الجامعة الوطنية للبلديات تطلق الوحدة التعليمية النموذجية حول رقمنة الخدمات العمومية    قتيلان في حادث اصطدام طائرة أثناء هبوطها في مطار هونغ كونغ    نشر فيديو لعملية السرقة في متحف اللوفر الفرنسي والبحث عن اللصوص مستمر    الكندي ألياسيم يتوج بلقب بطولة بروكسل للتنس    الرابطة الثانية: برنامج مباريات الجولة السادسة ذهابا    مرناق: الحماية المدنية تنقذ 5 متسلّقين علقوا في أعلى قمة جبل الرصاص    النقل في بلادنا: زيدو، مازال يتنفّس!!!    تركيا.. إدانة 8 فنانين بتعاطي المخدرات في حملة أمنية واسعة    بوليفيا.. مرشح تيار الوسط رودريجو باز يفوز بالانتخابات الرئاسية    عاجل: النشاط الزلزالي يضرب تونس والجزائر.. شوف التفاصيل!    سواغ مان مجدّدًا أمام القضاء بتهم فساد مالي وتبييض أموال    عاجل/ تجميد أموال 48 رجل أعمال..وهذه التفاصيل..    في إنجاز تاريخي.. المغرب بطلا لكأس العالم للشباب..    صدمة لعشاق كرة القدم: لاعب ريال مدريد يتعرض لجلطة دماغية    عاجل: تذاكر ماتش تونس والبرازيل تتباع على هذا الموقع    الثلاثاء والأربعاء: أقوى مباريات الجولة العاشرة للرابطة المحترفة الأولى!    عاجل/ أحداث قابس: هذه آخر المستجدات بخصوص الموقوفين..    أجواء ربيعية خلال ''الويكاند''    مسرح أوبرا تونس يكرّم الفنانة سُلاف في عرض "عين المحبة"    فيلم "جاد" لجميل نجار يدق ناقوس الخطر حول وضعية المستشفيات العمومية التونسية    حذاري: عادات صباحية بسيطة ترفع ضغط الدم فى صمت    لأول مرة في تونس: يكتشفوا الزهايمر من قطرة دم برك!    خطير/ دراسة تكشف: تلوث الهواء يبطئ نمو دماغ الأطفال حديثي الولادة..!    عاجل/ حجز أكثر من 29 طنا من المواد الفاسدة.. هيئة السلامة الصحية تكشف التفاصيل..    في بلاغ رسمي: الداخلية تعلن ايقاف هؤلاء..#خبر_عاجل    تركيا.: إدانة 8 فنانين بتهمة تعاطي المخدرات    ترامب يقرر فرض رسوم جمركية إضافية على كولومبيا    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الملك محمد السادس يهنئ منتخب المغرب الفائز بمونديال الشباب    الحراك الإجتماعي بقابس.. مثول 89 شخصا أمام النيابة العمومية    المغرب يهزم الارجنتين ويتوج بكأس العالم للشباب    عاجل: وزارة الداخلية: إيقافات وحجز كميات ضخمة من السلع والبضائع    المهرجان الجهوي للمسرح بتطاوين.. دار الثقافة بذهيبة تتويجات بالجملة    جريمة مروعة: يقتل صديقه بعد يوم فقط من عقد قرانه..    بداية من يوم غد.. نقل السوق الأسبوعي بالقيروان إلى محيط ملعب حمدة العواني    في افتتاح «أكتوبر الموسيقي» بحمام سوسة: توزيع أركسترالي جيّد لأغاني عبد الحليم    أولا وأخيرا .. هل نحن حقا في تونس ؟    معهد علي بورقيبة بالمحرس .. تلاميذ الباكالوريا بلا أستاذ مادة رئيسية منذ شهر!    «الشروق» تواكب عودة اللفت السكري إلى سهول جندوبة .. توقعات بإنتاج 30 ألف طن من السكر    الطاقات المتجددة في تونس ..من خيار بيئي إلى دعامة اقتصادية    وقفة احتجاجية في قابس والإفراج عن عدد من الموقوفين    لا تدعها تستنزفك.. أفضل طريقة للتعامل مع الشخصيات السامة    دراسة علمية تربط بين تربية القطط وارتفاع مستوى التعاطف والحنان لدى النساء    المشي للوراء.. السرّ الجديد وراء صحة باهية    اختتام فعاليات الدورة السادسة للصالون الدولي للأجهزة والخدمات والتكنولوجيات الحديثة للسلامة    آخر أجل للترشح لجائزة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري يوم 31 جانفي 2026    أكسيوس: إسرائيل أخطرت إدارة ترامب مسبقًا بغارات غزة    سرقة غير مسبوقة في اللوفر... لصوص يهربوا بمجوهرات تاريخية    البرلمان يَعقدُ جلسة عامّة حول قابس بحضور وزيرَيْن..    قابس: نقابتا أطباء القطاع الخاص وأطباء الأسنان تؤكدان أن الوضع البيئي خطير ويستدعى تدخلا عاجلا    يوم مفتوح للتقصّي المُبكّر لارتفاع ضغط الدم ومرض السكري بمعهد الأعصاب..    تحذير: أمطار رعدية غزيرة وجريان أودية في جنوب تونس وغرب ليبيا    الطقس يتبدّل نهار الأحد: شتاء ورعد جايين للشمال والوسط!    التوأمة الرقمية: إعادة تشكيل الذات والهوية في زمن التحول الرقمي وإحتضار العقل العربي    عاجل: الكاتب التونسي عمر الجملي يفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2025    لطفي بوشناق في رمضان 2026...التوانسة بإنتظاره    خطبة الجمعة .. إن الحسود لا يسود ولا يبلغ المقصود    5 عادات تجعل العزل الذاتي مفيدًا لصحتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب تونسي جدير بالقراءة : الاعلام التونسي الجديد للصادق الحمامي
نشر في الصريح يوم 18 - 09 - 2019


كتب الطيب بشير (الاتحاد الاماراتية )
بيّن الدكتور الصادق الحمامي، وهو أستاذ جامعي في اختصاص علوم الاعلام والاتصال، في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان “الإعلام التونسي... أفق جديد/ بورقيبة والفايسبوك.../ المدوّنون.../ الإعلام والنّقاب...” ان إعلان انهيار النظام السياسي في تونس بعد 14 جانفي 2011 أدّى إلى زوال المنظومة الإعلاميّة السلطويّة التي كانت تحكم المجال الإعلامي. وبرزت عندئذ الآمال في إعلام تونسي جديد يقوم على الحريّة والمهنيّة والاستقلاليّة. إلا أنه بعد زوال النظام القديم، فان الإعلام الجديد المهني والمستقلّ والحرّ لم يتشكّل بعد. ويقول المؤلف ان الدرس الأول الذي يمكن استخلاصه يفنّد الخطابات الثوريّة التي يردّدها البعض حول الإعلام، والتي تختزل بشكل يصفه الكاتب ب”الساذج” مصير الإعلام في شعارات “الصحافة حرّة” أو “الصحافة سلطة رابعة”. فالحريّات الجديدة لا تصنع الإعلام الجديد، لأنّ الإعلام نظام متعدّد الأبعاد لا يمكن إختزاله في الصحفي الحرّ الذي لا يعدو أن يكون سوى فاعل من جملة فاعلين آخرين.
حرية الصحافة
ويؤكد المؤلف انه تردّدت في تونس بعد الثورة شعارات “حريّة الصحفي” و”الصحفي الحرّ” و”الصحافة الحرّة” و”السلطة الرّابعة”. وتحيل هذه الشعارات إلى مطمح استعادة الصحفي التونسي مكانته الاجتماعية وهيبته ووظائفه. وفي المقابل فإنّ النقاش حول حريّة الصحفي ظلّ وفق استنتاج المؤلف حبيس الأفق الشعاراتي دون تنزيله في إطاره التنظيمي والعملي. فحريّة الصحافة تعني في المخيال العام والسياسي والشعبي استقلاليّة الصحافة عن السلطة السياسيّة. فالصحافة الحرّة عندما تتحرّر من خضوعها للسلطة السياسيّة واضطلاعها بأدوار النقد وتكشف عن الوقائع والأحداث، هكذا تصبح الصحافة من هذا المنظور سلطة مضادة للسلطة السياسيّة.
على أنّ الإكتفاء بهذه المقاربة لحريّة الصحافة يعني حسب ما جاء في الكتاب النظر إلى الاشكاليّة من زاوية واحدة. فالأخطار التي تهدّد حريّة الصحافة والإعلام بشكل خاص وحريّة الإعلام بشكل عام لا تأتي من السلطة السياسية فحسب، بل كذلك من المجتمع ومن الصحفي ذاته. والمؤلف وهو أكاديمي متخصص في الاعلام والاتصال يتكهن أن المصدر الأساسي الذي سيهدّد حرية الصحافة في تونس سيكون، إضافة إلى السلطة السياسية، مصادر جديدة تتحدّث باسم الهويّة والخصوصيّات الأخلاقيّة والثوابت الثقافيّة.
