لا أعلم إن هي حمّى التكالب على منافع قصر قرطاج أو الوطنية المفرطة لخدمة الوطن أم التسابق لخدمة هذا الشعب الذي يعاني الأمرين للوضع الذي يعيشه لحوالي عقد من الزمن لاكتوائه بكل الآثار السلبية لهذه الحقبة النتنة قلبا و قالبا لم يخلو منها وطننا من الجريمة السياسية و الإرهاب و اختراق سيادة الوطن و أراضيه طولا و عرضا و رفع السلاح في وجه أبناء الوطن الواحد من قبل نفس الشعب الذي يعيش تحت سقف واحد فضلا عن الأوضاع المزرية اجتماعيا لجل طبقات المجتمع التونسي و تآكل اقتصادياته و غرقه للعنكوش في المديونية و أمام كلّ هذا مازال السياسيون يتكالبون عن المناصب و الكراسي و المغانم و الحصانة و طز في أوضاع البلاد والعباد؟ وفي هذا السياق يفرض سؤال نفسه ما هي الغاية الحقيقية من كل هذا التكالب؟ و لماذا تقدم 97 فردا ترشحه لرئاسية؟ أمّا أنّ الأمر لا يتجاوز ما قاله الرئيس الفقيد البجبوج بما معناه " إن خلا لك الجوّ بيضي و فرّخي " أم أنّ كلّ هؤلاء تحدوه النية الصادقة و الوطنية الحقيقية لخدمة هذا الوطن الجريح و هذا الشعب المكلوم؟ شخصيا لا أعتقد ذلك لعدّة اعتبارات لعلّ أهمّها : أوّلا، جزء هام مما تقدموا للرئاسية لم يحسنوا فهم الاجراءات و الشروط المطلوبة لتقديم ترشحهم إن كانوا هم كذلك فما بالك بتسيير دفة الحكم من قبل من لم يفهم احترام اجراء بسيطا بدليل رفض حوالي 66 ترشحا من بين 97 المتقدمين للرئاسية و هم بذلك عبّروا عن رغبة فقط و غير جديين في الترشح أو ربما أرادوا أن يبعثوا لنا برسالة مفادها و أنّ لهم من وسخ دار الدنيا ما يؤهلهم من تسيير بلاد و شعب و قد عن ذهنهم و أنّ المال ليس دائما بقوّام الأعمال؟ ثانيا، شريحة أخرى من المترشحين – الطفيليين - لا تعدو أن تكون إلاّ مدفوعة الأجر مسبقا من قبل جهة ما قصد التشويش و إضعاف بقية المترشحين و خاصة الذين ربما لهم حظوظ أوفر من الجهة الممولة لهذا الرهط الثاني من المترشحين الطفيليين و بالتالي ترى هذه الجهة و أنّها الطريقة المثلى لقطع الطريق أمامهم و إن كان بالمال الفاسد من أجل تجزئة المجزأ و تقسيم المقسم و هذا تكتيك تستعمله بعض الأحزاب التي شعارها " من أجل الكرسي يهون كل شيء و " المال كثير و لا خوف من الفقر " المهم الوصول إلى كرسي الحكم و " المال يمشي و الرجال تجيبه " ثالثا، زمرة المتخوفين من انقلاب الأوضاع عليهم بعدما تذوقوا حلاوة السلطة و غنائم السلطة و نفوذ السلطة و بهرج السلطة و محاسن السلطة و وجاهة السلطة بعد أن عانوا في ظل النظامين السابقين مرارة السجون و صلابة القيود و عذابات الجلادين خاصة أمام ما يحمله أغلبية الشعب التونسي بعد 9 سنوات من الحكم بعد " الثورة " عن فشل هؤلاء في إدارة الشأن العام و اعتقادهم و أنّ هؤلاء لم يخدموا مصلحة البلاد و العباد بقدر ما خدموا مصلحتهم الشخصية و مصلحة أتباعهم و بالتالي هذا النوع الثالث يبحث عن الفوز في الرئاسية مهما كلّفه الأمر بحثا عن مظلة تقه صقيع الشتاء القادم و لفح هجير بقية الفصول لذلك تراه لاهثا لتحقيق ذلك الهدف كلّفه ذلك ما كلّفه...؟ رابعا، صنف الانتهازين و المنبطحين و الاستغلاليين الذين يرون في السلطة بقرة حلوبا لعلها تخرجهم من الضائقة إلى بحبوحة العيش و هو الصنف الحالم و الفاقد للضمير و الوطنية و لا يهم شأن البلاد و لا العباد و لو ارتهن للخارج أو تم بيعه في المزاد العلني لمن يقدّم و لمن يدفع أكثر و هو الحامل لشعار " أنا و بعدي الطوفان " و بالتالي تشغلهم فكرة واحدة و وحيدة " الغاية تبرر الوسيلة " و لا اهتمام لهم بغير تحقيق مصالحهم و أهدافهم و ان حوّلوا البلاد إلى خراب و مستعمرة تابعة ديدانهم " البزنس و لا غير البزنس " خامسا، مجموعة قليلة آمنت بالوطن و المواطن و تعمل، إن حالفها الحظ، على حفظ هذا الوطن من هذه الغربان الناعقة و صونه من الانتهازيين و الطامعين داخليا و خارجيا لأنهم حقيقة " يحبون البلاد كما لا يحب البلاد أحد " و آمنوا بشعار " نموت نموت و يحيا الوطن " و أبدوا من المواقف طيلة ال 9 سنوات الأخيرة ما يدّل على صدق نواياهم و احترامهم لسيادة الوطن و إعلاء كلمته في المحافل الدولية فضلا عن البحث عن الحلول الواقعية، و لا الشعارتية ، للنهوض بالوطن و المواطن اقتصاديا و اجتماعيا في ظل برنامج متكامل يوازي بين الاقتصادي و الاجتماعي و يتماشى و وضعنا التونسي بعيدا عن اسقاطات الانماط المستورد التي قد تكون نتائجها وخيمة على البلاد و العباد.. أمام كلّ هذه الأشكال و الألوان و الرهوط المترشحة للإنتخابات الرئاسية على الشعب التونسي أن يعمل العقل و يبتعد عن السجون الحزبية الضيقة و قيودها و يختار من فعلا يستحق و يقدر على قيادة سفينة الوطن إلى برّ الأمان حتّى لا نندم كما ندمنا على فترة ال 9 سنوات العجاف التي مرّت مثل العلقم على كلّ الصعد و بالتالي لا الوطن و لا المواطن مازال قادرين على تحمّل المزيد من التضحيات و قريبا سيقول " باع....باع.." إن لم يقلها بعد...؟