تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعوا التّاريخ يكتب التّاريخ
نشر في الحوار نت يوم 04 - 11 - 2013

التّاريخ ذاكرة الشّعوب؛ وهو رافد حضاريّ مميّز يرتّب الأمم والدّول ويصنّفها بمنطقه ومعاييره وأدواته؛ تمرّ علينا –نحن الجزائريّين- هذه الأيّام ذكرى عزيزة عزّة الشّعب الأبيّ الّذي ضحّى أمس بنفيسٍ فأضحى اليوم نفيسا؛ نسعد بهذه المناسبة سعادة منقطعة النّظير؛ ونحدّث أنفسنا: "لو كنّا من صُنّاع نوفمبر"؛ إنّها ذكرى ثورة الفاتح من نوفمبر عام 1954 م حين فجّر قادة أشاوس أكبر ملحمة تحرّر في العالم بداية من الأوراس الأشمّ؛ حيث انطلقت أوّل شرارة منتصف اللّيل بكلمة سر بليغة "خالد عقبة" دفاعا عن الوطن المفدّى؛ الوطن الحبيب الجزائر.
رجال ونساء ولدوا جميعا أبطالا؛ حوّاء لم تغب عن المشهد الثّوريّ لحظة واحدة إنْ في البيت أو خارجه؛ الأطفال أيضا وُلدوا أبطالا؛ صنع المجتمع أمجادا حتّى صارت مضربا للأمثال في الحرّيّة؛ كتب صُنّاع نوفمبر بدمائهم ومدادهم تاريخا في سجّل لا يدوّن فيه إلاّ الأحرار؛ حرّروا أنفسهم وحرّروا البلاد من كلّ جلاّد؛ بَانُوا بشموخهم وعزّتهم وكرامتهم ؛ وبَنَوا بفكرهم وإيمانهم ونهجهم؛ مِن هؤلاء نذكر -على سبيل المثل لا الحصر– مصطفى بن بولعيد؛ والعربيّ بن مهيدي؛ وزيروت يوسف؛ وأحمد زبانا؛ وفاطمة لالا نسومر؛ وحسيبة بن بوعلي؛ ووريدة مدّاد؛ والعقيد عميروش؛ وسي الحوّاس؛ والعربيّ التّبسيّ؛ وعبّاس لغرور؛ وعزيل عبد القادر...
يجب ألاّ تمرّ الذّكرى دون تذكّر حقيقيّ؛ لا نريد ذكرى سَكرى ! نريد ذكرى عَمرى؛ ذكرى بُشرى؛ ذكرى طُهرى؛ نوفمبر من بدر؛ نوفمبر مقدّسة مثل بدر الطّاهرة؛ نوفمبر محرّرة مثل بدر الظّافرة؛ نوفمبر فاخرة مثل بدر الزّاخرة؛ لا تنسوا أنّ ذا النّوفمبريّ من ذاك البدريّ؛ كلاهما درسا عن أستاذ واحد علّمهما لسان الضّاد ولسان السّداد؛ اسألوا الأرض من حرّرها؛ واسألوا العِرض ومن صانها ؟ اسألوا الضّاد من حماها؛ واسألوا المنارة من أعلاها ؟ .
للأسف الشّديد؛ وقع انحراف عن الخطّ النّوفمبريّ غداة الاستقلال –وإنْ ظهر قبله- حيث وضع المكر الفرنسيّ أكبر إِسْفِينٍ في التّاريخ بين "الخاوة الجزائريّين"؛ فشرَعت الآلة الاستخرابيّة في تفكيك نسيج الثّورة المتراصّ لحظة لحظة؛ وأحسنت قبضتها على العقول والقلوب حتّى ذهبت ريح الثّورة الجزائريّة عبر مراحل؛ وثورتاه عُودي فأنتِ لنا رصيد؛ ألا تسمعين صهيل الأوراس والصّومام والونشريس ؟ ! .
عُدْ يا نوفمبر؛ لأنّ تلك الصّبغة –الّتي بدأت تمحها- ظلّت بارزة في كلّ شيء؛ وعصيّة على المسح ! ونرى الغربال الفرنسيّ يُصفّي ما يشاء بعيون جزائريّة؛ ولا نفهم شيئا ! إنّي أرى مخالب الوحش لا تزال مغروزة في وجه الجميلة ! .
