السينما التونسية حاضرة بفيلمين في الدورة التأسيسية للمهرجان الدولي للفيلم القصير بمدينة تيميمون الجزائرية    بطولة انقلترا: مانشستر سيتي يكتسح ليفربول بثلاثية نظيفة    الصندوق العالمي للطبيعة بشمال إفريقيا يفتح باب التسجيل للمشاركة في النسخة الثانية من برنامج "تبنّى شاطئاً"    مدير "بي بي سي" يقدم استقالته على خلفية فضيحة تزوير خطاب ترامب    هل نقترب من كسر حاجز الزمن؟ العلم يكتشف طريقاً لإبطاء الشيخوخة    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    قابس: حريق بمنزل يودي بحياة امرأة    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوفل سلامة يكتب لكم : تقرير "الكريديف" يعرّي التجاوزات والواقع الأليم للمعينات المنزلية
نشر في الصريح يوم 05 - 08 - 2019

تزامنا مع الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة التونسية الذي تحتفل به تونس يوم 13 أوت من كل سنة اختار مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة " الكريديف " أن يسلط الأضواء على قضية غالبا ما يتم السكوت عنها وموضوع خطير ودقيق يتعلق بعمل المرأة في مهنة كانت تعد في بداية القرن الماضي من المهن الوضيعة المستهجنة ومن أكثر القطاعات هشاشة لغياب الضمانات القانونية اللازمة وفقدان التغطية الاجتماعية المستوجبة. هذا الموضوع الذي يلتفت إليه اليوم مركز الكريديف هو وضعية المرأة العاملة في المنازل أو ما يعرف بالمعينات المنزلية هذا القطاع النسوي الذي تغيب عنه الأرقام الدقيقة حيث أن آخر إحصائية تعود إلى سنة 2006 تفيد أن نسبة العاملات المنزليات هي في حدود 4% من اليد العاملة النشيطة وهي قضية حولها تكتم شديد لوصمها الاجتماعي الذي عدها مهنة غير نبيلة تحيل على وضع العبودية والنظرة الدونية للمجتمع لها و لعلاقتها بشبكات تشتغل في توظيف الفتيات القاصرات في المنازل مقابل عمولة يتحصلون عليها وما يرافق ذلك من سوء معاملة و انتهاكات كثيرة غير مبلغ عنها و هو قطاع لا تتوفر حوله الكثير من المعطيات رغم أهميته نتيجة تمدده المكاني وانتشاره جغرافيا وتوسعه وظيفيا بعد أن أصبح العمل داخل البيوت لا يقتصر على النظرة التقليدية من تنظيف البيت وغسل الثياب والصحون أو الطبخ إلى القيام بالكثير من مرافق الحياة كالعناية بكبار السن والعجزة وتأطير الأبناء وتدريسهم ومرافقتهم إلى المدارس وأماكن الترفيه .
حيث لم تعد كما هو معروف جهة الشمال الغربي فقط هي المزود الرئيسي لهؤلاء العاملات وإنما أضحت كل جهات البلاد تقريبا توفر هذه النوعية من العملة جراء التحولات الكبيرة التي عرفها المجتمع التونسي في السنوات الأخيرة من حيث ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الفتيات ومن حيث وضعية المنقطعات عن الدراسة بصفة مبكرة وفقدان العمل والتضييق الحاصل في سوق الشغل حتى بالنسبة للاتي اتممن دراستهن الجامعية وكذلك لاقتحام الرجل هذه المهنة حيث لوحظ في السنوات الأخيرة وجود رجال يشتغلون كمعينين منزليين فضلا عن المنافسة الواضحة التي بدأت تظهر من قبل العاملات المنزليات المهاجرات القادمات من جنوب الصحراء الإفريقية اللائي اكتسحن القطاع لضعف أجورهن وقدرتهن على تقديم أداء أفضل دون أن ننسى ولو بصفة محتشمة منافسة العاملات المنزليات القادمات من بلدان التوتر كسوريا وليبيا ، لكل هذه المعطيات نظم مركز الكريديف ندوة فكرية يوم الجمعة 2 أوت الجاري خصصها لتقديم النتائج الأولية لدراسة أعدها لفائدة المركز كل من معز بن حميدة و لسعد العبيدي وهما استاذان جامعيان وباحثان خبيران في قضايا المرأة تناولت مختلف المسارات التي تقطعها هؤلاء العاملات في حياتهن المهنية ومختلف التموقعات الاجتماعية التي يحصلن عليها .
