تونس: السجن لمسؤول بقباضة مالية استولى على أموال    أشغال صيانة على الطريق السيارة أ1: دعوة إلى الحذر وتخفيف السرعة    تنسيق مصري قطري مع واشنطن لوقف إطلاق النار في غزة..#خبر_عاجل    رباعي يمثل تونس في بطولة العالم للرياضات المائية    فتح مجموعة من مكاتب البريد بالمناطق السياحية لتأمين حصة عمل مسائية خلال الفترة الصيفية2025    عاجل/ 7 سنوات سجن في حق عدل منفذ من أجل هذه التهمة..    صبّ المال وهات"... أغنية جديدة للفنانة زازا "    "نغمات 3" في مدينة الثقافة:الدخول مجاني لسهرة الطرب و"الربوخ"    تقوم من النوم تاعب؟ هذا الحلّ    البحر المتوسط يُسجّل أعلى درجة حرارة في جوان المنقضي    وزير التجارة يدعو الى استغلال الفرص المناحة لتحقيق عقود تجارية تعود بالنفع على الميزان التجاري    مونديال الأندية : مدرب مونتيري يطالب لاعبيه بالدفاع للتأهل أمام دورتموند    مونديال الأندية: فلوميننزي يقصي إنتر 2-0 ويبلغ ربع النهائي    رئيس الغرفة الوطنية للدواجن: ''الإنتاج وفير والأسعار معقولة''    بنزرت : حجز 12 طنا من الفارينة في مخبزة يعمدُ صاحبها للتوقّف عن النشاط قبل ساعات من التوقيت القانوني    حتى التاسعة ليلا: البريد التونسي يوفّر حصص عمل مسائية بهذه المناطق    مجلس نواب الشعب يشرع في مناقشة مشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقية قرض    الحماية المدنية : 576 تدخلا منها 92 لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    مهرجان مالطا السينمائي لأفلام البحر المتوسط : الفيلم التونسي "وين ياخذنا الريح" لآمال القلاتي يفوز بجائزة النحلة الذهبية لأفضل فيلم طويل    ألمانيا: مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين في حادث طعن في شركة إلكترونيات    كأس العالم للأندية : برنامج مواجهات ربع النهائي إلى حد الآن    كريستو في طريقه للعودة إلى النجم الساحلي    قليبية: غوّاص يكشف تفاصيل العثور على جثّة الطفلة ''مريم'' بعد ان جرفتها الأمواج    "هم مقرفون ونحن مرتاحون".. شارليز ثيرون تسخر من زفاف بيزوس    منوبة: اخماد حريق أتى على مساحة سبع هكتارات بجبل عمار    مش كيف بقية الإدارات: هذا التوقيت الصيفي للبريد التونسي    10 سنوات سجناً وغرامة مالية ب280 ألف دينار لموظفة بنك استولت على أموال عمومية    عاجل: تقلّبات جوية يومي الأربعاء والخميس تشمل هذه المناطق    فلاحة : متابعة المراقبة والتصديق على حصص بذور الحبوب الممتازة بعدد من الشركات المنتجة للبذور    اليوم: انطلاق تطبيق العقوبات الخاصة بنظام الفوترة الإلكترونية    وزيرة الاسرة تشرف على موكب اختتاميّ لشهر الوالديّة الايجابيّة    ثنائية ليوناردو تقود الهلال إلى فوز كبير على مانشستر سيتي في كأس العالم    وزير الشؤون الاجتماعية يبحث مع نظيرته الليبية تعزيز التعاون في المجال الاجتماعي    انفجار مصنع للأدوية بالهند...انتشال 36 جثة و حصيلة الضحايا مرشحة للارتفاع    "أغلق دكانك وعد إلى مسقط رأسك!".. ترامب يبدأ بتضييق الخناق على ماسك    طقس الثلاثاء: الحرارة في ارتفاع طفيف    ترامب يوقع أمرا تنفيذيا برفع العقوبات عن سوريا ويتضمن بندا عن الأسد وشركائه    مونديال الأندية 2025 : البرنامج المفصل لمباريات ربع النهائي    بنزرت.. مترشحان يخوضان الدور الثاني للانتخابات التشريعية الجزئية    السعودية توقف عسكريين وموظفين ومقيمين في قضايا رشوة وتربُّح واستغلال نفوذ    تحت تأثير الكحول.. اعتقال الدولي الإنجليزي السابق إينس بعد حادث سير    أولا وأخيرا: «قرط» وتبن وقش    صحتك في الصيف ...