دراسة تكشف: 16 % من المعينات يتعرضن للاستغلال الجنسي و44 % يعملن 24 على 24 ساعة خديجة واحدة من آلاف الفتيات اللواتي حكمت عليهن ظروف الحياة القاسية ودفعتهن قهرا إلى مغادرة حضن العائلة ومسقط رأسهن ليلتحقن بالمدن الكبرى للعمل كمعينات منزليات.. خديجة التي لم يتجاوز سنّها عتبة الثلاثين تبدو أكبر من ذلك بكثير، ملامحها الشاحبة، خطواتها التي أصبحت متثاقلة، جسدها الهزيل، نظراتها الحزينة، كلها تعبّر عن المحنة التي عاشتها خديجة لأكثر من عشرين سنة متنقلة بين عدة بيوت وفي مناطق مختلفة لدرجة أنها لا تذكر بعضها لكثرتها، خديجة المنحدرة من أسرة فقيرة بإحدى القرى الحدودية النائية بالشمال الغربي تقول أن والدها أجبرها على الانقطاع عن الدراسة في سنّ التاسعة وسلّمها ل»السمسار»، ذات يوم كئيب ما زالت تفاصيله مرتسمة في ذهنها الى اليوم، ليقوم «السمسار» بدوره بتسليمها الى إحدى الأسر الوافدة على المنطقة بحثا عن معينة منزلية.. خديجة التي قبلت الحديث إلينا عن مضض لأنها لا ترى فائدة اليوم من الحديث فقد ضاع العمر هدرا كما تقول، لا تخفي آلامها وهي تتذكّر أيامها الأولى في منزل مشغّلها الذي كانت له ابنة في سنّها، حاولت أن تخفي دموعها التي غصّت بها وهي تقول «لا أعتقد أني سأنسى يوما تلك الأيام السوداء في حياتي، لقد كنت طفلة صغيرة لا أعرف شيئا لكن لا أحد رحمني، كنت أجبر على النوم في المطبخ على حشيّة مهترئة وعلى القيام بكل الأعمال الصعبة من غسل ومسح وقضاء شؤون كل العائلة، هذا دون الحديث عن المعاملة القاسية والوحشية التي أجدها في العائلة والضرب المبرّح الذي ألقاه من الجميع وهو ما اضطرني بعد عام الى الفرار من المنزل.. لكن أحدهم عثر عليّ وسلّمني للشرطة وبعد بحث أعادوني الى عائلتي والتي بعد مدة قصيرة سلّمتني الى «السمسار» ليسلّمني بدوره الى عائلة أخرى.. وهكذا استمررت في التنقل من عائلة الى عائلة ومع كل عائلة أعيش فصلا جديدا من مأساتي..». جلادون وضحايا.. الأب.. المشغّل.. «السمسار»؛ ثلاثي يشترك غالبا في صنع عذابات المعينة، فالأب الأناني الذي لا يفكّر إلاّ في نفسه لا يتورّع على دفع ابنته للاشتغال بالبيوت غير مبال بمصيرها ليصبح ما يربطه بها بعد ذلك أجرها الشهري الذي يتسلّمه كاملا كل آخر شهر ويترك ابنته غالبا في الجحيم.. جحيم أسرة لا تؤمن -رغم أن جلّ هذه الأسر لها مستوى علمي واجتماعي مرموق- بأن المعينة إنسان له حرمة وحقوق وأنها مواطن في دولة كان يفترض أن تحمي مواطنيها بآليات قانونية، لكن المعينات المنزلية تعاملهن الدولة والمجتمع على أساس أنهن مواطنات من الدرجة الثانية.. أما «السماسرة» فتلك حكاية أخرى.. فهؤلاء يمارسون تجارة مربحة وتعتبر وجها آخر للمتاجرة بالبشر، ولكن دون رادع قانوني أو أخلاقي!!! في دراسة ميدانية صدرت في 2009 (وهي الدراسة الاجتماعية الوحيدة المتوفرة حول المعينات المنزليات) وقد أشرفت عليها جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية وتضمّنت إحصاءات حول واقع هذا القطاع «الذي ينمو في صمت هش وغير محميّ» أبرزت أن هذه الفئة من المعينات المنزليات في تونس تتعرض إلى عدّة أشكال من «العنف البدني والجنسي والمعنوي والاقتصادي» وتضمّنت هذه الدراسة التي تحمل عنوان «حالات العنف المسلّط على العاملات بالمنازل كامل الوقت وانعكاساتها على استقلاليتهن» وقدّرت الدراسة عدد العاملات في المنازل بنحو 78 ألفا (سنة 2006) رغم عدم توفر إحصائيات وأرقام رسمية دقيقة، تتعرض أغلبهن إلى أشكال مختلفة من العنف:14،2 % عنفا جنسيا و16 % استغلالا جنسيا و70 % لا يستطعن رفض أوامر مشغلهن أو العودة إلى أسرهن و73 % لا يتمتعن بأيّة عطلة أو راحة خالصة الأجر و44 % يعملن 24 ساعة كاملة على 24 وذكرت الدراسة أن أغلب المعينات المنزليات لا يعلمن أهلهن أو المصالح الأمنية بما يتعرضن له بسبب «الخوف والخضوع» أما المستوى التعليمي لهنّ فإنه يتراوح بين الأمية والتعليم الثانوي: 34 % من الأمّيات و58 % (مستوى ابتدائي) و6،4 % (تعليم ثانوي).. وفي سنة 2010 ذكرت دراسة حول