في تاريخ الأمم وبعد التردد و التفكير تحين ساعة الاختيار حيث لم يبق أمام الإنسان سوى أن يحدد موقفه و يتحمل أوزار ذلك الموقف دون أن يقرأ حسابات الربح و الخسارة لأن الانسان موقف وهذا ما ميزه به خالقه عن بقية الكائنات حين قال عز من قائل: (إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة. البقرة 30) فخليفة الله في الأرض مطالب بالترفع عن غثاء السيل والتحلي بالكبرياء كبرياء التمسك بالحق ورفض التذيل للباطل وهو جوهر الإسلام ومعنى الإنسانية. اليوم و نحن في أبريل 2019 نجد أنفسنا نحن العرب و المسلمين أمام التحدي الأخطر، ولست أنا من أدعي هذه الحقيقة فانظر حولك أيها القارئ العزيز تدرك دون عناء أن حروبا طاحنة تعصف بسوريا و ليبيا و اليمن و أن جماهير غفيرة صامدة في الميادين بالملايين في السودان و الجزائر ترفض تكرير عملية سرقة الثورات و الثروات… ثم أدر البصر قليلا نحو المجتمعات التونسية و المصرية و العراقية و الأردنية تجدها حبلى بإرادة التغيير ثم افتح القنوات الإخبارية لتشهد على المباشر قتل الشباب الفلسطيني و تجويع غزة و غضب كل جمعة و الإقدام على الشهادة بالموازاة مع بلع فلسطين كاملة لتصبح وطنا لليهود فقط بإلغاء الوجود الفلسطيني العربي من مسلمين و مسيحيين فيما يسمى صفقة القرن أي التصفية النهائية لقضية فلسطين بتحييد دول عربية اصطفت وراء صفقة القرن و لم يبق في جبهة التصدي لها سوى بعض الدول و كل الجماهير مهما تعرضت للتلاعب بعقولها و تحويل وجهاتها بإعلام مباع رخيص قبل أصحابه أن يدخلوا بيت الطاعة و أن يعرضوا كالعبيد في أسواق النخاسة الجديدة ! قرأت هذا الأسبوع أخر كتاب سياسي صدر في الولاياتالمتحدة للصحفية الاستقصائية المعروفة (فيكي وورد) بعنوان (كوشنير إنك) وهو يحلل بقلم خبيرة أمريكية أهم الأدوار المسندة الى صهر الرئيس ترامب الشاب الطموح و زوجته افنكا و يفكك الكتاب بالحجج القوية أليات الحراك الأمريكي الإسرائيلي المزدوج الراهن من أجل تمرير صفقة القرن و التي أعلن محمود عباس في القمة العربية بتونس رفض الفلسطينيين لها و بالطبع رفض حماس و قطاع غزة و جاء في الكتاب لعلمكم (و المعلومات منقولة من مقال للزميلة ابتسام أل سعد) أنه في الخامس من جوان 2017 حين فوجأت قطر بإعلان الحصار البري و البحري و الجوي عليها من قبل السعودية و الإمارات و البحرين و مصر كانت جيوش سعودية و إماراتية محتشدة على حدود قطر تنتظر من سيدها ترامب الإذن بغزو دولة قطر عسكريا وهو نفس ما أكده سمو أمير الكويت من بعد إذن كانت المؤامرة جاهزة وأخطر مما منا نتوقع و يبدو أن (تيلرسن أحبطها) واليوم ندرك من خلال كتاب (كوشنير إنك) أنها كانت ستنفذ بأيدي و سلاح دول خليجية شقيقة لم تشك فيها قطر و أن سببها الحقيقي هو عدم إنخراط قطر في صفقة القرن و نتذكر اليوم أن تسريبات من بعض الصحف الأمريكية الكبرى قالت في يونيه 2017 بأن الزيارة التي أداها كوشنير الى الدوحة كانت للترويج لصفقة القرن و أن صاحب السمو أمير قطر قال لصهر الرئيس بكل أدب و وضوح بأن قطر لا تقبل أي حل للقضية الفلسطينية ما لم يقبله الفلسطينيون لأنهم أصحاب الأرض و الحق حسب قرارات الأممالمتحدة و الشرعية الدولية وأن قطر مثل بقية دول العالم شرقه و غربه متمسكة بحل الدولتين و احترام القانون الدولي و المعاهدات الموقعة بين الفلسطينيين و الإسرائيليين منذ مدريد و أوسلو و كامب ديفيد. و تتحدث الكاتبة (فيكي وورد) عن نجاح بعض اللوبيات الأمريكية و الإسرائيلية في استقطاب أنظمة السعودية و الإمارات و البحرين و مصر بإعلان حماس منظمة إرهابية بينما لم تغادر حماس أرض غزة وهي تقاوم إحتلالا مدانا من منظمة الأممالمتحدة منذ 1967 بما فيه الإستيلاء على القدس بالقوة و ضم الجولان السوري نهائيا الى إسرائيل ! أستخلص اليوم بأن حصار قطر و تهديد مصالحها جاء بسبب تمسكها بالحق و نصرة المظلوم و إعادة اعمار غزة و أنا أشفق على بعض السياسيين و الإعلاميين التوانسة الذين يزورون خلية دحلان في باريس ليقبضوا ثمن العمالة و التذيل فتراهم يتسابقون الى الفضائيات لسب قطر و تركيا بينما ليبيا على حدودهم مهددة بأخطر دكتاتورية عسكرية ممولة من أسيادهم و تونس مهددة بعودة الإستبداد في شكل ملطف مهذب مؤنث جديد متحالف مع محور الشر و مع اليمين الغربي العنصري !