لقد وافت المنيّة الأستاذ الشاذلي الفيتوري المقيم بجينيف عن عمر يقترب من التسعين عاما إذ أنه مولود بمدينة القيروان سنة 1930. زاول الفقيد تعليمه الثانوي بالمعهد الصادقي وتعليمه العالي بجامعة الصربون بباريس حتّى تحصّل على الإجازة في الفلسفة ثمّ في اللغة العربية ثمّ التبريز في نفس الشعبة عام 1976 ثمّ دكتوراه دولة في الآداب والعلوم الإنسانية ( اختصاص تربية) من نفس الجامعة عام 1980. ثمّ عاد إلى أرض الوطن للمساهمة إلى جانب زملائه الروّاد في تركيز أسس الجامعة التونسية على الرغم من مبادرته للتعليم في عديد الجامعات الفرنسية. ارتقى في جامعة تونس في كلّ الخطط الأكاديمية إلى أن أصبح أستاذ كرسي قبل إعارته لمنظمة اليونسكو عام 1985 لشغل خطة مدير البرامج والمناهج بوزارة التربية في أواخر ستينيات القرن الماضي وهو يعدّ من أبرز المختصّين في شؤون التربية لا فقط في بلادنا بل في المنظومة الكونية بفضل مساهماته في الحلقات الدولية المعنيّة بشؤون التربية، وهو الذي أدار لمدّة طويلة قسم الدراسات بمكتب التربية الدولي بجينيف. له بحوث وفصول منشورة في كبريات المجلات المختصّة باللغات الثلاث العربية والفرنسية والإنجليزية. ولعلّ من أبرز مؤلفاته كتاب مرجعي صدر في باريس عام 1983 تحت عنوان « Biculturalisme, bilinguisme et éducation » وله كتاب تحت الطبع يحمل عنوانا لافتا: " قراءة الإمامين سحنون وابنه محمد في التربية". لقد استضفنا الأستاذ الشاذلي في منتدى الفكر التونسي بأريانة في سلسلته التاسعة وذلك ليحاضرنا عن جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين الذي ترأسها في خمسينيات القرن الماضي وتمّ ذلك مساء الأربعاء 27 مارس 2019. ولقد تحدّث بكثير من العفوية مستمدّا الوقائع من ذاكرته المتّقدة ، ولقد أطنب في استعراض لقاءاته بالزعيم الحبيب بورقيبة الذي كان يتّصل به مرارا لطلب العون للمنظمة المناضلة التي أسّسها طلبة مغاربة بقيادة الدكتور أحمد بن ميلاد وترأسّها الدكتور سالم الشاذلي. هذه الجمعية التي مثلت لنا جميعا معشر طلبة شمال إفريقيا معينا للنضال والتكوين. ولقد ارتوى من حياضها عدد لا يحصى من زعماء المنطقة ولعلّ من أبرزهم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي انتخب عام 1950 نائبا لرئيس الجمعية المغفور له حسّان بالخوجة. رحم الله علمنا الفذّ الشاذلي الفيتوري وتغمّد كلّ كبارنا الذين ماتوا وما ماتوا إذ أنّ آثارهم باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.