بالاشتراك بين المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي يرأسه وزير الثقافة الأسبق المهدي مبروك ومنظمة "reset doc " وبدعم من وزارة الخارجية الايطالية أقيم يوم دراسي احتضنه نزل " الشيرتون " بالعاصمة تناول قضية راهنية وحاول الإجابة على سؤال حارق يؤرق الثورة التونسية وكل بلد يعرف مرحلة انتقال ديمقراطي وهو أي مستقبل للحريات والديمقراطية إذا ما تواصل متاعب الركود الاقتصادي وعدم وفاء نظام العولمة بوعودها التنموية من رفاهية الشعوب وازدهارها ؟ وهل تملك الديمقراطيات القدرة على الاستجابة لحاجيات الناس وانتظاراتهم ؟ وإلى متى سيستمر التوتر بين الاحباط الاقتصادي والاجتماعي من جهة والحريات السياسية والخيار الديمقراطي من جهة أخرى قبل أن نبلغ المدى الاقصى وهو نقطة اللاعودة ؟ وهل يغدو الأمل في بقاء الديمقراطية مهددا أمام تعثر تحقيق مطالب الشعب واستحقاقات الشباب ؟ وفي كلمة كيف يمكن للديمقراطية الناشئة في تونس أن تصمد وتقنع الناس بجدواها وأهميتها في ظل واقع اقتصادي واجتماعي هش ؟ في هذا اللقاء الذي حضره مثقفين وسياسيين وصحفيين وجامعيين كان القلق باديا والتوتر واضحا للإجابة على كل المشاغل والهواجس التي طرحتهم هذه الندوة الذي جاءت في وقتها والبلاد تشهد تحولا عميقا في المشهد السياسي بفوز الاستاذ قيس سعيد في الدور الاول للانتخابات الرئاسية وهزيمة نكراء لكل منظومة الحكم بأحزاب الحكم والمعارضة وما احدثه من ارباك سياسي وفكري بسب مشروعه الذي يبشر به والذي يقوم على فكر التأسيس الجديد وإعادة تشكيل رؤية مختلفة للحكم مضمونها انتقاد الديمقراطية والياتها وفشلها في تحقيق التنمية للشعب . في هذه الندوة تم التركيز على المصاعب التي تعرفها الديمقراطية الغربية في بلدانها وتربتها الاصلية وعجزها عن تحقيق وعود الاحزاب السياسية بما يعني أن الديمقراطية كما صدرها لنا الغرب وصورها على انها الاداة المثلى لتنمية الشعوب وتحقيق السعادة للأفراد تعرف تصاعد موجة الانتقاد ضدها حيث تم الحديث عن المراجعات التي تجري اليوم في الغرب والجدل الكبير الذي يجري حول مدى صمود الديمقراطيات الغربية في الاستجابة إلى حاجيات ومطالب الشعوب الغربية في ظل واقع العولمة وهيمنة اقتصاد السوق وذوبان الاقتصاديات المحلية الوطنية وما تعيشه اليوم الكثير من البلدان اتحاد الاوروبي التي تسعى للتحلل من الاتحاد على غرار ايطاليا واسبانيا وانقلترا إلا خير دليل على الازمة العميقة التي تعيشها الديمقراطية الغربية وعجزها عن تحقيق آمال الشعوب بما سمح بعودة القوميات والتيارات العنصرية والأحزاب اليمينية والاهم من ذلك تنامي ظاهرة الشعبوية في العالم مع صعود دونالد ترانمب للحكم ورفعه شعاره الكبير أمريكا أولا وإحراز العديد من الاحزاب القومية في أوروبا تقدما واضحا في الانتخابات على غرار ايطاليا واسبانيا وفرنسا مع ماري لوبان رئيسة حزب اقصى اليمين التي ترفع شعار فرنسا للفرنسيين بما يعني أن أزمة الديمقراطية في الغرب كان المتسبب فيها عجز الانظمة السياسية المتبنية لها عن تحقيق وعودها للشعب ما فتح الباب واسعا لعودة التيارات الشعوبية فكلما حصل الفشل الاقتصادي إلا وتنامى الفكر الشعبوي الذي تستغل تخلف الوعود وتخلف الانجازات التنموية وليظهر يبرز هذا بكل وضوح في التجارب الديمقراطية التي يرافقها وضع اقتصادي واجتماعي هش ومرحلة انتقال ديمقراطي تركز على الحريات مع غياب حلول اجتماعية واقتصادية واضحة . كيف يمكن للديمقراطيات الناشئة أن تصمد مع واقع اقتصادي في تراجع وواقع اجتماعي هش ؟ اليوم الملاحظة البارزة في كل العالم أن الخيار الديمقراطي تعرف انتقادات كبيرة ويعيش مأزقا كبيرا بسبب تمدد رقعة الهشاشة الاجتماعية في صفوف الكثير من الفئات الاجتماعية التي تضررت كثيرا من السياسات الاقتصادية وعانت كثيرا من الخيارات الاجتماعية وطالما لم تعالج الحكومات مظاهر الهشاشة وتجد الحلول المناسبة لها فإن موجة الانتقاد للحريات والديمقراطية ستتواصل اكثر لتفتح الطريق أمام الخيارات الشعبوية بعد ان اصبح العود للاستبداد والديكتاتورية أمرا مستحيلا وهي أنظمة يروج مناصروها أن الشعوب في ظلها كانت أفضل وأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي تحت حكمها كان أحسن . اليوم هناك طريق واحد وخيار واحد امام الديمقراطية كي تصمد على ارض الواقع ولا ترفضها الشعوب هو قدرتها على ايجاد الحلول لمشكلة البطالة المتفاقمة ومعالجة ظاهرة الهشاشة الاجتماعية التي خلفت الكثير من الازمات واولها ظاهرة الهجرة الى بلدان المتوسط الاوروبي وتانيها الاعتماد على الحلول الفردية ومن خارج تدخل الدولة والحل الجماعي وهي حلول مهايتها في الكثير من الاحيان غير موفقة بالنسبة لأصاحبها . مشكل بطالة الشباب وظاهرة عطالة اليد العاملة وتزايد الفقر والعجز الاجتماعي وغياب حلول الدولة كل هذا يتعب الديمقراطية ويزيد من ظاهرة التقد لها لذلك كان السؤال ما قدرة المؤسسات الاقتصادية والمنشات في امتصاص البطالة المتواصلة ؟ وهل يعد خيار حرية المنافسة والسوق الحرة وتحرير القوانين خيار صائب من اجل تامين ازدهار البلاد والإبقاء الثقة بالديمقراطية ؟ كيف يمكن للديمقراطيات ان تضمن للمنشآت الاقتصادية الدوام والاستمرار في ظل واقع اقتصادي معلم يمنع الحكومات من التحكم في اقتصادها وإدارة منشآتها بكل حرية حتى تنح الديمقراطية اسس قوتها في الرهان على قدرة الاقتصاد الوطني في استيعاب العاطلين عن العمل وامتصاص المؤسسة الاقتصادية البطالة وتوفير مواطن شغل لازمة ؟ في هذه الندوة تم الحديث بكل وضوح عن تراجع المد الديمقراطي في اوروبا وتراجع ثقة الشعوب في انظمتها بعد تأزم العلاقة بين الحريات والتنمية وبعد فشل الخيارات الاقتصادية في تاسيس وضع اجتماعي مستقر يحقق الهدوء والراحة للفرد وهذا القلق يجر الى الحديث عن الموجة الثالثة للديمقراطية التي تقوم على فكرة اساسية وهي تقديم التنمية الاقتصادية على كل شيء وتتبنى تلازم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية مع الحقوق السياسية وإعادة التوازن بين مطلب الحرية ومطلب الأمن وبين مطلب الحق في العمل ومطلب الحق في الديمقراطية غير أن كل المتدخلين الأجانب قد عبروا عن قناعة وهي أنه رغم محاولة انقاذ الديمقراطيات الغربية إلا أن هذه الآلية للحكم لم تعد قادرة اليوم على تحقيق النمو الاقتصادي وتوفير الامان للإنسان في ظل نظام عولمة مجحف بما يجعل المعركة اليوم في الغرب مفتوحة وهذا الواقع جعل مفكرو الغرب وفلاسفته يطرحون السؤال الكبير لماذا فشلنا في تعزيز الديمقراطية ونشرها ؟ اليوم العالم يعرف تمدد مظاهر اللامساواة وتوسع المشاكل البيئية وازدياد نسبة الفقر والعجز الاجتماعي وفقدان الشعوب الثقة في الاحزاب السياسية والنقابات .. اليوم الجواب الذي يقدم في الغرب هو إذا أردنا أن نواجه العولمة وإذا أردنا أن نتطور فانه علينا أن نتجند لمحاصرة الديمقراطية ومن خلال هذا الخطاب تتسلل الشعبويات وتصعد التيارات القومية والأحزاب اليمينية المنتصرة لكل ما هو قومي محلي .