في هذه الندوة تم التذكير بأن المعطيات التي سوف يتم تقديمها في هذا اللقاء ما هي إلا نتائج أولية لعمل بحثي وميداني تنقصه الارقام و الاحصائيات بما يعني أن الدراسة تركز على البعد الكيفي والكمي التحليلي لوضعية المرأة العاملة بالمنازل متجنبا الارقام والإحصائيات لتقدم صورة أولية عن حقيقة وضع هذه الشريحة من اليد العاملة و هذا النوع من العمل الذي بقي الى اليوم هامشيا رغم توفر بعض التشريعات التي حاولت تنظيمه. ( القانون عدد 25 لسنة 1965 و التعديلات التي أدخلت سنة 2002 حول سن العمل )
حاولت الدراسة أن ترصد التطور الحاصل في مجال العمل المنزلي من قبل الفتيات اللاتي وضعتهن ظروف مختلفة أمام وضعية مهنية لم يخترنها بإرادتهن الحرة من خلال عينة اشتعل عليها الباحثان شملت فئة عمرية تراوحت بين 21 سنة و 57 سنة جمعت بين الأمية وذات المستوى التعليم العالي وشملت العزباوات والمتزوجات والمطلقات بما يعني أن البحث حاول أن يستوعب أكثر صور ممكنة للعمل بالمنازل والتشريعات الجديدة التي حاولت أن تواكب ما حصل من تحصينات قانونية حاول المشرع التونسي حماية المرأة بها حيث تم الترفيع في سن العمل بالمنازل من 14 سنة إلى 16 سنة وهو السن القانوني للعمل بالنسبة للفتاة ولكن ما تمت ملاحظته وتسجيله من قبل المستجوبات هو أن المشغل غالبا لا يحترم هذه السن ليتم تشغيل فتيات دون السن القانوني .
كما حاولت الدراسة أن تقف عند مختلف المسارات التي تقطعها العاملة في المنازل بدءا بالنشأة في بيت والديها مرورا بالدراسة التي غالبا ما تكون متعثرة وانتهاء بالعمل في أحدى منازل العائلات التونسية والتحول من فتاة عادية كان يمكن أن يكون لها وضع عادي كسائر الفتيات إلى معينة منزلية والانتقال إلى وضع اجتماعي جديد وعموما فإن المسارات التي خضعت لها العاملات في المنازل متشابهة وهي صور مألوفة منحصرة بين الانتماء إلى عائلة فقيرة وفيرة العدد متكونة من أم لا تعمل و أب عادة ما يكون عاملا يوميا ولا يتوفر على دخل قار وفي الكثير من الأحوال يعيش وضع البطالة الدائمة فتضطر الفتاة القاصر أن تنقطع عن الدراسة بقرار خارج عن إرادتها ليتم المتاجرة بها من طرف وليها المباشر أو أحد الاقارب أما في صورة اليتم فإن وضع الفتاة يكون أصعب ليدخل عنصر أجنبي في هذه المقايضة من خلال الضغط على العائلة لإقناعها بضرورة ترك ابنتها القاصر تعمل معينة منزلية لتوفير المال اللازم لعيش العائلة وهذا الطرف الخارجي عادة ما يكون الوسيط "السمسار" الذي يلعب دور مكتب تشغيل عشوائي ويعمل خارج القانون ولكنه يمتلك شبكة علاقات كبيرة في ربط الصلة بين عائلة الفتاة العاملة والمشغل .
