تابعنا جميعا تفاصيل "واقعة الجلابية" في ستاد القاهرة الدولي أين احتل المشجعون الملعب قبل نهاية اللقاء الكروي بين النادي الإفريقي والزمالك المصري، ليعتدوا على لاعبينا وعلى الوفد التونسي بالعصي والأسلحة البيضاء في مشهد مخز وموجع ولكنه غير مفاجىء... فالجمهور المصري- أو فئة منه على وجه التخصيص حتى لا نظلم بعض الرافضين لما حدث- شرب "التهور"، وتعود على الوحشية في ردود فعله منذ أحداث "أم درمان" ضد المنتخب الجزائري... تباينت ردود الفعل بعد هذه الواقعة، واعتذر بعض المصريين اقتناعا بأن حدث معيب، أو على مضض لامتصاص غضب التونسيين، وحتى لا يتحول الأمر إلى أزمة سياسية كما حدث بين مصر والجزائر منذ فترة... ولكن لو أن الاعتداءات استهدفت فريقا آخر غير تونسي لما مرت الأمور في سلام... ولو كان الفريق المصري هو الطرف المعتدى عليه، لانهالوا علينا بسياط غضبهم، ولوصفونا بالبربر الهمجيين، ولأعلنوا القطيعة بيننا وبينهم... المشكل أن المجتمع التونسي متحضر، ومسامح ولكنه لا يقبل الإهانة، وما حدث لفريق النادي الإفريقي في "ستاد القاهرة الدولي" إهانة لكل تونس، لم يسلم منه الحكم الجزائري الذي كان عادلا، ولكن يكفي أنه جزائري الجنسية ليجد نفسه في قلب معركة غير متوازنة...... وقد بث "الأحد الرياضي" على القناة الوطنية الأولى تحقيقا مع المشجعين قبل انطلاق اللقاء الكروي، وكان الجميع يتوقع فوز الزمالك المصري في إطار نظرية المصريين "نحن أو لا أحد"، وكان بعض المشجعين متعصبين مغالين في "حقدهم" على النادي الإفريقي وانتصار الزمالك وترشحه صار قضية حياة أو موت... وبالمناسبة نقول لربيع الزموري إن تعداد سكان مصر ليس 65 مليونا كما ردد على مسامعنا أكثر من مرة دون أن يصلح له الخطأ البسيط في الظاهر ولكنه يكشف قلة التحضير لتناول موضوعه الرياضي... ليس غريبا على بعض المصريين هذا التعصب، والحقد على كل ما هو غير مصري... فالنزعة الشوفينية هي صنع مصري محلي، تتوارثها "النخبة الفرعونية" جيلا بعد آخر، تبثها في أوساط العامة وتنفخ روح الازدراء والرغبة في الهيمنة، وهو ما أفرز ثقافة خاصة بهم طابعها "الأنا" الاستعلائية التي تعمل على فرض الهيمنة على الآخر بخطاب التأجيج والتأليب، وهو ما فعله "حسام حسن" الذي عرض نادي الزمالك إلى صدامات كثيرة مع جبهات متعددة بتصريحاته المتعصبة، وقد طالب جماهير ناديه عقب لقاء الذهاب في تونس بالنزول إلى الملعب في القاهرة ردا على نزول ثلاثة مشجعين تونسيين في ملعب رادس، ونحن نتذكر هذه الحادثة ونتذكر أيضا كيف تمت السيطرة عليها بسرعة، بتطويق الجيش التونسي للملعب لحماية الوفد المصري، ورد كل خارج عن الروح الرياضية... استجاب الآلاف من المشجعين المصريين لنداء حسام حسن واستعدوا للرد القاسي في حالة الهزيمة، وكانت النتيجة حالة الفوضى والهمجية والاعتداء على لاعبي النادي الإفريقي الذين حوصروا في الملعب وفي غرف الملابس، وأغمي على البعض، ونقل البعض الآخر