في مقابلة صحفية أجراها مؤخرا الدكتور عبد الجليل البدوي الاخصائي في الاقتصاد والرئيس المؤسس للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مع جريدة " الصليب - La Croix " صوت الحزب المسيحي الفرنسي تحدث فيها عن الانتخابات الرئاسية التي يستعد الشعب التونسي إلى استكمال مسارها بإجراء دورتها الثانية التي ستحدد نهائيا الرئيس الجديد للجمهورية التونسية الثانية وهي انتخابات تجرى في وضع اقتصادي حرج تمر به البلاد من حيث ارتفاع نسبة التضخم وارتفاع نسبة البطالة وتراجع الكثير من المؤشرات الاقتصادية التي لها تداعياتها الخطيرة على الوضع العام وفي ظل تراجع الدولة عن الكثير من أدوارها وتخليها عن تحمل مسؤولياتها تجاه الشعب والبلاد يعتبر عبد الجليل البدوي أن الانتخابات الرئاسية التي تجرى اليوم تأتي في وقت تعرف فيه البلاد وضعا اقتصاديا غير مشجع في ظل مؤشرات اقتصادية لم تتعاف بالقدر المطلوب ويكفي أن ننظر إلى المعطيات والمؤشرات الخاصة بالسداسية الأولى من هذه السنة لنقف على وضعية اقتصادية حرجة فنسبة النمو التي تم توقعها عند إعداد قانون الميزانية للسنة الحالية كان في حدود 3.1% وكل الخوف أن لا نصل في آخر السنة حتى الى تحقيق نسبة 2 % . صحيح أن الاقتصاد قد عرف انتعاشة طفيفة خلال هذه السنة بفضل عائدات السياحة وعودة هذا القطاع إلى مستوياته العادية وكذلك بفضل قطاع الفلاحة الذي عرف موسما محترما ولكن كل هذا التحسن لم يرافقه تحسنا ملحوظا في القطاعات المنتجة الأخرى التي واصلت تراجعها والحال أنها هي القاطرة لبقية القطاعات . ما يقلق اليوم أن هناك مخاطر من تواصل العجز في الميزان التجاري و تراجعه خلال الأشهر الثمان الأخيرة وعدم قدرة الحكومة على اتخاذ اجراءات للتخفيف من هذا العجز في علاقة بتزايد التوريد مقابل ضعف التصدير هذا من دون أن ننسى اتساع دائرة التداين والاقتراض الخارجي الذي وصل إلى نسبة خطيرة قاربت 80 % من الناتج المحلي الخام وتراجع الاستثمار الجالب لفرص الشغل لخلق مواطن عمل جديدة من شأنها أن تقلص من حدة البطالة في صفوف خريجي الجامعات ونتيجة هذا الوضع المتردي سجلت البطالة نسبة قاربت 15.3% وارتفعت نسبة التضخم لتصل إلى حدود 7% وهي مؤشرات تعكس الصعوبات التي يمر بها الاقتصاد التونسي وهو ما أثر سلبا على معيشة الناس و انعكس بصفة مباشرة على المقدرة الشرائية للمواطن التي تضررت كثيرا وعجز مرتبات الموظفين عن الصمود أمام ارتفاع الأسعار وعدم قدرة الأجور على مواجهة المصاريف المتزايدة لتلبية اكراهات العائلة ومن نتائج هذه الوضعية الاقتصادية على نفسية الشعب تنامي حالة القلق والحيرة والخوف من المستقبل وهي المدخل المباشر لبروز الحركات الاجتماعية وصعودها و التي تجد في هذا الوضع الرخو الأرضية الملائمة للنمو والتكاثر . لقد تمت المراهنة على قطاع السياحة لتحسين الوضع الاقتصادي وتحقيق التعافي المرتقب من خلال رسم سياسة تراهن على جلب أكبر عدد ممكن من السياح والانفتاح على أسواق جديدة كالسوق الروسية مع استعادة الأسواق الأوروبية التقليدية بعودة السياح الألمان والانقليز حيث راهنت الحكومة على جلب 8 ملايين سائح خلال سنة 2019 وتعتزم الوصول إلى تحقيق موسم سياحي ب 9 ملايين سائح خلال سنة 2020 و لكن رغم كل هذا الجهد الذي بذل والعمل الكبير الذي تحقق في الجانب الأمني من أجل تحسين السياحة فان مردودية هذا القطاع تبقى محدودة وهذه العودة تبقى هشة و غير قادرة على الصمود أمام التقلبات التي تعرفها السياحة وأمام سياسة الاغراق الاجتماعي التي تتبعها الحكومة وهي سياسة مدمرة وغير قادرة على تحقيق مردودية أفضل . إن الحملة الانتخابية للرئاسية لم تسمح للمترشحين بتقديم رؤية أو تصور للمستقبل فلم نر للمترشحين برامج واضحة في ما يخص الوضع الاقتصادي ولا آليات لتطويره وانحصرت كل المقترحات في الشعارات والكلام العام واستنساخ النماذج الاقتصادية القديمة والتي فقدت جدواها ولم تعد تفيد البلاد وهذا ما صعب على الناخبين معرفة وعود المترشحين وما ينوون تقديمه للشعب مما يجعل القناعة اليوم أن تونس سوف تعرف خمس سنوات أخرى من الضياع والتيه حتى تجد طريقها للتنمية الحقيقية لذلك فقد كان المطلوب أن نسمع أفكارا اقتصادية جديدة وأن يتعرف الناخب على نظرة مختلفة لقد كان على المترشحين أن يعيدوا السؤال في المنوال الاقتصادي وأن يراجعوا الخيارات الاقتصادية المتبعة . اليوم البلاد تحتاج إلى منوال تنمية جديد ومنوال اقتصاد مختلف. اليوم من الضروري أن نعيد التفكير في دور الدولة التونسية التي يجب أن يكون دورها أكثر فاعلية وأكثر حيوية وأن تقطع مع النظرة التي جعلت منها دولة سجينة في المهمة التي رسمت لها في الماضي فما هو مطلوب هو أن ننتهي مع التمشي الليبرالي الساذج والرخو وأن تبني خيارا آخر يعطي للدولة دورا أكبر للانخراط بقوة في تبني سياسة تراهن على القطاعات اليوم نتيجة اختيار الدولة أن تكون محايدة وأن تتخلى عن التدخل وأن تتخلى عن الكثير من مهامها وأدوارها فإن العديد من القطاعات تعرف صعوبات كثيرة وتعرف منافسة غير متكافئة وتعرف استنزافا لمقدراتها الذاتية المهدد بإفلاسها مما يجعل من الضروري أن تسند الدولة هذه القطاعات المنتجة والحيوية . ما هو مطلوب اليوم ونحن على أبواب انتخابات رئاسية مصيرية أن تنخرط الدولة في سياسة إعادة توزيع الثروة من أجل ردم الهوة الشاسعة في عدم المساواة بين الفئات وتحقيق العدالة الاجتماعية المفقودة .. اليوم من الضروري أن يعود للدولة دورها الاجتماعي وأن ترافق القطاعات الحيوية في الاقتصاد وأن تحقق العدالة الاجتماعية التي يطالب بها الجميع ودون ذلك سنوات أخرى من الضياع والتيه ..