صارت الوطنيّة في الجزائر درجات ودركات حسب تصنيف أشباه الوطنيّة؛ يخصّص للصّنف الأوّل ترمومتر زئبقيّ بألوان الطّيف؛ وللصّنف الثّاني قبو لونه السّواد أسفل السّافلين ! الوطنيّة ليست صكّا يمنحه من يشاء من يشاء مثل صكوك الغفران الكاذبة ! الوطنيّة سلوك نحياه وليس شعارا نردّده ولا نفقه معناه؛ الوطنيّة ليست حكرا على أحد ! يكفي أنّ حبّ الوطن من الإيمان.
وحدة الصّفّ سبيل وطنيّ لاستعادة العزّة والكرامة –هكذا يقول التّاريخ وينطق الواقع ويُخطّط للمستقبل-، وهكذا تتطوّر المجتمعات فتنشأ الدّول؛ فحين يستعيد الشّعب الجزائريّ –كلّ الشّعب- كامل حرّيّاته وتامّ حقوقه دون تبعيّة للخارج أو أيّ ضغط من أيّ جهة ثَمّةَ تبدأ رحلة الاستقلال الوطنيّ الحقيقيّ لا المزيّف في بناء الدّولة وخدمة المجتمع والإسهام في صناعة حضارة إنسانيّة وفق رؤى واضحة المعالم.
هل من حقّ الشّعب الجزائريّ أن يطالب الآن سلطات البلد بحقوقه منذ 5 جويلية 1962 م؛ وأن يطالب سلطات الاستدمار الفرنسيّ بحقوقه كاملة غير منقوصة منذ 5 جويلية 1830 م... أم هو واجب تاريخيّ ؟ ننتظر كشف حسابات دون حسابات ! .
لا نشكّ لحظة في قدرة العجينة الجزائريّة الملوّنة "الإسلام والعربيّة والأمازيغيّة" على خَلْقِ معجزات بعقول وطنيّة تُجيد فهم التّاريخ وتقرأ الواقع وتستشرف المستقبل؛ وبعيون المعرفة والثّقافة تبني الحضارة لا بعيون الجهل والخرافة لأنّ الحضارة لا تُبنى إلّا بأدواتها.
ويكفي الإسلام فخرا -رغم تنوّع أطياف حضارته- أنّها برزت حضارة ولود لا حضارة وارثة فقط. من أجل تغيير حضاريّ متماسك يجب إصلاح فكريّ عميق وتقويم المناهج وتطويرها في المجالات كافّة لخلق تنميّة شاملة متوازنة بداية من التّربيّة والتّعليم.
إنّ جيل الاستقلال لبِس جلباب جيل الثّورة نفسه؛ وشرِب من المناهل ذاتها شكلا ولونا وذوقا؛ وهذه التّركة حمِلت معها مورّثات الماضي؛ لا أقول الماضي القريب بل أقول الماضي السّحيق... فقط ندعو إلى فهم جيّد للثّوابت والمتغيّرات حالة الثّورة وحالة الاستقلال –وإنْ كان ناقصا- نعم استقلال الجزائر عن فرنسا الهدّامة بقي ناقصا؛ من المشاهد كلّها ومن التّفاصيل نقرأ هذا الموقف جليّا؛ بعين فاحصة لا نجد قرارات صائبة صارمة اتخذتها الجزائر ضدّ فرنسا الّتي تحشر أنفها في كلّ إناء جزائريّ ! .
رغم ما يُحاك للمجتمع الجزائريّ فإنّه يظلّ أصيلا بمكوّناته "الإسلام والعربيّة والأمازيغيّة"؛ وفي الوقت ذاته يتطوّر دون تبعيّة أو انسلاخ أو ذوبان فيأخذ من تجارب الإنسانيّة النّاجحة لا العرجاء أو الفاشلة في عقر دارها أو المنقرضة ! لأنّ انزواء ثقافة ما في ركن يؤدّي إلى الفناء الحضاريّ؛ نرحّب بأيّ تعايش بين الأفراد والمجتمعات والشّعوب والأمم في إطار ندّيّة مهذّبة تضمن قدرا من الاحترام المتبادل لا العداء المتداول؛ ويدفع نحو بناء حضارة مستقيمة لا مدنيّة جوفاء.