المسار الآخر الذي ألمحت إليه الدراسة هو انتقال المرأة بعد خوضها تجربة في قطاع الفلاحة أو العمل في احدى المعامل إلى معينة منزلية تحت إكراه الحاجة المادية وإحراج ضعف دخل الزوج ومستلزمات الأسرة وخاصة تلك المتعلقة بتوفير حاجيات الدراسة للأبناء مما يجعل المرأة تفكر في تغييرها مهنتها لتصبح عاملة منزلية علها توفر دخلا مختلفا يمكنها من الاستجابة إلى حاجيات البيت.
المسار الثالث هو تعرض الأسرة إلى إكراه كبير يجعل الزوجة تحت خيار الحاجة وخيار العمل خارج البيت وعادة ما يجر هذا الاكراه المرأة الى العمل في المنازل فحينما تتعرض الأسرة إلى فقدان الأب بعد فاجعة الموت ولا تتوفر الزوجة على المؤهلات المادية والمعنوية للعمل في إحدى الادارات أو المهن الحرة حينها تكون مجبرة على البحث على عمل في المنازل الخيار الوحيد لتعويض ما كان يقوم به الأب.
إلى جانب تحديد أبرز المسارات التقليدية التي تصاحب الفتاة العاملة بالمنازل خصصت الدراسة حيزا من اهتمامها للهوية الاجتماعية الجديدة التي تعطى للعاملة من حيث الواقع المعيشي الجديد والظروف الجديدة التي تتحكم فيها في بيت مشغلها في علاقة بقيمة الزمن والحرية الشخصية وغير ذلك من خصوصيات الإنسان العادي ومن حيث التغيرات التي تحصل لها بترك منزل والديها .
من الاهتمامات الأخرى لهذه الدراسة البحث في مدى توفر الوعي لدى هؤلاء الفتيات بالظروف الجديدة التي باتت تتحكم فيهن والوعي بحقوقهن التي يخولها لهن مثل هذا العمل وخطورة المعاملة السيئة التي قد يتعترضن لها وخاصة تعرضهن للعنف بجميع أنواعه من قبل مشغلها أو أحد أفراد العائلة المشغلة وخاصة تعرضهن للتحرش الجنسي أو الاجبار على ممارسة الجنس وفي هذا الاطار فقد المحت الدراسة إلى أن مسألة الاعتداءات الجنسية وما قد تتعرض له المعينة المنزلية من عمليات إغتصاب هي عادة ما تعبر عنها الضحية في حين ما ينقص الدراسة هو التأكد هل أن كل الاعتداءات الجنسية قد حصلت بفعل الإكراه والجبر أم بداعي الانتقام من مشغلتها التي تعاملها معاملة سيئة ومن خلال سلوك حر واختياري حيث أن بعض الصور قد أوضحت أن المعاشرة الجنسية للعاملة المنزلية من قبل الزوج أو الابن كثيرا ما يكون بمحض الارادة الحرة انتقاما من ربة البيت وسوء معاملتها أو بحثا عن وضع اجتماعي متخيل أو محاولة للبحث عن تموقع اجتماعي جديد داخل هذا الفضاء الجديد فما نطلق عليه عنفا جنسيا تتعرض له المعينة المنزلية هو في الكثير منه تمثلات تحملها العاملة عن هويتها الجديدة بحثا عن موقع اجتماعي متخيل وعموما فإن التمثلات التي تحصل للمعينة المنزلية عادة ما تكون رهينة ظروف العمل ونوع العلاقة التي تلقاها من مشغلها وتنوعها من حسنة الى قاسية. فموضوع العنف الذي تتعرض له العاملة المنزلية هو حسب الدراسة ظاهرة شائعة وسلوك عادي في مثل هذه العلاقة الشغلية غير أن المفيد في هذا الموضوع هو بيان ردة الفعل مما تعرضت إليه من العنف والذي يتراوح حسب الشهادات بين تقبل العنف والرضى بالوضع تحت اكراهات الحاجة و بين عدم القبول و رد الفعل باستعمال العنف المضاد أو الهروب من العمل وقطع العلاقة الشغلية بدافع الضرورة وفقدان الاحساس بالأمان وبين الدفاع عن الحقوق وهو ما يعبر عنه " بالسلوك الاثباتي " القادر صاحبه على إثبات ذاته وفرض معاملة محترمة من دون الوقوع في الخطأ لكن غالبا ما لا يرضى المشغل بمثل هذا السلوك الذي يطالب صاحبه بمعاملة محترمة دون اذلال ولا اذعان و في كل الأحوال يظل المشغل يبحث عن المعينة الطيعة وفق النظرة القديمة ودون ذلك يعتبره تمردا وكسرا للقواعد الاجتماعية.
