السيد الباجي قائد السبسي.. رئيس الحكومة المؤقتة.. قد أكد ضمن حواره.. مع القنوات التلفزية التونسية مؤخرا.. ما معناه أن مسألة تغيير وزير من وزراء حكومته.. هي مسألة.. حكومية.. يعني أنها لا تخص العموم.. ويعني أن القرار فيها هو قرار يتخذه رئيس الحكومة من دون الرجوع في ذلك لعامة الناس.. والحقيقة أننا نحترم رأيه.. بل إننا نسانده فيه.. ونعتبره رأيا سليما ومعقولا.. ومنطقيا.. لأنه لا يجوز في كل الحالات.. وباسم كل أنواع الديمقراطيات (بدون واو هذه المرة) أن نطالب الحكومة.. أو رئيسها.. باستشارة الشعب عند إقدامه على إدخال تحوير على تركيبتها.. إلا أن ما قاله سي الباجي في هذا الشأن.. جوابا على السؤال الذي طرحه عليه الزميل فوزي جراد ضمن ذلك الحوار التلفزي.. وان كان صحيحا وإن كان صادقا.. وان كان معبرا عن الواقع.. فلعله لم يقدم لنا الجواب المطلوب عن السؤال الصحيح.. أقول هذا.. لأن ما طرحه صديقنا فوزي.. والذي عبر من خلاله.. عما يتداوله الناس.. لا يتعلق بدعوة الحكومة لاستشارة الشعب قبل إقدام رئيسها على إحداث تغيير بتركيبتها.. ذلك أن هذا نفهمه جميعا.. ونعرف أنه لا يجوز لنا طرحه.. أما السؤال الذي ظل معلقا.. ولم يلق الإجابة اللازمة عنه من طرف رئيس الحكومة فيتعلق.. بحقنا في الاطلاع على أسباب ما حصل.. يعني حق الناس في معرفة.. أسباب إقالة وزير الداخلية وتعويضه بوزير جديد.. في ظروف.. قد لا يمكنها أن تسمح للحكومة بفعل ذلك إلا.. لأسباب قد تعتبرها هامة ووجيهة.. هذا ما أراد الناس معرفته.. وهذا ما لم توضحه الحكومة.. وما لم تطلعهم عليه.. برغم اعتقادنا.. في قدرتها على فعل ذلك.. وفي إيمانها.. العميق بما يمكنها أن تحققه بواسطته من نتائج إيجابية.. لعل أهمها يتمثل في درء الإشاعات.. وفي وضع الحد اللازم لها.. إضافة طبعا إلى ما قد يمثله بالنسبة للناس.. من تأكيد على تمسك الحكومة الحالية بالوضوح وبالشفافية.. في كيفية تعاملها.. معهم.. المهم أن ما حصل.. قد حصل.. رغم أننا قد تمنينا لو أنه لم يحصل.. والأهم.. أن الناس.. مازالوا وإلى غاية الساعة.. ينسجون الروايات.. الخيالية حول مسألة تغيير وزير الداخلية السابق.. والتي لم تنجح حتى عملية استقباله من طرف رئيس الجمهورية المؤقت وتكليفه بمهمة جديدة في القضاء عليها وفي وضع حد لها.. رغم أن الحكومة قد تكون لجأت إليها.. من أجل ذلك.. وليتها لم تفعل.. واكتفت بتلبية رغبات الناس في التعامل معهم بوضوح وبشفافية.. في هذا الشأن.. منذ البداية.. وبعد ذلك فمن حقها أن تعين الراجحي.. أينما تريد.. وكيفما تريد.. حتى لا تبدو لهم مسألة تعيينه الجديدة.. ضربا من ضروب.. المراوغة السياسية.. أو حتى عملية من عمليات الترقيع.. والتي يلجأ إليها عادة بعض حكام «الكورة» عندما يرتكبون خطأ.. فيحاولون إصلاحه.. بواسطة.. خطإ آخر.. وأغلق القوس الخاص.. بهذه المسألة.. لأنتقل إلى غيرها.. والتي تدخل.. كذلك في كيفية تخاطب الحكومة مع الناس.. وفي طريقة إطلاعهم على حقيقة ما يحصل وما أقصده.. لا يلزم هذه الحكومة.. بالتنازل عن بعض صلاحياتها.. من خلال ممارسته.. ولايجبرها على السماح لنا بالتدخل في شؤونها.. ولا يعني مطالبتنا لها.. باطلاعنا على كل كبيرة وصغيرة.. من أعمالها.. بما فيها تلك التي تمثل بعض أسرار الدولة.. إنما يتمثل.. في اعتبارها لنا.. بأننا أصحاب حق معها.. في شأن هذا البلد.. وبأننا مسؤولون مثلها على تحديد مصيره.. وبأننا متخوفون مثلها مما قد يواجهه من مخاطر.. لعلها تعنينا مباشرة وتعني أبناءنا.. وعليه.. فإنه من واجبها.. أن تعاملنا بوضوح.. وبشفافية.. وألا تعتبرنا عجلة خامسة.. وأن تراعي أوضاعها.. وأن تتفهم أحوالنا.. وأن تدرك أننا قد عانينا الويلات.. وأكلنا شتى أنواع العصا.. طيلة عقود من حياتنا.. بسبب ما كان يحصل في حقنا.. من طرف كل الحكومات السابقة.. والتي أسهمت بدورها في الإساءة لنا.. وحرمتنا من حقنا في معرفة الواقع.. وعاملتنا بتكتم إعلامي كبير.. وبغموض أكبر.. حتى أننا قد ظللنا نجهل مصيرنا.. ومصير أبنائنا.. وحتى أن الواحد منا قد ظل يشعر بأنه يستهدف في وطنه.. وفي شرفه.. وفي أرزاقه.. ومع ذلك فلا يقدر على رفع رأسه.. ولا يقدر على قولا لا.. عند اللزوم.. وإذ يبدو ذلك كذلك.. فلعله من حقنا اليوم.. بعد أن فقدنا ثقتنا في الجميع.. وبعد أن اكتشفنا أن الجميع يخاطبوننا بنفس اللهجة ويقولون لنا نفس الكلام.. أن نبدي التخوف اللازم.. من سوء مصيرنا.. ومصير بلدنا.. ومن حقنا.. ألا نعيد بعض أخطائنا الماضية فنفعل مع الذين يحكموننا اليوم.. ما فعلناه مع الذين سبقوهم.. والذين مكناهم من صك ممضى من طرفنا على بياض.. فأساؤوا استعماله.. وزجوا بواسطته بنا كلنا في هوة ساحقة.. ما نطلبه اليوم من الحكومة.. قد لا يتجاوز.. حرصها على عدم استبلاهنا.. وعلي عدم التعامل معنا.. وكأننا لا نفهم في ما تفهم.. أو لا نعلم ما تعلم أو لا نشعر بما تشعر.. وكأنها المعنية لوحدها.. بتحديد مصيرنا.. والرافضة في ذلك لكل نقاش أو رأي مخالف.. حتى ولو كان يمثل الأغلبية.. إن ما نطلبه بسيط وعادي.. ويتلخص في بعض كلمات.. نعتقد أن الحكومة قادرة على تجسيد معانيها الصحيحة.. الكلمات تقول: اعطيونا الصحيح.. والمقصود منها هو أن تحاول حكومتنا اطلاعنا على حقيقة ما يحصل في حقنا.. وما يتعلق في ذلك خاصة.. بالمسائل التي تعني الناس مباشرة.. والتي تثير فضولهم.. ويجبرهم غياب الوضوح حولها على إطلاق الإشاعات وعلى نسج الحكايات الوهمية.. «اعطيونا الصحيح».. كلمات نوجهها مرة أخرى.. لهذه الحكومة.. لنؤكد لها من خلالها.. رغبتنا في معرفة.. بعض ما يحصل من حولنا.. من ذلك دعوتنا لها.. لمدنا.. بحقيقة.. تطورات الوضعية الخاصة بزميلنا لطفي المسعودي.. والتي يبدو أنها قد تحولت إلى مسلسل.. بل إلى لعبة سياسية.. في هذا الخصوص يقول الناس إن عملية إطلاق سراح الزميل لطفي.. والتي تم الإعلان عنها سابقا ثم وقع التراجع فيها وأعلن عنها منذ يومين ثم سقطت في الماء.. مرة أخرى.. بعد أن أمكن لأفراد عائلة الزميل التخاطب معه مباشرة بواسطة الهاتف وبعد أن تكفل سفير تونس بليبيا بطمأنتنا حولها.. وبإعلامنا بأن سيارة قد وضعت على ذمة لطفي قصد نقله إلى تونس وأنه بصدد الاستعداد للعودة إلى بلده بعد القيام بجولة عبر بعض المصالح الإدارية.. وبعد أن علمنا بأن سعادة سفيرنا.. قد تناول الغداء مع زميلنا.. قلت إن هذه العملية والتي توقفت بعد كل ذلك فجأة قد أثارت العديد من التعاليق.. مما دفع بالأغلبية منا للاعتقاد بأنها قد تحولت إلى شأن سياسي تونسي ليبي.. تحدده العلاقة الحالية القائمة بين الحكومة المؤقتة في تونس وبين جماعة القذافي وتحكمه شروط يفرضها الطرف الليبي على الطرف التونسي لمطالبته بتقديم تنازلات لعله لا يقدر على تقديمها.. الحقيقة أننا قد كنا نأمل في تكفل حكومتنا الحالية.. بأن تعطينا الصحيح حول هذه المسألة.. مثلما كنا نأمل في تفضلها بمدنا بحقائق أخرى عديدة.. لعل المجال لا يكفي ضمن هذه الورقة لطرحها.. لكنني متأكد من أنها لم تعد خفية علينا ولا على حكومتنا.. هذه المسائل وأقصد المسلسل الخاص بلطفي وغيره من المسلسلات الأخرى.. نعتبرها هامة ولا نتصور أن مصارحة حكومتنا لنا في شأنها يمثل تنازلات من لدنها عن بعض سلطاتها أو صلاحياتها.. أو مسا من هيبتها.. وأختتم بهذه الملاحظة التي أسوقها للسيد الطيب البكوش بصفته الناطق الرسمي باسم الحكومة والذي نطلب منه بكل لطف وبكل ود.. ألا يخاطب الناس من خلال تصريحاته التي يطلقها خاصة بعد الاجتماعات الوزارية.. بلغة صعبة.. وألا يعمد من خلال ذلك إلى استعمال عبارات منتقاة من صميم اللغة العربية القحة.. والتي قد لا يمكن لعامة الناس فهمها.. خاصة وأن المسألة لا تتطلب ذلك.. كما أن ما يرغب في تبليغه قد يمكن قوله.. حتى باللهجة الدارجة.. والتي يفهمها الجميع.. ثم لا ننسى.. أن المهتمين والمتابعين لمثل هذه التصريحات.. ليسوا كلهم أساتذة جامعيين.. وعلى كل حال فالاهم عندنا جميعا.. هو أن «تعطيونا الصحيح..».