؟!    تونس/اليابان: جناح تونس ب"إكسبو 2025 أوساكا"يستقبل أكثر من 500 ألف زائر    عاجل: الرابطة المحترفة الأولى تعلن تغيير مواعيد المباريات...شوف كيفاش    رئيس الجامعة التونسية لكرة القدم معز الناصري رئيسا للجنة الاستئناف بالاتحاد العربي لكرة القدم    عاجل و مهم : ابتكار طبي جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق    في بالك تفاحة وحدة في النهار.. تقوي قلبك وتنظّم وزنك!    كأس إفريقيا للأمم لكرة اليد أكابر: المنتخب الوطني في تربص اعدادي بقرمبالية من 15 الى 19 سبتمبر    شركة نقل تونس توفّر 140 حافلة و68 عربة بالشبكة الحديدية بمناسبة العودة المدرسية..    اعتقال مديرة مكتب وزيرة إسرائيلية في فضيحة فساد ومخدرات    الرابطة الثانية: تعديل في برنامج مواجهات الجولة الإفتتاحية    بطولة العالم لألعاب القوى: مروى بوزياني تبلغ نهائي سباق 3000 متر موانع    عاجل/ وفاة عامل وإصابة آخريْن في حادث بمصنع في هذه الجهة..وهذه التفاصيل..    كفاش تتعامل العائلة مع نفسية التلميذ في أول يوم دراسة؟    عاجل: قمة عربية إسلامية في الدوحة...شنيا ينجم يصير؟    سوسة: تسجيل 14 مخالفة خلال عملية مراقبة اقتصادية مشتركة    البطولة الإسبانية : برشلونة يفوز على فالنسيا 6-صفر    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    اختتام الأسبوع الأول من مهرجان سينما جات بطبرقة    تونس ضيفة شرف الدورة الثانية من مهرجان بغداد السينمائي الدولي من 15 إلى 21 سبتمبر 2025    من قياس الأثر إلى صنع القرار: ورشة عمل حول تنفيذ مؤشرات الثقافة 2030 لليونسكو    طقس اليوم: الرصد الجوي يتوقّع ارتفاعا طفيفا في الحرارة    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    وزارة الصحة تطلق خطة وطنية للتكفل بمرضى الجلطة الدماغية    وزارة الصحة تحذر    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجيب عبد الكافي يكتب لكم: وحي الخماسيات
نشر في الصريح يوم 30 - 03 - 2019

إن من يصادق الشعراء عرضة لكل أنواع وأشكال المفاجآت : غريبها، ولطيفها، ومضحكها ، ومبكيها ، وسارّها، ومحزنها، وما على الصديق إلا تقبّل ذلك بما يجب من الصبر والتقدير، وإلا تعرّض لهجاء أو عتاب أو نقد، لاذع أحيانا، في وزن وقافية يرسخان لا يمحيهما الدهر ولا نائباته. عرفت من الشعراء الكثيرين بتونس وغيرها من البلدان العربية ، وعرفت آخرين في بلدان شتى ينظمون بلغاتهم المختلفة، فلا مجال لذكر اسماء هؤلاء ولا أولائك ، لأن القائمة طويلة ، فلا مفرّ من نسيان فإسقاط اسم أحدهم منها، وهذا لعمري ظلم كبير وخطأ لا يغتفر. لكنّي سأخالف القاعدة ذاكرا أحدهم ، ابتلاني الله بصدقاته ، وطالت صداقتنا وتوطدت، فصمدت "صمود" الأبطال ضد عواصف الأيام وتقلبات الدهر. صداقة بلغت من العمر عتيّا ، فقارب أو زاد عن الستة عقود ، فعرفَتْ القرب والهجر، والبعد والفراق ودموعهما ، ثم العودة واللقاء ببهجته وسعادته ، وهي ثابتة كأنها هرم أو ذات عماد. فهي لا تزال واقفة سائرة، بلا عصى ولا عكاز، لأنها عجين صدق وإخلاص وتقدير، رُشّ عليه مسك تطابق الآراء والأذواق. لذا ، فرغم البعاد ، إذ هو يؤلف وينتج ويجود متمتعا ب"عاصمته " قليبية الجميلة ، بينما أنا أجر أقدامي في أقصى غربي المتوسط حيث صال ابن عباد، وتعبد ابن عربي ، ونظم ابن بسام.
