العلوم كما قلت في مقالي الأول (شتّى). والإسلام يقدّر كل علم ينفع، سواء كان في الدين أو في شؤون الدنيا. والإسلام يرفع مكانة العالِم على غير العالِم فيقول الله في القرآن الكريم: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ). والله يتوجّه الى العالم الذي وصل بعلمه الى الايمان بأن الكون خلقه خالق، وأن كل شيء خلقه بقدر وبالعلم يقوى إيمانه ويزداد خشية من الله يقول له تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) لأن العالم بأسرار وسنن الله في نظام خلق الإنسان وتكوينه يصدّق ما يرى بعلمه وفي مخبره ويجعله يقول: صدق الله القائل: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ). هذه النتائج التي وصل اليها وأكثر منها علماء في العالم لمّا قرأوا القرآن الكريم قراءة تدبّر ووضعوا بعض آياته على مخابرهم أما العلماء الذين يقرأون القرآن بحثا عن آيات مضمونها لا يتفق مع العلم الذي بين أيديهم. أما الذين لم يقرأوا القرآن لفهمه وكشف أخباره وأسراره وأسباب نزول بعض آياته، وصلة الدين الاسلامي بالديانات الأخرى ويقفون على المنابر يحاضرون كعلماء ويقولون: لا نعرف صلة الاديان ببعضها، فهل كل دين مستقل عن الآخر أو كل دين اقتبس من الآخر فإننا نقول له ولأمثاله من العلماء: لو قرأت القرآن الكريم آية آية وسورة سورة لوجدت القرآن الكريم يتحدّث عن رسل الله جميعا بأن الله اصطفاهم، والمسلمون يردّدون بإيمان قول الله: (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ). ووجد القرآن الكريم يتحدّث عن وحدة العقيدة في كل الشرائع السماوية. ففي آية 36 من سورة النحل: (ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) فالديانات السماوية كلّها تدعو الى الإيمان بربّ واحد وذلك لأن مصدرها واحد هو الله. وفي سورة الشورى آية 13 نقرأ: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ). كل الرسل كانوا يدعون الى الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر. والرسل فيهم من أنزل الله عليهم صحفا مثل ابراهيم عليه السلام، وفيهم من أنزل الله عليهم كتبا، فالتوراة كتاب موسى عليه السلام، والانجيل كتاب عيسى عليه السلام والقرآن كتاب أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم. في كل كتاب تشريعات ناسبت من نزل عليهم في ظروفهم الزمانية والمكانية لكن القرآن الذي أثبت إعجازه أنه من الله كان خاتم الكتب السماوية وفيه تشريعات نجدها في جوهرها في التوراة والانجيل وفيه تشريعات نسخها القرآن صالحة لكل زمان وكل مكان. هذا الذي قدّمته يصل اليه كل عالم قرأ القرآن الكريم متدبّرا بنزاهة العالم لا بأحكام مسبقة لا ترى في القرآن كتابا سماويا. الى هؤلاء أقول: خذوا الى فراشكم القرآن المرتّل بصوت القارئ عبد الباسط عبد الصمد وفي كل ليلة أنصتوا الى ما تيسّر وتدبّروه، هداكم الله.. وأبقى أسأل وأحب أن أفهم.