الأمهات العازبات أن 8 % من الأمهات هن من المعينات المنزليات.. عبد الستار السحباني (مختص في علم الاجتماع) المعينات يعانين من فقدان رأس المال الاجتماعي عبد الستار السحباني الجامعي المختص في علم الاجتماع هو من أنجز صحبة الأستاذة سميرة مرعي الدراسة المتعلّقة بالمعينات المنزليات في إطار برنامج أشرفت عليه نساء تونسيات من أجل التنمية وقد كشفت هذه الدراسة جزءا من الجانب المعيشي للمعينات المنزليات، كما أبرزت حسبما ذكره لنا الأستاذ السحباني التوزيع الجغرافي للمناطق «المصدّرة» أو «المنجم» الذي تجلب منه المعينات وهي في مجملها ولايات ومعتمديات الشمال الغربي.. وفي لقاء جمعنا به ذكر الأستاذ السحباني أن الدراسة أسفرت عن نتائج هامة، منها وكما يقول «الجهل الكامل لأغلب المعينات بالقانون، كما أنه لا توجد حماية قانونية لعمل المعينة المنزلية فهنّ ضحايا كل أشكال العنف المادي والمعنوي والعنف لفظي..». وقد أشار السحباني الى أن 11 بالمائة منهن كنّ ضحايا عنف جنسي و«الإشكال الحقيقي أنهن لا يملكن أشكالا للمقاومة أو آليات يدافعن بها عن أنفسهنّ لأنهن جاهلات بالقانون..» ويضيف محدّثنا «كذلك هن ضحايا سنهنّ والاستغلال المباشر ل«السمسار» المتحكّم في تنقلاتهن وتحرّكاتهن من منزل الى منزل.. وكذلك هناك ظاهرة مكاتب توظيف المعينات والتي تتعامل مع الفتاة بنفس ذهنية «السمسار».. كذلك فان المعينات عرضة للاستغلال العائلي خاصّة من طرف الأب والذي تحكمه عادة علاقة مهزوزة بابنته التي تشتغل كمعينة والتي تجمعهما علاقة مادية صرفة فهو لا يرى ابنته إلاّ عندما يأتي ليقبض مرتبها فقط.. كذلك سنّ تشغيل هؤلاء الفتيات اللاتي لا تتجاوز أعمارهن في الغالب 16 سنة.. وبعضهن اشتغلن كخادمات بالمنازل في سن مبكرة جدّا (9 و10 و11 و12 سنة) وعشن حياة قاسية فيها حرمان من الطفولة ومن الأم ومن العائلة الطبيعية، وبالتالي فمنذ الصغر وقع التعامل معهن كمواطنات من درجة ثانية بما في ذلك من شعور بالدونية والإهانة الاجتماعية بالاضافة الى أن تشغيلهن هو مخالفة واضحة لقانون الشغل» المعينة ضحية للابتزاز وأفادنا أيضا «تعاني المعينات عندما يكبرن من استغلال من نوع جديد هو استغلال الخطيب المزعوم والذي يعرّض المعينة الى أن تكون ضحية ابتزاز ووعود كاذبة والذي يدفعها أحيانا إلى السرقة وتصبح بذلك مجرمة ومدانة أمام القانون وتلك مأساة أخرى وقعت فيها الكثير من المعينات».. هذه الدراسة كشفت لنا أيضا أن «في بعض الأحيان أصبحت هناك تقاليد داخل عائلات بعينها تكون جلّ فتياتها يمتهن هذه المهنة.. وبالتالي أصبحت هناك ثقافة المعينة» وبالنسبة للأستاذ السحباني يبقى أخطر ما تعترض إليه المعينة هي كونها ضحية مباشرة للابتزاز ولكافة أشكال العنف وهو ما ولّد في نفسية جل المعينات اللواتي تحدّثنا معهم حالة من الرعب والخوف من المستقبل، وقد يجبرن أحيانا على الصمت عن هذه الانتهاكات لأن الجزاء من المشغلين قد يكون قاسيا ويصل حدّ التهم الكيدية والتي تكون سلاح العائلة التي ترهب به المعينة ويختم الأستاذ عبد الستار السحباني بقوله «كان يفترض بعد ثورة الكرامة مراجعة المنوال التنموي للنهوض بالمناطق الداخلية المهمشة ولكن بعد سنتين من الثورة فما تزال دار لقمان على حالها وبالتالي فهذا الحزام لم يتطوّر على مستوى التشغيل بالإضافة الى الانكماش الاقتصادي الذي سينعكس على القدرة على إنتاج مواطن الشغل وبالتالي لم يعد ممكنا القول بأن هذه الأرقام قد تقلّصت.. رغم أننا لا نملك أرقاما نهائية حول عدد المعينات المنزليات» وتكون الحقيقة المفزعة والتي أكّدها لنا محدّثنا هي معاناة المعينات المنزليات أساسا من فقدان رأس المال الاجتماعي والعلاقات الانسانية السوية داخل الأسرة التي قد تشكّل نوعا من الحماية الاجتماعية، وكذلك افتقاد المعينة إلى المهارات والإمكانيات الفردية الذي يجعل منها رهينة عمل المعينة، بالإضافة إلى صحة المعينة والأمراض التي تعاني منها والتي ما تزال من المواضيع المسكوت عنها رغم تأثيرها السلبي على نفسيتها وعلى بنيتها الجسدية