نسمع من مجاهدين أوفياء للخطّ النّوفمبريّ لا يزالون أحياء وهُم يقولون: إنّ تاريخ ثورتنا المجيدة الشّفاهيّ أضخم وأكبر بكثير ممّا هو مدوّن؛ تاريخنا لا تكفيه الصّفحات والمدوّنات والمواقع ولا الموسوعات؛ ثورتنا ثريّة لم تجد بعدُ من يؤرّخ لها كما تريد هي؛ لا كما يُراد لها ! إنّ زادها يكفي لتموين كلّ المنابر الإعلاميّة والأدبيّة والفنّيّة لإبداع وإنتاج أعمال خالدة بخلود وعظمة ثورة المليون ونصف المليون شهيد؛ هذه شهادات حيّة راشدة توجّهنا الآن قبل فوات الأوان؛ فأين أنتم يا مؤرّخين ويا باحثين ويا مبدعين ؟ هلمّوا؛ فهذه مادّتكم الدّسمة؛ وهذا دَيْدَنُكم لصناعة مجد جديد يُضاف لأمجاد رجال الأمس.
وحتّى لا نهتف ثانية ونقول لنوفمبر: عُدْ فالبلد في حاجة إليك ! نقول: نِمْ هنيئا سنبقى نوفمبريّين؛ وحتّى لا ننسى؛ يجب ألاّ نكون انتقائيّين في ردّ الاعتبار والجميل لشهداء ومجاهدين دون آخرين؛ كلّهم نوفمبريّون إلاّ من أبى حينذاك؛ فلا إقصاء ولا تهميش ولا تزوير ولا تشويش ! دعوا التّاريخ يكتب التّاريخ فهو أحقّ أن يُتّبع؛ اتركوا أمجادنا تتكلّم؛ ألسنة الحقيقة يفهمها كلّ المؤرّخين؛ نريد تاريخا واقعا لا تأريخا خادعا ! دعوا التّاريخ يعبّر بذواته وأدواته؛ كفاية وِصاية؛ كفاية نكاية ! نريد نوفمبر الثّورة؛ لا نوفمبر الثّروة ! نريد نوفمبر سبيلا للحضارة لا إبليس للقذارة ! نريد الجزائر دولة بنكهة نوفمبر وطعم نوفمبر وذوق نوفمبر كما قال بلسانه: إقامة الدّولة الجزائريّة الدّيمقراطيّة الاجتماعيّة ذات السّيادة ضمن إطار المبادئ الإسلاميّة.
ندرك أنّ أدوات المؤرّخ تختلف عن أدوات المفكّر والإعلاميّ والصّحفيّ والسّياسيّ؛ وهُنا مربط الفَرس ! لذلك نحذر كلّ الحذر كي لا تضيع فرص البناء الوطنيّ المنشود بتجاذبات وصراعات فكريّة وسياسيّة وإعلاميّة وصحفيّة وريعيّة و...؛ وتتبخّر طموحات الشّهداء وأحلام الأجيال المتعاقبة ويغتالها الموت البطيء كلّ آنٍ... فلا نعرف تاريخا ولا نبني وطنا؛ وننسى صيحات الأحرار أمس "الله أكبر" و "تحيى الجزائر"مثل ما تروّج الأقلام السّوداء لعودة الأقدام السّوداء ! صفحات سجلّ الجزائر لم تُطوَ بعدُ؛ 132 سنة ذاق فيها الشّعب الجزائريّ كلّ أنواع العذاب والبؤس والحرمان والقهر والفقر والظّلم والاستعباد من فرنسا الغَشُوم ! .
تاريخنا حافل يشرّفنا في المحافل؛ تاريخنا زاهر يجلب لنا المفاخر؛ ذاكرة تاريخنا قويّة فرديّة كانت أو جماعيّة؛ رجاء لا تشوّشوا على كتابة تاريخ الوطن؛ دعوا الذّاكرة حيّة فإنّها تمشي الهوينى وتصل مبتغاها يوما مثل سنن التّغيير؛ وما أكثرها في التّاريخ.
بشأن ردّ الجميل للأبطال –إنْ شئتم- لا يكون فقط بتسمية طريق أو مدرسة أو جامعة باسم شهيد سقط في ساحات الشّرف الممتدّة؛ وإنْ كان واجبا؛ بل توجد أساليب أخرى أكثر فاعليّة وأفضل للشّهداء وللوطن وللمواطنين؛ وحتّى لا أكرّر "أعيدوا قراءة قوائم الأسرة الثّوريّة"؛ أقول: اهتمّوا بصُنّاع نوفمبر إنّهم ينقرضون؛ واكتبوا التّاريخ بألسنتهم لا بأقلامكم، جزائريّون أحرار يصيحون: لا نريد شهادات اعتراف ثوريّة... يَاهْ ! كَمْ هُم كبار أولئك الأحرار.
