لقد توقفنا في احدى مقالاتنا السابقة وتدبرنا وتفكرنا في قوله تعالى وهو غاضب على من اتاه اياته اي علمه وحكمته فانسلخ عنها اي ترك العمل بها واتبع هواه واثر سخط الله على رضاه(واتل عليهم نبا الذي آتيناه اياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا باياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) وانني ساتوقف في هذا المقال الجديد عند ذلك المثل الذي ضربه لله تعالى للتفكر وللاعتبار وذكر فيه حيوانا اخر وهو الحمار فقال فيما قال من الآيات (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين وقد كتب ابن قيم الجوزية رحمه الله رب العالمين عن هذا المثل في كتابه (اعلام الموقعين ) بعد ان تفكر في هذا المثل كما يجب ان يكون تفكر العقلاء والصالحين فقال ويا ردقة وحسن وروعة ما قال (قاس من حمله سبحانه كتابه ليؤمن به ويتدبره ويعمل به ويدعو اليه ثم خالف ذلك ولم يحمله الا على ظهر قلب فقراءته بغير تدبر ولا تفهم ولا اتباع له ولا تحكيم له وعمل بموجبه كحمار على ظهره زاملة اسفار لا يدري ما فيها وحظه منها حمله على ظهره ليس الا فحظه من كتاب الله كحظ هذا الحمار من الكتب التي على ظهره فهذا المثل وان كان قد ضرب لليهود فهو متناول من حيث المعنى لمن حمل القران فترك العمل به ولم يؤد حقه ولم يرعه حق رعايته) اما تعليق ابي ذاكر الذي تعود عليه قراؤه الذين يتابعون مقالات هذه الأمثال القرانية فسيكون بتسطير وتسليط الضوء على اخر جملة واخر ملاحظة من قول ابن قيم الجوزية والتوقف عندها طويلا ومليا ليقارن بين حال من حملوا التوراة قديما فلم يحملوها كما امر بحملها ربنا عز وجل وحال من يحملون القران اليوم ولكنهم لم يمتثلوا الى ما جاء فيه من ايات العلم والعمل ولئن كانت نتيجة المقارنة معروفة وواضحة لمن وهبه الله تعالى نظرة سليمة دقيقة فاحصة الا ان ابا ذاكر يريد من قرائه ان يتوجهوا معه الى الله بهذا الدعاء لعل الله سبحانه وتعالى يمن على امة الاسلام بعاجل الشفاء مما هم فيه اليوم من الغم والبلاء والهم فاللهم يا عزيز يا غفار لا تجعل حمل المسلمين للقران مثل حمل الحمار للاسفار واجعلنا ممن يقرؤونه ويعملون به آناء الليل واطراف النهار وممن لا يستهزئون باياتك كما يستهزئ بها الكفار والفجار الذين افسدوا الدنيا وخربوا البلدان واحلوا قومهم دار البوار والذين قلت في بيان عاقبتهم وفي تحذيرهم قولا يستوجب من العقلاء المؤمنين بك وبرسلك التوقف والنظر والتدبر والاعتبار(ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار)