حدثني بعض الناس عن تصرفات.. تأتيها مجموعات يقولون إنها تنتمي لبعض الهياكل والمؤسسات.. وتعمد إلى محاولة فرض طلباتها بالقوة على أرباب هذه المؤسسات مستغلة في ذلك الأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد.. ومستغلة البعض من نفوذها.. في محيطات عملها.. وصورة هذه التصرفات تتمثل حسبما بلغني من البعض.. في تعمد بعض الأطراف من داخل بعض هذه الهياكل والمؤسسات.. الاتصال بمن يتم تعيينه عليها من مسؤولين قصد تهديدهم ومطالبتهم بوجوب الانصياع لأوامرهم.. والتي تقتضي أحيانا بضرورة فصل هذا أو ذاك من بعض مواقع العمل.. أو بتعيين هذا أو ذاك ببعضها الآخر.. لعلها قد تطالب بالأكثر من هذا.. الغريب أن بعض الذين يتم تعيينهم على رأس بعض المؤسسات والهياكل.. غالبا ما يستجيبون لمثل هذه التهديدات.. فيخضعون للأوامر.. من أصحابها.. ويسارعون بتنفيذ طلباتهم.. بطرق عشوائية.. وكل ذلك خوفا من عبارة Dégage.. والتي قد تطلق في وجوههم بتدبير من الجماعة الذين يهددونهم.. والأغرب.. أن هذا لا يحصل داخل بعض المؤسسات دون غيرها.. إذ أنه قد تحول إلى ما يشبه السلوك العام والذي يشمل أغلبها وفي مختلف القطاعات.. والمجالات وخاصة العمومية منها.. أما الأشد غرابة.. فهو ما تتضمنه هذه الرسالة التي وقعت بين يدي صدفة.. والموجهة من طرف بعض إطارات إحدى الوزارات للوزير الأول.. والتي تؤكد والعهدة على من أعدها خضوع أحد وزرائنا.. لمثل هذه التهديدات والتي أطلقها بعضهم في حقه.. مما دفع به للمضي في تعيين مجموعة من الإطارات ومن المسؤولين بمختلف مصالح هذه الوزارة.. بطريقة تنفيذ تعليمات الجماعة الذين هدّدوه.. وحاولوا فرض آرائهم عليه.. الحقيقة أن ما سمعته من الناس قد فاجأني.. وآلمني.. كما أن ما قرأته ضمن هذه الرسالة التي قيل لي أنها قد صدرت عن إطارات إحدى وزاراتنا قد زادني ألما وتحسرا.. ولعله قد أصابني بالخوف.. خاصة وأن الذين أمدوني بها قد أكدوا لي بأن هذه الوزارة تشهد اليوم.. عمليات انتداب عشوائية.. ببعض جهات البلاد.. مقابل عمليات تخلص من بعض من كانوا يعملون بها.. من السابقين.. وبطريقة.. لا تبدو واضحة أو معقولة.. هذه المسألة.. وبرغم عدم تأكدي التام.. من صحتها.. بحكم عدم قدرتي على تصديقها.. لابد أن نتوقف عندها.. لعدة أسباب.. ذلك أنها لو حصلت.. فعلا وهذا ما أكده لي العديدون فإننا سوف نعاني كلنا من مخلفاتها.. العاجلة والآجلة.. والتي قد تهدد استقرارنا.. وقد تحول.. بعض هياكلنا ومؤسساتنا وحتى وزاراتنا.. إلى أدوات.. يستخدمها البعض من أجل ممارسة «البلطجة» ومن أجل إقامة التكتلات.. داخلها.. والتي قد يتحول بعضها إلى عصابات تعمل على الاستحواذ عليها وعلينا معها.. وتتعامل معنا ومعها بمثل ما كانت تتعامل به تلك العصابات الناهبة والسارقة في العهود الماضية.. وأشرح وجهة نظري.. وأعود إلى المسألة بأكثر تفاصيل.. إن ما يتداوله الناس حولها.. يؤكد أن الذين يقترفونها.. يحسنون استغلال هذه اللخبطة التي نعيشها.. ويتعمدون بواسطة ذلك محاولة التظاهر لكل مسؤول جديد يتم تعيينه على رأس المؤسسات التي ينتمون لها.. بأنهم الأقوى.. وبأنهم الأقدر.. على توفير الحماية اللازمة له وعلى منحه الحق في مواصلة التواجد بمنصبه.. وبأنهم الأقدر كذلك وكل