يجب أن نعلم حقيقة قبل غيرها؛ لولا أولئك الشّهداء والمجاهدين ما كنّا نحن اليوم؛ يكفيهم فخرا أنّهم ضحّوا بأنفسهم ونفائسهم؛ يكفيهم فخرا أنّهم حرّروا البلاد من ذاك الجلاّد ! يكفيهم فخرا أنّهم استشهدوا لنحيى نحن؛ قفِ الآن يا قلم واكتب بمدادهم؛ إنّه دافق أيضا، أ لا نتوقّف لحظة تأمّل صادقة لصنيعهم ؟ ! .
لا غرابة إنْ قلنا: إنّ الجزائر تعيش أزمات عديدة في"الهُويّة والفكر والحكم والثّقة والتّسيير"؛ وهي وحدها دون غيرها تقصم الوطن وحتّى لا أقول تكاد تقسم الوطن بفعل مؤثّراتها والواقع شاهد على ذلك عدا بعض المكاسب الّتي نذكرها على استحياء؛ تصوّروا لو اتّبعنا طريق نوفمبر لوصلنا إلى برّ الأمان الحقيقيّ لا إلى البرلمان الشّكليّ فقط ! .
ستبقى يا نوفمبر داعيا للاستقلال التّام الكامل وللحرّيّة وللوحدة والبناء الوطنيّ في إطار هُويّة الجزائر الحضاريّة بكلّ مكوّناتها... هيّا نجدّد عهدا مع نوفمبر الصّادق لا جويلية الكذوب ! فنوفمبر حرّ مُزمجر؛ خطابه فصل بين الحقّ والباطل؛ والحرّيّة والعبوديّة؛ والخير والشّرّ؛ والبناء والهدم؛ والإصلاح والإفساد؛ والجمال والقبح؛ والمحبّة والكراهيّة؛ والسّعادة والشّقاء.
أيّتها الأرض الطّيّبة في الجزائر افخري بنوفمبر مثل ما تفخر أراضي الإسلام برمضان في بدر وعين جالوت وأرض الكنانة... وافخروا أيّها العرب والأمازيغ في هذا الوطن بهذا الوطن الّذي يسقي أشجار الحرّيّة بدماء طاهرة تتدفّق من نهر الشّهداء العظيم، تظلّ غزوة بدر الشّقيقة الكبرى لثورة نوفمبر المجيدة؛ ويظلّ يوغرطا رمز الحرّيّة دافع بشرف عن الأرض والعرض؛ ويبقى كسيلة أخا لعقبة وإنْ تقاتلا؛ وتظلّ الجزائر ولود ودود؛ وقد أنجبت الأمير عبد القادر والإمام ابن باديس واللّسانيّ الإبراهيميّ والعقيد محمّد شعبانيّ والمفكّر مالك بن نبيّ والشّاعر مفدي زكريّا وغيرهم ممّن أسقطوا شعار "الجزائر فرنسيّة" بفخر وبسالة نادرتين؛ وتنجب كلّ حين... الجزائر ليست عقيما.
ندرك أيضا أنّ التّاريخ ليس رواية لأحداث فحسب؛ بل هو فكر حيّ يجب تفسيره وتحليله وشرحه وإيضاحه للأجيال وبأمانة علميّة؛ التّاريخ لا يعرف التّفاوض؛ ولا القصّ؛ ولا القطع؛ ولا الإهمال؛ ولا التّزييف ولا التّشويه؛ ولا المتاجرة؛ ولا المشاجرة ! .
نعم في التّاريخ شبهات؛ لكن توجد شهادات... لذا وجب الامتناع عن أيّ تزوير أو طمس للحقائق التّاريخيّة حتّى وإنْ كانت مُرّة قاسية؛ مهما حاول مرتزقة التّاريخ تجميل وجوه قبيحة أثناء ثورة الجزائر الكبرى يبقى التّاريخ شاهدا على الحقيقة كاملة وتامّة.