إلى المستشفى، ونجح "حسام حسن" في تطبيق نظريته لتبرير عجزه التدريبي "العين بالعين والشتيمة بالبلطجة وإرهاب المنافسين"، وكان شجاعا حد الوقاحة وهو يعتبر ما حدث عاديا ورد فعل طبيعي على نزول ثلاثة مشجعين إلى ملعب رادس... تلك هي ثقافة "البلطجة" كما يقول المصريون... ولئن حاول لاعبوا الزمالك الخروج من هذه الأحداث كأبطال من خلال حماية لاعبينا، إلا أنه لا أحد يعرف النوايا من خلال هذه الحركات، ومن يدري فقد تكون خطة منظمة لتبرئة نادي الزمالك من أحداث الفوضى، فالمعتدون لم يظهروا أي رغبة في النيل من "الزملكاوية"... كان هدفهم رؤوس لاعبي النادي الإفريقي والحكم الجزائري... ومثلما كان النظام المصري السابق يستخدم المختلين عقليا لتهدئة الرأي العام في القضايا الكبرى التي يكون فاعلها مجهولا أو معلوما من أصحاب النفوذ، قيل إن ما حدث في "ستاد القاهرة" هو من تدبير رموز الثورة المضادة، من أبناء مبارك وقناصته، وهو أمر مثير للضحك وللشفقة في الوقت نفسه... وقدم نادي الزمالك تقريره في ما حدث، مشيرا إلى اقتحام 30 مسلحا في العاشرة صباحا من يوم اللقاء لمدخل الستاد من الجهة اليمينية للدرجة الثالثة، واعتبر أن ما حدث كانت تقوده جماعات "مندسة" _الاندساس نظرية الحكام العرب توارثها فيما يبدو المسؤولون لتبرير أخطائهم_ لا علاقة لها بجماهير الزمالك... والغريب أن المسؤولين على هذا النادي عرفوا كيف يلعبون دور الضحية بالقول إن الاقتحام كان في الدقيقة الثانية من الوقت بدل الضائع، أي قبل نهاية اللقاء بأربعة دقائق، والهدف منه هو منع الزمالك من إحراز هدف التأهيل... وهذا دليل على أن ما حدث بتدبير "الأعداء" من الخارج فعلا... ولم ينس مسؤولو الزمالك في تقريرهم أن يتحدثوا عن حمايتهم للوفد التونسي والحكام الجزائريين وتأمين وجودهم في مصر حتى لحظة السفر... وكتب في نهاية التقرير الجملة التالية "ومع ذلك يتقدم نادي الزمالك بكامل اعتذاره عن تلك الأحداث المشينة..." وكأن الاعتذار "مزية" وعلامة على تحضر نادي الزمالك على الرغم من أن لا دور له في ما حدث... هذه النزعة الشوفينية ذكرتنا بما حدث في الدورة الأخيرة لمهرجان للفيلم العربي بوهران، فبعد تتويج فيلم "النخيل الجريح" فيما كان المصريون ينتظرون تتويجا آخر لفيلم "مايكرفون" الحائز على التانيت الذهبي من الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية من دون وجه حق، وفيما بادر السينمائيون العرب بتهنئة صناع الفيلم التونسي، خرجت صحافية مصرية ساخطة على النتيجة التي أقصت فيلمهم، وانطلقت في شتم "النخيل الجريح" والدفاع عن "مايكرفون" بأسلوب أثار السخرية... ما حدث في واقعة "الجلابية" دليل آخر على أن بعض المصريين يريدون إقصاء من حولهم، تحكمهم عقدة التفوق، فإن لم يحققوا نصرا ميدانيا يدخلون في حمى السب والشتيمة، فإن لم يجدي هذا الأسلوب، يرفعون عصيهم بكل همجية ووحشية، ومن حظهم أن رفعت العصا في وجه تونس هذه المرة...