لعل القارئة الكريمة أو القارئ المبجل قد عرفا الشاعر الذي «ابتليت» بصداقته واعنيه ، فما هو إلا صديقي الشاعر الدكتور نور الدين صمود، ذائع الصيت، مدرس العروض ، خفيف الظل قوي التعبير. اعتدنا ، دون سابق اتفاق ، تحدّي المسافات، فنبدل البعد والفراق بالمراسلة السريعة عن طريق الشبكة البديعة، حمانا الله من أضرارها المريعة. فاجأني، بعد الانتفاضة المسماة ثورة بقليل، بأربع عشرة خماسية، أقل ما أقولها عنها ، أنها جاءت في حينها ، فاثلجت صدري، فترجمتها وبعد سنوات نشرتها، دون إذن أو ترخيص، فعاقبني بصمت طويل. لكن المهم في كلّ هذا، هو ردّ فعلي السريع جاء في ما أجبته به وهو:أخي الشاعر الابداعي ، صاحب الزجل "الدلاعي" ، الذي شنف أسماعي ، فانتشيت وطربت. بعد أداء واجب التحية للشعر وصاحبه ، دعني أعلق على خماسياتك التي فاجأتني ، وأنا ضمآن فارتويت ، وأنا فاقد فوجدت ، وأنا حائر فاطمأننت ، فشكرا على ما نظمت ، وحمدا على ما أرسلت.
لست مبالغا في شيئ لكني كنت ، وأنا أتابع انتفاضة شبابنا النبيلة ، عن بعد ويا للآسف ، افتقدت مساهمة عنصرين هامين هما الشعر والنشيد ، أو هم الشعراء الأدباء والفنانون ملحنون ومطربون الذين واكبوا ، وأحيانا سبقوا ، كل تحرّك شعبي في كل مكان. أنت تعرف أني ، بحكم ما فرضته عليّ الحياة وظروفها ، هاجرت وتغربت ، فعايشت وحضرت ، وشاهدت تحركات كثيرة في أماكن عدّة ، حيث رايت أن الشعراء والموسيقيين يدلون بأكبر دلو ، ويتحملون أهم دور، لإيقاد وزيادة قوة الحماس بالأناشيد والأشعار، وحتى الفكاهات والطرائف. أذكر ، من جملة ما أذكر، رغم شيخوخة الذاكرة ، كيف نظم نشيد من اشهر الأناشيد ، ولحن وسجل في ظرف ساعة داخل بهو من أبهاء محطة إذاعية.
لذا افتقدت مساهمة شعرائنا وفنانينا من أول يوم اندلعت فيه ما سمّوه الثورة ، فتساءلت وسألت ، لكن لا من مجيب ، وحتى لما أشرت لذلك في أحدى المقالات التي بعثت بها لصحفنا ، تجرأ أحدهم فأزال إشارتي والله على ما أقول شهيد.
لكل هذا قد جاء شعرك ، أي خماسياتك ، بردا وسلاما لتطفئ غلتي في هذا المجال. بعد هذا، هل تسمح بإبداء رايي وأنا المتطفل الدخيل على الشعر وأهله ؟
خماسياتك حسنة بليغة ، تمتاز بالسلاسة وعدم التعقيد البلاغي التعبيري ، فيجعلها هذا في متناول المختص وغير المختص ، المتضلع وغير المتضلع ، فهي إذن شعبية بالمعنى الكامل الشامل. فأول شعبيتها تكمن في أنك أرجعت للشعب سيادته ، بعد أن اغتصبوها ، بقولك سيدي الشعب ، بعد أن قالوا ورددوا " سيدي الرئيس ويا سيادة الرئيس ، الى غير ذلك من التعظيم والنفاق والتملق. ثم إن جعلك الثورة شعرا صورة حقيقية حساسة لأن الثورة ، كالشعر ، خرجت من أعماق الشعب ومن صدق مشاعره.