وفي الآن ذاته يمكن للصحفيين والمؤسسات الصحفيّة أن تهدر حقّها في الاستقلاليّة وتفرّط في الحريّة وتتحوّل إلى مؤسسات مرتبطة بمحض إرادتها.
ويتساءل المؤلف قائلا: لكن هل أدّى انهيار المنظومة الإعلاميّة السلطويّة إلى إنحسار آليات الرقابة والإقصاء؟ وهل أدّى انفتاح المجال السياسي على التنافس على السلطة إلى ظهور مجال عمومي جديد يقوم على المداولة العقلانيّة في الشؤون العّامة؟ وهل يمكن أن نقول أنّ الديمقراطيّة الجديدة في تونس تتكوّن ككلّ الديمقراطيات السويّة من هذين المجالين: مجال سياسي ديمقراطي تتنافس فيه الأحزاب على السلطة ومجال عمومي ديمقراطي يحتضن النقاش العام ويتيح للأفراد البروز والتعبير عن آرائهم وعوالمهم الذاتيّة؟
ويجيب الباحث بقوله: ان الحريّات الجديدة لم تلد إعلاما جديدا ومختلفا، وإنّ اندثار المنظومة الإعلاميّة السلطويّة وزوال آليات التحكّم في النفاذ إلى المجال العمومي والظهور فيه، لم تفرز بعد مجالا عموميا ديمقراطيّا، وذلك لأسباب عديدة.
أما ما يسميه المؤلف الدرس الكبير، فيتمثل حسب رأيه في أن الثورة لا تهب الإعلام الجديد المستقل والمهني. كما أنّ الثورة لا تهب كذلك المجال العمومي الديمقراطي. وبتعبير آخر فإنّ الثورة تهدم مؤسسات النظام القديم (أطر تشريعيّة، آليات رقابة وإدارة) أي تلك التي أطلقنا عليها المنظومة الإعلاميّة السلطويّة التي كانت تحكم المجال الإعلام التواصلي، لكن بناء الإعلام الجديد الملتزم بالمعايير الكونيّة الديمقراطيّة والقائم على معايير المهنيّة يمثّل عمليّة مركّبة طويلة المدى تحتاج إلى شروط تشريعيّة (نصوص قانونيّة)، وآليات تنظيميّة تضمن إدارة مستقلة للقطاع برمته، وإلى مؤسسات إعلاميّة قويّة متطوّرة قادرة على إنتاج مضامين إعلاميّة ذات جودة عالية وصحفيين أكفاء وملتزمين بأخلاقيات المهنة في كلّ ممارساتهم، وعارفين بأدوارهم التي لا يمكن حصرها في النقل والتوصيل، لأنها تتجاوز ذلك نحو الإخبار والإبلاغ وإدارة النقاش العام وتسيير المعرفة بالواقع. والإعلام الجديد يحتاج كذلك إلى ذهنيّات ثقافيّة واجتماعيّة تقبل بأدوار الإعلام الجديدة المرتبطة بالنقد والكشف والاستكشاف والتعرية، وهي أدوار لا تستسيغها فئات اجتماعيّة وفاعلون سياسيون.
ويشير المؤلف إلى إنّ المجال العمومي التونسي الجديد يتّسم بعديد المجالات من أهمها: مجال عمومي شعبي واسع، تشارك فيه فئات واسعة من التونسيين اكتسبت القدرة التكنولوجيّة والثقافيّة على النفاذ إلى الفضاء العمومي الافتراضي، وبالتالي اكتسبت القدرة على التعبير والمشاركة في النقاش العام. وفي المقابل فإنّ الطابع الشعبي لهذا الفضاء لا يعني من وجهة نظر الباحث دائما تأصيلا للإتّصال في سياقه الاجتماعي فحسب بل أيضا توسيعا لأنشطة التعبير والتواصل ممّا يعزّز الطابع الاجتماعي والسياسي لهذا الفضاء العمومي.
صراع إيديولوجي
ولاحظ الباحث ان المجال العمومي لا يستند إلى أخلاقيات تواصلية، فالفضاء الإلكتروني الذي كان إلى حدود 14 جانفي 2011 فضاء للتواصل الاجتماعي من جهة وللإحتجاج السياسي من جهة أخرى، تحوّل إلى مجال للتطاحن السياسي والصراع الإيديولوجي الواسع الذي يشارك فيه المستخدمون المغمورون والذي لا يستند إلى أخلاقيات تواصليّة دنيا. وعلى هذا النحو استنتج الباحث في كتابه هذا إن فنّ النقاش العقلاني الرصين، في التصوّر النظري للمجال العمومي الديمقراطي، غائب تماما. وفي المقابل انتشر نوع جديد من الخطاب الإتّصالي الكريه يقوم على التشهير والإشاعة والشتيمة والإعتداء على خصوصيات الأشخاص، فتحوّلت الشبكة الاجتماعيّة (“الفايسبوك” على وجه الخصوص) إلى فضاء للدعاية السياسية الفجّة.
دور (الفايسبوك)
وخصص المؤلف فصلا لتحليل المجال العمومي و(الفايسبوك)، مبينا ان الكثيرين احتفوا ب(الفايسبوك) وجعلوا منه وسيلة الثورة التونسيّة بامتياز.. واكتسب (الفايسبوك) حسب ما جاء في الكتاب سحره أثناء أحداث الثورة حينما تحوّل إلى فضاء لإشهار الأفكار السياسيّة والمشاعر الوطنيّة وتداول الأخبار كالفيديوهات التي جاهد الإعلام الرسمي لحجبها. وفي (الفايسبوك) ابتكر التونسيون أشكالا طريفة وفريدة من التعبير الرمزي للإعراب عن حماستهم للأحداث وعن رفضهم للنظام..
وبعد الثورة تعزّز دور (الفايسبوك) بإعتباره فضاء رئيسا يستخدمه التونسيون بفئاتهم المختلفة للتعبير والنقاش والجدل. فتكاثر عدد المستخدمين وتعزّزت وتيرة استخدام (الفايسبوك) الذي تحوّل إلى منصّة لنشر الفيديوهات وكتابة المقالات والإنضمام إلى جماعات تشكّلت حول مواضيع لا حصر لها. فتعدّدت الرؤى والمواقف والآراء وتنوّعت.
ومن خلال ملاحظات الباحث فقد تبين له ان (الفايسبوك) بدى وكأنّه منتدى فسيح ينكشف داخله تنوّع المجتمع التونسي الفكري والسياسي. وفتح السياسيون صفحات لجمع المريدين وتحسين صورتهم وللتفاعل مع التونسيين بإعتبارهم ناخبين، حتّى أنّ الرئيس التونسي منصف المرزوقي لم يجد حرجا في الاعتراف بأنّه غيّر نظاراته تلبية لمقترحات شباب (الفايسبوك).
وإذا نظرنا إلى شبكة (الفايسبوك) التونسيّة من هذا المنظور فإنّها لا تشكل وفق ما جاء في الكتاب فضاء عموميّا ديمقراطيّا وعقلانيّا قادرا على إحتضان النقاش العام في شؤون العيش المشترك والشأن العام.
واستنتج المؤلف ان (الفايسبوك) يساهم في تشظّي المجتمع التونسي إلى جماعات صغيرة منغلقة على نفسها ومتصارعة ومجتمعة حول أنساق سياسيّة وفكريّة وإيديولوجيات متنافرة (إسلاميّة، لائكيّة، قوميّة، تقدميّة، ليبراليّة...).
غياب الحوار
ولاحظ المؤلف ان شبكة (الفايسبوك) التونسيّة تتسّم أيضا بغياب الحوار العقلاني الرصين القائم على الحجج والإنصات للآخر، وعلى الرغبة الجماعيّة للبحث عن معايير مشتركة تنبع من الجدل. ويجزم المؤلف ان التونسيين يتحاورون في شبكة (الفايسبوك) مع من يشاطرونهم الرأي في إطار مجموعات منسجمة فكريّا. ونادرا ما ترى التونسي العادي يعبر عن رأي في قضيّة معينة بل يكتفي في كثير من الأحيان بالتعليق على الفيديوهات والمقالات التي يستنسخها من صفحات بعينها. وتتراكم التعليقات في بعض الصفحات حول بعض الإدراجات، ثمّ يظهر فيديو آخر وينتقل الجميع للنقاش في مسألة جديدة تاركين المسألة السابقة معلقة دون حسم.