وقفت الدراسة على مشاكل أخرى تمثل مخاطر بالنسبة للمعينة المنزلية تلامس موضوع فقدان التغطية الاجتماعية وتأمين تقاعد محترم بعد سنوات العمل يكفل لها حياة كريمة في المستقبل ومشكل عدم الخلاص حسب الاتفاق حيث كثيرا ما تفاجأ المعينة المنزلية بأن الأجرة التي تم الاتفاق عليها مع مؤجرها لم يقع احترامها لتحصل على أجر أدنى ومشكل تقسيط المرتب المتفق عليه إلى قسطين أو أكثر ومشكل تحميل العاملة عبء تسديد ما تم اتلافه أو تكسيره في حالة حصول عطب في آلة من الآلات أو تهشيمها فيتم غالبا الخصم من الأجر عن كل خسارة تحصل لصاحب البيت وهذا ما يتسبب في توتر في العلاقة خاصة في صورة الاتهام بالسرقة التي غالبا ما تؤدي إلى قطع العلاقة الشغلية وتقديم شكاية بالعاملة المنزلية وهي وضعية قد تتسبب في حالة نفسية سيئة جراء الاتهام بالسرقة والمشكل في هذه الصورة هو أن العنصر الأجنبي في البيت هو عادة ما تنسب إليه كل الشبهات والاتهامات وهو حسب البعض موقف طبيعي أن تتهم المعينة المنزلية بكل سرقة تقع بالبيت فهي دوما متهمة إلى أن تثبت براءتها على عكس القاعدة القانونية من أن المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته.
مشكل آخر له وقعه في مسار هؤلاء العاملات في المنازل هو الحالة النفسية التي ترافق حياتهن من حيث الخوف الدائم من المستقبل والقلق المتواصل من المصير و العلاقات المجهولة مع المشغل والشعور الدائم بالدونية خاصة بالنسبة لذوات المستوى التعليمي الضعيف الفاقدات للقدرات على التعاطي مع مختلف الوضعيات التي قد تعترضهن و الاستغلال المفرط من قبل ربة البيت بتحميلهن اعمالا كثيرة فوق الطاقة مع تجاوز الزمن المحدد للعمل وباستعمال العنف اللفظي والعبارات النابية فضلا إلى الاستغلال المسلط من قبل الوسطاء والسماسرة ومكاتب التشغيل من دون أن ننسى مخاطر الطريق وما يتعرضن له في وسائل النقل من شتى الاعتداءات والمخاطر وما يحدث لهن من أمراض وإصابات بالحساسية نظرا لطبيعة العمل الذي يقمن به.