لا تمنعنا مؤامرة أو دسيسة من البحث عن معمار تاريخيّ غير مشوّه إظهارا للحقيقة كلّ الحقيقة؛ ونتساءل: إلى متى نبقى أسرى الآخر في كتابة التّاريخ ؟ ! أ يُعقل مكتبات فرنسا عامرة بتاريخها ومكتبات الجزائر خاوية من تاريخنا الحقيقيّ لا المزيّف عدا بعض المؤلّفات النّزيهة الّتي نفخر بها وهي قليلة جدّا مقارنة بحجم ثورة نوفمبر الشّامخة ؟ نظلّ مناضلين حتّى نكتب يوما تاريخنا النّاصع بألوان القلم الجائشة لا ألوان السّيف الباطشة ! .
أقول؛ إنّ نقد التّاريخ بموضوعيّة بُغية تهذيبه أفضل وبكثير من بقائه أعرجا وأبترا؛ ويضرّ بحركة المجتمع والدّولة في الوقت نفسه لأنّ التّاريخ دافع حضاريّ للشّعوب والأمم.
ب "كتابة التّاريخ" لا نريد تغيير التّاريخ؛ بل نريد تدوين التّاريخ كما حدث وهو جوهر التّاريخ؛ وهذا أحد مطالب الأمّة؛ وهي لا ترضى أن يُغيّر تاريخها هكذا بجرّة قلم أو اعتماد رواية تاريخيّة دون أخرى لسبب ما أو لحاجة في نفس مؤرّخ ! .
كتابة التّاريخ الحقيقيّ تستوجب نضالا مستمرّا من صُنّاع التّاريخ أنفسهم كي يقاوموا أعداء التّدوين الشّريف؛ وينجزوا للإنسانيّة أروع ما كتبت العقول الواعية والقلوب الصّادقة في عصور خَلَتْ.
لا بدّ من تمحيصٍ دقيقٍ وشفّافٍ ونَخْلٍ أنيقٍ وحُسنِ تحقيقٍ من طرف مؤرّخين مشهود لهم بالكفاءة والنّزاهة والعدل؛ ويعتمدون مناهج علميّة وإنِ استغرقت عمليّات تنقيّة التّاريخ من الشّوائب زمنا طويلا هذه سبيل المؤرّخ لا الإخباريّ؛ يشهد المحقّقون أنّ كتبا متداولة ألّفها وضّاعون من خبائث أفكارهم وهي ليس واقعا تاريخيّا؛ وتجد مكتبات تتزيّن بها مثل وشاح عروس أو خالٍ في وجهها؛ وهي في الحقيقة عار مكتوب على جبين رفوفها؛ يقول التّاريخ ! .
الأهمّ-عندي- كشف المستور من الحقائق التّاريخيّة؛ ولا أقول كشف عورة التّاريخ لأنّ ذلك من أخطاء الأوّلين لا نتحمّله نحن ولا الأجيال القادمة... ونؤسّس لمرحلة تاريخيّة جديدة عن التأريخ الصّافي النّقيّ الّذي يبشّر بمراجعات تاريخيّة تنصف المظلومين؛ وتساعد على ظهور نقد هادف للتّاريخ؛ وتلك من فوانيس التّغيير الحضاريّ.
مُجمل القول؛ لا مناصَ من كتابة التّاريخ كلّ التّاريخ كما ورد؛ وأن ندعَ التّاريخ يكتب التّاريخ بأنماطه المسجّلة والشّفاهيّة وغيرها؛ وأن نُحسِن قراءتها وتحليلها للانتفاع منها خير منفعة؛ فالتّوثيق حقّ الأمّة على المؤرّخين بداية من استرجاع محفوظات "أرشيف" تاريخ الجزائر من فرنسا الهادمة ومن كلّ الّذين تعاقبوا على الوطن حُماة كالأتراك أو غُزاة كالإسبان؛ ولا نترك الأيدي تعبث به كما تشاء لأنّ التّاريخ شرف البلدان ومجدها؛ ونطالب بكلّ "أرشيف" الجزائر وإنْ كان وثيقة وحيدة تروي قطرة دم زكيّة سقطت في فلاة أو حبّة رمل أو تراب أو زهرة ترنحت ذات يوم في ربوع الوطن... نسعى جاهدين لتحرير التّاريخ الجزائريّ بمراحله المتنوّعة عبر العصور من التّشويه والتّهميش وتنقيّته من الشّوائب؛ وحُسن عَرضه على الإنسانيّة؛ وذاك شرف من شرف صُنّاعه.

بقلم جمال بوزيان – كاتب صحفيّ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.