من أجل فم سليم.. أسنان ناصعة وابتسامة جميلة    دراسة تكشف وجود علاقة بين تناول الجبن ورؤية الكوابيس!!    عاجل/ تعيين مدير عام جديد للبنك الوطني للجينات    المنستير: فوز أسماء الصيد بالجائزة الأولى للمسة العصامية في اختتام الدورة 21 للملتقى الوطني للمبدعات العصاميات في التعبير التشكيلي    نفاد تذاكر عرض الفنان الشامي في مهرجان الحمامات الدولي    إختتام فعاليات المهرجان الوطني الثقافي والرياضي لشباب التكوين المهني    بشرى سارة للتونسيين بخصوص الزيت المدعم..    يوسف سنانة يودع النادي الإفريقي برسالة مؤثرة    تحذير من الأطعمة المغلّفة بالبلاستيك !    التونسي يستهلك 170 كلغ من القمح ومشتقاته سنويّا...غيره في دولة أخرى ما يفوتش 70 كلغ!    فرنسا: منع التدخين في الحدائق ومحطات الحافلات والشواطئ يدخل حيز التنفيذ    الكشف عن العروض المبرمجة في الدورة 59 لمهرجان الحمامات ومفاجآت في انتظار الجماهير..    استبدال كسوة الكعبة مع بداية العام الهجري    ملف الأسبوع... كَرِهَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَطَلَبَ الدِّينَ فِي الْآفَاقِ.. وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ... أوّل المؤمنين بعد خديجة    ما هي الأشهر الهجريَّة؟...وهذا ترتيبها    مطرزا بالذهب والفضة والحرير.. السعودية تكسي الكعبة ثوبها السنوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوفل سلامة يكتب لكم : عائد من فرنسا بعد زيارة إلى الأحياء الإيكولوجية الباريسية الجديدة
نشر في الصريح يوم 14 - 11 - 2019

عدت منذ أيام قليلة من فرنسا في زيادة عمل دامت خمسة أيام قادتني إلى بعض أطراف وضواحي مدينة باريس للتعرف عن قرب على التجارب الفرنسية في إنشاء المدن والأحياء الايكولوجية أو ما يعرف بالمدن الصديقة للبيئة والأحياء المتصالحة مع الطبيعة والتي يتكثف فيها حضور العناصر المكونة للمشروع السكني البيئي القائم على حسن التصرف في مياه الأمطار والمياه المستعملة وحسن معالجة النفايات والفضلات المنزلية مع التعويل على توليد الطاقة الكهربائية لإنارة المنازل والشوارع من خلال الطاقات المتجددة والتي تتمثل أساسا في الطاقة الشمسية بدل الطاقة التقليدية من بترول وغاز طبيعي مع تصور لتخصيص ممررات للمترجلين و للدراجات العادية والسيارات والنقل العمومي وحرص كبير على خلق مساحات للتجول والتحرك السهل وتوفير مساحات خضراء وتخصيص قطع أرض داخل المنطقة العمرانية لتعاطي بعض الأنشطة الفلاحية وفضاءات أخرى للعائلات وأخرى للترفيه وتوظيف مادة الخشب واستعمال مواد معينة في البناء والتكثيف من غراسة الاشجار والنباتات .. هذه الزيارة التي حملتنا إلى بعض المناطق والأحياء التي تقع على أطراف مدينة باريس والتي أقيمت بها في السنوات الأخيرة مشاريع سكنية جديدة بمكونات ايكولوجية وأحياء عصرية وفق تصور جديد يقوم على مقاومة التلوث واستحضار المكونات الايكولوجية وفق المعايير العالمية قد خرجنا منها بجملة من الاستنتاجات و الخلاصات التي يمكن أن نستفيد منها في إنشاء مشروع نموذجي يقوم على فكرة الحي الايكولوجي :
1/ إن فكرة إقامة أحياء إيكولوجية أو مدن جديدة تتكثف فيها العناصر البيئية هي بالأساس خيار سياسي في فرنسا بما يعني أن التجارب التي عايناها كانت وراءها إرادة سياسية قوية مؤمنة بخيار التوجه نحو كل ما هو محافظة على الطبيعة وكل ما هو مقاوم للتلوث وهذا الخيار السياسي وفق كل الذين استمعنا إليهم هو معركة عسيرة حتى يقتنع رجل السياسة بأهمية التوجهات العالمية الجديدة ومعركة أخرى لا بد من خوضها لإقناع كل المدخلين العموميين بضرورة التقيد بالتوصيات الضرورية للمدن الايكولوجية .