هذا باسم التجند للدفاع عن الآخرين على منعه من ذلك.. وعلى رفع علامة STOP في وجهه.. وعلى المطالبة بتغييره.. وإذ يتمسك بعض المسؤولين.. وخاصة الجدد منهم بحقهم في استكشاف كل ظروف العمل.. وفي الاطلاع على واقع المؤسسات التي ينصبّون على رأسها من أجل التمكن من أخذ القرار الصائب.. ومن أجل إبداء التصرف السليم والانجع.. فإن بعضهم غالبا ما يجبرون على التودد لهؤلاء.. وعلى محاولة كسب ودهم.. ورضاهم.. والاستجابة لبعض شروطهم والتي تتمثل عادة في رغبتهم الواضحة في التحكم في شؤون المؤسسة وفي التدخل في كيفية عملها.. وفي ضبط الاستراتيجيات اللازمة لذلك.. عاجلا وآجلا.. وإن لزم الأمر وهذا أكيد في التصرف في إطارها العامل وذلك بمنح المقربين منهم صكوك الغفران.. مقابل سحبها.. من غيرهم.. ماذا يعني هذا؟ هل يعني أن «البلطجة» قد تحولت عند بعضنا وفي بعض ربوعنا إلى نضال.. وهل يؤكد جهل بعضنا لقيمة وأهداف ثورتنا المباركة.. وهل يدل أننا وإلى غاية الساعة.. لم ننجح في فهم هذه الثورة.. ولم ننجح في ضبط أهدافها.. هل علينا.. خلط الأدوار بيننا.. وقلب المفاهيم عندنا.. حتى نؤكد لأنفسنا ولغيرنا أننا ننتمي للثورة.. وندعمها.. هل من حق الذين يعمدون اليوم.. إلى حمل رداء الثورة.. وإلى ركوبها.. رغم أنهم لم يسهموا فيها أصلا.. الإساءة لها ولنا معها بهذا الشكل المزري والمخيف.. هل من حقهم التطاول على غيرهم.. من أجل فرض شروطهم.. هل تقتضي منا المصلحة العامة التصرف بهذا الشكل.. الأكيد أننا ندعم كل أشكال النضال.. بمختلف توجهاته.. ونحيي كل الذين يتجندون للدفاع عن حقوق غيرهم.. بل إننا غالبا ما نشد على أيديهم.. وغالبا ما نتمنى وضع قبلاتنا على جبين كل واحد منهم.. لأننا نحترم هؤلاء.. ولأننا نعتبرهم مجندين لخدمة غيرهم.. إلا أننا عندما نكتشف.. أن بعضهم قد تحول.. إلى بلطاجية.. وعندما تؤكد لنا بعض تصرفاتهم.. أنهم قد أحسنوا التسلل إلى مكاسبنا من أجل ضربها باسم نضالاتهم المزعومة.. وعندما نفهم.. عدم جديتهم في التعاطي مع الواقع.. فلا بد لنا من إيقافهم عند حدهم حتى يفهموا.. أن هذه الثورة التي تحققت في تونس.. لم تهدف لتسييب الماء على البطيخ.. ولم تأت من أجل أن يركب الصغير على الكبير.. إنها الثورة.. المباركة.. والتي أطلقها الشباب القابع في الجهات النائية.. من دون أن يأخذ الإذن في ذلك من أحد.. وهي الثورة التي جاءت من أجل أن يستعيد هذا الشعب كرامته وعزّته.. أما الذين يحاولون اليوم ركوبها بطرقهم الخاصة.. فلا شك أنهم مطالبون.. بفهم حقيقتها.. والتي لا يمكنها أن تنسجم في كل الحالات.. في تلك الكلمات التي يطلقها بعضهم والتي تقول مشكي وعاود.. ذلك أن الثورة في تونس.. ليست طرح شكبة.. يلعبه البعض.. من أجل.. تطيير القلق ومن أجل تبديل الأجواء.. ويضمن لنفسه الغلبة فيه.. خاصة إذا كان «محاسبي».. هذه الثورة قد جاءت من أجل القضاء.. علي كل الالاعيب.. وحتى على «اللعبات» السابقة والفاسدة بما فيها لعبة الشكبّة.. (وأقصد الشكبّة السياسية طبعا) فهل يفهم المحاسبية ذلك.. آمل أن تكون المسألة التي أثرتها في هذه الورقة.. خاطئة.. حتى أحمد ربي.. ويعود لي الاطمئنان حول مستقبل هذا البلد وأعود للاعتقاد بأنه بين أياد أمينة.. مثلما كنت أدعي.. دائما..