ما خلصت إليه هذه الدراسة التي تضاف إلى الكثير من البحوث والدراسات التي تفتقد للاحصائيات الدقيقة ولكنها تعتمد المقاربة الكمية أنها تطرقت إلى بعض الجوانب الايجابية في هذا الميدان منها أن الكثير من الاسر يعاملن المعينة المنزلية معاملة حسنة ويعتبرنها فردا من العائلة حيث تم رصد من خلال الاستبيانات أن الكثير منهن يحظين بتغطية اجتماعية ضمن عمل الزوج ويتم دفع مساهماتهن للصندوق الاجتماعي للتمتع بتغطية صحية وبمرتب بعد التقاعد .
من الخلاصات الأخرى أن النظرة إلى عمل المعينة المنزلية قد تغيرت فلم تعد كما كانت من قبل مهنة الاذلال والمهانة ومهنة الفقراء وإنما أضحت اليوم رغم انها لا تزال مهنة الخيارات المفقودة مهنة توفر الرزق الحلال بدل الذهاب إلى الحل السهل وهو بيع الجسد وتعاطي الجنس بالمقابل وهي اليوم مهنة حماية الأسرة والذات من الانحرافات والوقوع فريسة الصعوبات التي ينتجها المجتمع وغياب مرافقة الدولة واهتمامها بالعائلات الفقيرة والمحتاجة والتي تعيش على الهامش بما يعني أنها أصبحت مهنة ككل المهن يذهب إليها حتى من كان له مستوى تعليمي متقدم.
من النتائج المهمة لهذه الدراسات أن هناك نقاطا مضيئة في مهنة العاملات بالمنازل منها أنها مهنة تمكن من تعلم مهارات جديدة في الحياة في غياب الحلول المكتسبة و مهنة تعلم الانسان كيف يصنع نفسه في غياب الامكانيات المتاحة للتفوق وتعلم كيف يمكن تغيير الاحوال وتحسين الوضع الاجتماعي الذي يحتاج الى الكثير من الصبر وهي مهنة تمنح الفرد فرصة يكتسب فيها حسن التصرف في المال وكيفية التحكم في الميزانية وتعلم المرء أبجديات التواصل الحسن مع الآخرين وتكسب صاحبها ثقافة النظافة والنظام والترتيب وتحسين الهندام والمظهر ومختلف فنون الطبخ الحديثة وأخيرا هي مهنة مجابهة المصاعب و تجاوز الازمات بما توفره للفرد من قوة في الشخصية و التفكير والحلم في إنجاز مشروع.
أما فيما يتعلق بالتوصيات التي أوصت بها هذه الدراسة فأهمها إصدار قانون جديد ينظم هذه المهنة بشكل دقيق من حيث تحديد الحقوق والواجبات خاصة فيما يتعلق بأوقات عمل وساعات الراحة وطبيعة العلاقة بين الطرفين حيث تم التنبيه إلى وجود الكثير من القوانين ذات العلاقة بمهنة المعينة المنزلية نجدها مبثوثة في الكثير من المجلات القانونية لكن كل هذه القوانين لا تحمي العاملة ولا تفعل على أرض الواقع مع وجود هوة شاسعة بين النص والحقيقة وقد حان الوقت لإصدار قانون واضح يجمع كل هذه التشريعات في مجلة وحيدة تضمن التوافق بين الحقوق والواجبات لمزيد ضبط المهنة وتحسينها مع تمكين العاملات في المنازل من الانتظام في نقابة خاصة بهن للدفاع عن حقوقهن خاصة فيما يتعلق بحمايتهم من الانتهاكات وبضرورة المرور عبر مكاتب التشغيل القانونية والتخلي عن التشغيل العشوائي.
ويبقى السؤال الحرج كيف يمكن لفتاة قادمة من وضعية اجتماعية هشة ومن عائلة مهمشة عرفت مسارا طويلا وشاقا حتى نحت شخصيتها وعرفت شتى صور ضنك الحياة من إهانات واعتداءات واتهامات وشعور بالخوف من المستقبل والقلق من المآل أن تصبح مواطنة يمكن أن يعول عليها ومواطنة سوية دون عقد ولا مكبلات قد تعيق المجتمع نحو الانطلاق ؟؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.