قرأت منذ قليل بتأن وإمعان في جريدة «الصريح اون لاين» مقالا كتبه زميلنا فيها سي الطاهر بوسمة عن هدية (بونية) (نسبة الى صاحبها الدكتور عفيف البوني) تلقاها منه وتتمثل في إصدار له تحت عنوان (انسيكلوبيديا القرآن) (مصحف عثمان)، ولما كنا في شهر رمضان فان الكتابة الجدية تعد عبادة من العبادات النافعة التي يتقرب بها الصائم الى ربه وخالقه الرحيم الرحمان فدفعني ذلك الى ان اتفاعل مع صاحب المقال وصاحب الكتاب حتى لا يكون المقال والكتاب من قبيل النفخ في الرماد اوصب الماء في الغربال... كما انني لا اظن ان هناك شيئا من الأشياء وامرا من الأمور يسر أصحاب الكتب واصحاب المقالات اكثر من ان يقرؤوا او ان يسمعوا شيئا يكتب أو يقال على هامش ما كتبوا وما أرهقوا من اجله وما تعبوا حتى لا يكون عملهم من قبيل ذلك القول المعروف المشهور (على من تتلو زبورك يا داود) وأول ما استوقفني فيما نقله سي الطاهر بوسمة للقراء من ذلك الكتاب (الذي اظن ان ثمنه ليس في متناول عامة التونسيين الزوالية وخاصة من ينتمون الى فئة الطلبة وفئة الشباب) هو قول صاحبه (حين تانسن اسلاف نوعنا عبر اكتساب العلم وممارسة العمل...) اذ واضح ان صاحبنا يرى ويعتقد أن الانسان لم يكن انسانا في فترة من الفترات التي مر بها على هذه الأرض وفي هذه الحياة وبما أن صاحب الكتاب قد جعل عمله دراسة علمية للقرآن فإنني أقول له الا ترى انك قد خالفت بقولك ذلك ما جاء فيه من آيات مقروءة صريحة البيان من تنزيل خالق الانسان والأكوان افلم تمر بقوله عزل وجل (في سورة البقرة) بهذه الآية اوبهذه الفقرة (واذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة)... فهل يرى حضرة الدكتور أن الله سيجعل له في أرضه وبسيطته خليفة لم يبلغ في يوم خلقه رتبة وشرف ومكانة الانسان ؟...وقوله تعالى (وعلم ادم الاسماء كلها...) فهل يرى جناب الدكتور والباحث المشهوران هذا المخلوق الجديد الذي علمه الله بنفسه ما شاء من العلوم ومن صور وانواع البيان لم يرتق بذلك التعليم الى رتبة رفيعة ولم يستحق في اول يومه اسم ووصف انسان؟. وقول الله تعالى (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا...) فهل يرى جناب الدكتور ان الله تعالى سيجعل خليفته في الأرض والذي امر ملائكة الكرام بالسجود له حيوانا او كائنا اخر اقل شانا من الملائكة وغيرها من الخلوقات ؟وهل يرى انه سيامر الملائكة الكرام الذين تعترف بهم جميع الديانات بالسجود الى مخلوق لا يتمتع بما يميزه عنها من جميع النواحي ومن جميع الجهات؟كما استوقفني قوله (...ومع تطور الانسان صارت المعرفة العلمية والعملية أرقى وأصدق من كل المعتقدات في كل الكتب المقدسة لكل الأديان) اذ انني أساله في هذا المقام وبعد هذا الكلام الم تكن في حكمك هذا يا ايها الدكتور قد تسرعت بما لا يليق ولا يحسن بمثلك وانت الباحث والمنقب المشهور؟ فكلامك قد يصدق على الاساطير والترهات المذكورة في التوراة والانجيل المليئتين كما تعلم بالتحريف والضلال والتخريف ولكن لا يمكن بحال من الأحوال ان يصدق على كتاب القران الذي شهد له علماء الذرة والرياضيات والفلك وغيرهم من علماء المادة الثقات بما لم تحط به علما وانت طبعا غير محسوب في زمرتهم وليس لك اختصاصهم ولا ثقافتهم فهل تنكر انك لست من الاطباء ولا من الفلكيين ولا من الفيزيائئين ولا من الرياضيين هداك الله وهدانا اجمعين وانه يكفيني في هذا المقام الى ان احيلك على كتب و برنامج الدكتور مصطفى محمود رحمه الله (العلم والايمان) لتتاكد انك تسرعت وتجنيت وتقولت على القران بما لا يقبله منك العلماء المختصون في هذا الباب وفي هذا الميدان كما استوقفني قولك(من بين ما تعلمته سفاهة تقسيم البشر الى صنفين مؤمنين اومسلمين وغير مؤمنين وغير مسلمين اي كفار..) وانني لاعجب كل العجب كيف تقول هذا الكلام بكل هذا الوثوق وهذا التاكيد وهذا الجزم وهذا الاعتقاد وانت تقول انك قد درست القران وقد برزت وتمرست بلغة العرب او لغة الضاد فاين تركت صريح قوله تعالى منذ الزمن البعيد القديم الغابر وهو العليم الصادق الخبير(هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير)؟ فهل يمكن لعاقل ان يتحدث بعد هذه الآية الصريحة الواضحة تمام الوضوح عن السفاهة والخطا في تقسيم البشر في مسالة الايمان ومسالة الكفر و في هذا الموضوع الواضح البين المشروح كما استوقفني قوله(...ان الأديان اوجدها الانسان من اجل الانسان في الماضي ولم يوجد الانسان من اجل الأديان...) فمرة اخرى اجدني في غمرة الحيرة وفي مطلق العجب من هذا الكلام المعكوس الذي يصدر من رجل باحث يقول انه كتب بحثه هذا عن القران بعد ان درسه وبعد ان درس غيره من عظيم ورفيع الكتب بدراية وبتعب وانني ارد عليه بايسر ما يكون الرد انطلاقا من مصحف عثمان الذي يقول صاحبنا انه اصح واصدق كتاب عرفه وتعلم منه الانسان منذ قديم وسالف العصور والدهور والقرون فكيف يقبل العقلاء قوله وهم يقرؤون في كتاب الله المكنون(وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون )؟ فهل نقول بعد هذا الكلام ان هذا الانسان هو الذي ابتكر وهو الذي اخترع الأديان؟ ام القول الصواب هو ان نقول وان يقول المنصفون من اهل الرشد واهل الصواب ان عبادة الله بالمعنى الشامل الكامل هي وظيفة الانسان الأولى والأخيرة وسبب وعلة كينونته وسر وجوده في هذا الوجود وان الحياة كلها من اولها الى اخرها ومن الفها الى يائها صراع بين الآدميين والشياطين وبين اهل الحق والرشاد وبين اهل الباطل واهل الهدى وبين دعاة النور ودعاة الظلام... ولعل افضل من عبر عن هذه المعاني باحسن واصدق تعبير هو كتاب القران الذي لا نرى ان الدكتور عفيف البوني بدراسته الانسكليوبيدية المتسرعة والمتشنجة قد فهمه واستوعبه وفسره كما ينبغي الفهم وكما ينبغي الاستيعاب وكما ينبغي التفسير اذ لوكان الحال على خلاف وعكس ما نرى وما نقول لما غاب عنه معنى ومقصد وغاية وحكمة ربنا تعالى الذي قال منذ قرون في كتابه الصادق العظيم المكنون(قلنا اهبطوا منها جميعا فاما ياتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا باياتنا اؤلائك اصحاب النار هم فيها خالدون) فليت الدكتور البوني يراجع كتابه كاسرع ما كان وكاسرع ما يكون حتى لا يصدق فيه ذلك القول التونسي الحكيم الذي لا نراه يسره او يرضيه(قال له هل تعرف العلم؟ فاجابه نعم بل وازيد فيه)