يطلع علينا بين الفينة والأخرى، رجل منّا - أو إمرأة - ليبعث فينا الشك في معتقداتنا التي حسبناها راسخة لا تزعزعها القراءات " المستنيرة " لدعاة الحداثة التي تتعارض كما هو مسوّق لها مع الأصالة. لم أطالع بعد كتاب الأستاذة هالة الوردي " الخلفاء الملعونون" ولست من جماعة "هذه دفعة على الحساب" ولكني طالعت باهتمام الحديث الذي أجرته جريدة لابريس في عددها الصادر يوم الأحد مع أستاذ القانون علي المزغني. وبقطع النظر عن أطروحته حول المساواة في الإرث فإنّ ما لفت انتباهي هو إشارته المتكرّرة بأنّ النصّ القرآني يجب قراءته في سياقه التاريخي أي ما كان مقبولا في زمان نزول القول الإلهي ليس بالضرورة معقولا في زماننا، بل يضيف بأننا إذا قبلنا بالأحكام الواردة في الكتاب في هذا المجال كأننا نزعنا عن الخالق أيّة عقلانيّة – هكذا !. « ceux qui s'attachent à l'intangibilité de la norme dénient à Dieu toute rationalité.. » إني أتساءل وأريد أن أفهم على غرار ما يرنو إليه الصديق محمد الحبيب السلامي ما هي نسبة القرون الخمسة عشر السابقة من زمن الكون 14 مليار عام؟ طبعا Epsilon مثلما يقول علماء الرياضيات أي رقم هزيل جدّا، فإله الكون وربّ النّاس منذ آدم وحوّاء أدرى بحسب عقلانيتي بأحوال عباده ماضيا وحاضرا ومستقبلا إلى أن يرث الأرض ومن عليها. والكتاب الذي أنزله على نبيّنا خاتم المرسلين هو كتاب عبادات ومعاملات وفرائض في آن، وآياته محكمة وأخر متشابهات مثلما جاء في سورة "آل عمران" وما يعلم تأويلها إلا هو. من المسلمات أن لا أحد يعلم الغيب ولو كان سيّد الخلق، ولنا في سورة الكهف أسطع دليل مع قصّة موسى والخضر " وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا" قال عيسى في حوار بليغ ومؤثّر في ذات الوقت مع ربّه في سورة المائدة: " تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ" . وفي المحصّلة فإنّ القرآن الذي نزل في مثل هذا الشهر هدى ورحمة للعالمين هو كتاب في منظوري أزلي يتجاوز أبعاد المكان والزمان، إذ أنّه كلام من قال: " أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " سورة الملك، وهو القائل في شأن هذا الكتاب القدسي مخاطبا رسوله محمد أفضل الصلوات عليه: "وإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ" سورة يونس.