شعب وصفته بما فيه ، فهو كالسيل ما له أي سد ، وهو تيار ، ونار ، لكنه نور وأي نور ستهتدي به البلاد في طريق نموها وتقدمها وتطورها وسيرها نحو العلا.جميل ايضا تلاعبك اللفضي والجناس وما شابهه مثل " العروض / والعِرض وغير ذلك مما يلذ سماعه وقراءته. أعجبني كذلك انتقالك من وصف التضحية ووجوبها إلى جعلنا ، نحن البقية التي لم نساهم فعليا ، أو قل نحن الشيوخ ، نصبح فيك الشعب/الشباب شموعا ننشر نورا مأخوذا من تجاربنا وخبراتنا ، المرة أحيانا ، ثم تعتذر ، باسم الجميع ، وهذا لعمري واجب أخلاقي لأننا ، كما قلت وأجدت ، ظلمنا شعبنا ، أي شبابنا ، فحسبناه قطيعا وجموعا بلا أفهام ، فإذا هو جِدّة واعتزام ، وإذا به قائد وقدوة وإمام. ولعل أجمل صورة هي تلك التي حولت فيها النار إلى نور :
في حمانا أشعلت نفسك كي تكتسي بالضياء كل الربوع
فاعف عنا ايها الشعب ، ايها الشباب إذ ظلمناك فحسبناك كالقطيع ، وخذ وصف هذا الشاعر برهانا على صدق توبتنا ، وصف زاده قوة وتعبيرا اقتباسه مما قيل قديما : مقبل ، مدبر ، مكر ، مفر ، مثل الموج ومثل السيل يجرف الصخر لأنه قدر لا يرد .
لكن دعني ختاما لهذه العجالة أتساءل: هل سيستمر شعبنا هذا ، شبابنا اليقض محافظا على ما أنجز ؟ إني أرى الانتهاز ، والتسيس ، وركوب الموج ، والنفاق ، وكل مساوي الماضي تعود إلى الساحة فتهدد الثورة وشبابها بالخطر الكبير والانحراف الأكبر، فهل من ثورة على كل هذا ؟ أعتقد أن الظرف والتغيرات تحتم على المثقفين إعلاء الأصوات ، وتذكير الناسين ، وتحذير المغترين ، عسى أن ينقذ ما يمكن إنقاذه.
هذه الرسالة ، أو هذا النقد ، أو هو تعليق على خماسيات الثورة التي نظمها الشاعر الصديق الدكتور نور الدين صمّود ، تعود إلى يوم 8 ماي سنة 2011 أي إلى ثماني سنوات مضت ، سالت بعدها مياه وأنهار، وهبّت الأرياح وهطلت أمطار، ولا تزال أمورنا تتعثّر، ووضعنا الاجتماعي الإقتصادي يتدهور، و"الأفذاذ" الذين ركبوا السفينة في شجارهم ومنافستهم وجريهم نحو المجهول يعمهون. لم أكن قط متنبئا ، ولا ادعيت رؤى المستقبل أو تكهّن المجهول ، لكن شعوري بخشية ما تحسّست ظهوره ورأيت رؤوس نبتاته تبرز في أرض الانتفاضة ، هزّ كياني فسألت صديقي الشاعر علّه ينيرني فيخفّف من خوفي وقلقي ، لكنه سكت وصمت ، والشاعر الآخر – لعله ميخائيل نعيمة – يقول: إنّ للصمت في المآتم معنى * تتعزّى به النفوس الحزينة. هل نحن نحيى مأتما حقا ؟ هل ماتت فعلا كلّ تلك الآمال ، هل خبت كلّ تلك الطموحات ، والاستعدادات لما هو أفضل آت ، هل ضعفت الإرادات ، هل انحطت النفوس الشامخات ، التي قال عنها الشاعر صمّود : فتسامت إلى السماء نفوس * وتعالت بالشعر كلّ الحناجر. فها هي الآن صامتة خاشعة ، والشعب منشغل بانهيار سعر ديناره ، فصمت بعد أن كان : سيدي الشعب أنت صوت ينادي * ويغني بساميات المبادي.كثرت تساؤلاتي واشتدت حيرتي ، وما هي إلا ظل حيرة الشعب ، وصدى تساؤلاته حسب ما أقرأ واسمع ، فطغت عادتي بالرجوع إلى ما أحتفظ به من مذكرات وقصاصات ومقولات ، فوجدت تصريح السيد آلان بجّاني ، الخبير الفرنسي ، أعلنه في ملتقى مدينة دافوس الاقتصادي " السياسي " ونصّه:" إن نجاة العالم العربي لن تأتي من الحكام ، بل على أيدي القطاع الخاص" ، وتونس ، حتى الآن ، من وضمن العالم العربي ، وما القطاع الخاص إلا الشعب ، فلا نجاة إلا على أيديه وسواعده. فهل يتركوه يعمل ؟ أم عليه أن يعيد الكرّة ، ويجدد الانتفاضة ، ويبعث الثورة بثورة ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.