دعاية وتحريض
وعنما اطّلع المؤلف على العديد من الصفحات اكتشف في كثير منها جهدا منظمّا يبذله البعض للنيل من سمعة الأشخاص سواء كانوا زعماء سياسيين من كلّ الإتّجاهات أو مثقفين أو صحفيين، لثلبهم والإعتداء الرمزي عليهم والإستهزاء بهم وكيل الأراجيف لهم. ويؤكد المؤلف ان المستخدمين ابتكروا أنواعا فريدة من الإعتداء الرمزي، كالتلاعب بصور الأفراد وإبرازهم في هيئة مهينة. وتندرج هذه الصفحات في كثير من الأحيان في إطار حملات التشويه المتبادلة التي تقوم بها تيارات فكريّة معينة في إطار حرب إيديولوجيّة يتطاحن فيها النهضويون واللائكيون والعلمانيون والتقدميون واليساريون والليبيراليون، حيث تستخدم فيها أنواع مبتكرة من الدعاية والتحريض والقدح وحتى الدعوة للجريمة السياسية..
وبشكل عام فإنّ شبكة (الفايسبوك) وفق ملاحظات المؤلف واستنتاجاته تعطينا مشهدا مفزعا عن الإنتقال من مجال العمومي سلطوي كان يحكمه الحجب والإجماع الزائف إلى مجال عمومي تحكمه الحريّة والتعدّد وعاجز في وقت ذاته عن الإشتغال وفق المعايير الديمقراطيّة الأصيلة. فأضحى الفايسبوك يقسّم التونسيين إلى ملل سياسية في إطار فضاء عمومي غابت فيه الحجج لصالح الأحكام والأذواق، وانحسر فيه الحجاج العقلاني لصالح التجنيد الإيديولوجي والتعبئة الفكريّة والتسويق السياسي.. ف(الفايسبوك) يؤسّس لنوع هجين من الإتّصال العمومي يقوم على الريبة والشكّ وعلى تخمة من الأخبار والإشاعات والصور وطوفان من الفيديوهات. هكذا تحوّل (الفايسبوك) من آلية للتفريق ومن آلية للوصل الإجتماعي إلى آلية لتمزيق النسيج الإجتماعي. وفي سياق يبحث فيه التونسيون عن طرق جديدة لإعادة تشييد البنيان الجماعي.
كثرة وتلاشي
يقول المؤلف انه ظهرت في تونس صحف عديدة: يوميّة وأسبوعيّة، عامّة ومتخصّصة، مستقلّة وحزبيّة وهو يتساءل: هل يعلن تكاثر العناوين هذا عن ميلاد صحافة مكتوبة تونسيّة جديدة مختلفة ومبتكرة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون طفرة كميّة مرتبطة بتلاشي آليات التحكّم في النفاذ إلى القطاع؟
ويجيب الكاتب عن تساؤله قائلا: ان المتمعن في بعض الصحف الجديدة يفاجأ بإعادة إنتاج لنوع قبيح من الكتابة الصحفيّة، يقوم على تزييف الوقائع والتلاعب بها.
وما يهدد أخلاقيات المهنة حسب رأيي المؤلف من المجال العمومي نفسه أو بالأحرى من أحد فضاءاته أي الفضاء الإلكتروني على وجه التحديد الذي أضحت مكانته هامّة في الممارسات الإعلاميّة للتونسيين بإعتباره مصدرا للأخبار وإطارا للنقاش. لكن هذا الفضاء يشهد انهيارا شاملا لأخلاقيات التواصل. فهو فضاء لبث وتبادل الأخبار المشبوهة وغير الموثوقة والمضامين ذات الطابع التشهيري والتآمري والفضائحي التي تروّجها صفحات يديرها أشباح تختفي وراء أسماء مستعارة. ويجزم الباحث في كتابه ان هذا الفضاء يمكن أن يتحوّل إلى قوّة ضغط على الصحفيين من جهتين. فمن جهة أولى يمكن أن يؤدي انهيار أخلاقيات التواصل في الفضاء العمومي الإفتراضي إلى التقليل من التزام الصحفيين بالمقتضى الأخلاقي. ومن جهة ثانية فإنّ الشبكة قد تتحوّل إلى مصدر للمعلومات غير الموثوقة بالنسبة إلى الصحفيين أنفسهم..
الكتاب: الإعلام التونسي... أفق جديد/ بورقيبة والفايسبوك.../ المدوّنون.../ الإعلام والنّقاب...
الكاتب: د. الصادق الحمامي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.