2/ الانتقال نحو كل ما هو ايكولوجي وكل ما هو مقاومة للتلوث والحفاظ على العناصر البيئية هي مسألة صعبة في مجال التهيئة الترابية وتحتاج إلى أرضية ثقافية قابلة بالتغيير وفترة من الزمن حتى يستوعب المواطن هذا التحول . لقد عبر لنا كل من استمعنا إليهم من الفرنسيين أنهم لما تحركوا وقرروا السير في هذا الطريق الجديد وجدوا في البداية صعوبات من المجتمع الذي لم يتبع التغيير فكان السؤال ما العمل ؟ وماذا علينا فعله حتى يتبع المواطن النظرة الجديدة للتهيئة الترابية ؟ فكان الجواب في وضع استراتيجية تقوم على حمل المواطن على تقبل الأفكار الجديدة في إنشاء المدن والأحياء من خلال التغيير التدريجي بعد أن تأكدوا من أن التغيير الجذري سوف يتسبب في كارثة على التصور الجديد للعمران . لقد فهم الفرنسيون منذ البداية أن عدم تقبل فكرة الحي الايكولوجي بمكوناته البيئية هو مشكل مجتمعي ومعالجته تكون مجتمعية خاصة وأن كل الدراسات التي قاموا بها في البداية كانت تقول بأنه لا يمكن للمجتمع أن يتقبل التغيير ولا يمكن أن يتأقلم مع النظرة الجديدة للتهيئة الترابية وكاد المشروع البيئي أن يجهض وفي المقابل ظهرت دراسات أخرى تقول بأنه يمكن أن يوجد حل جزئي وجهوي في إطار عالمي بما يعني أن يكون التغيير العمراني نابع من الأسفل وليس من الهرم أي أن السياسة العمرانية الجديدة يجب أن تكون نابعة من المحليات والبلديات وليست فرضا بالقوة من الدولة فكانت تجربة البلديات ناجحة جدا في اقناع المواطنين بأهمية توفير أحياء جديدة مختلفة عن سابقتها تقوم على جملة من العناصر الايكولوجية التي تحافظ على التوازن البيئي وتحمي الطبيعة وتخفف من التلوث الهوائي والمائي والطاقي وتستعيد حضور النبات داخل الحي.
3/ ما ساعد على نجاح التجارب العمرانية الجديدة القائمة على فكرة انشاء أحياء ايكولوجية هو الحضور القوي للسياسيين والنواب وجمعيات المجتمع المدني التي اشتركت في اقناع السياسيين بأهمية المسألة الايكولوجية وأهمية تغيير التصور للتعمير والتهيئة الترابية . ما لمسناه هو تخلي العقل الفرنسي عن الصور القديم لهندسة الفضاء وإنشاء المدن والتوجه نجو أفكار جديدة مستلهمة من التجارب الألمانية والدول لاسكندنافية التي تتميز بتكثيف العناصر الايكولوجية داخل الحي . ما لحظناه هو أن هذه العناصر ليست دائما نفسها و هي لا تتكرر في كل الصور و إنما هي متغيرة من حي إلى آخر حسب خصوصية كل منطقة ولكن العنصر الثابت في هذه المشاريع هو الروح الايكلوجية والحضور القوي لكل ما هو طبيعة خضراء وكل ما هو طاقات متجددة وفي هذا المجال فإن فرنسا بلد نووي وبالتالي يسهل عليه توليد الطاقة الكهربائية بتكلفة زهيدة غير أنه تخلى عن الخيار النووي نحو تبني خيار جديد بالاعتماد على الطاقات المتجددة بالرغم من غياب الشمس في أغلب أشهر السنة.
4/ خلال هذه الزيارة التي اكتشفنا فيها تجارب متعددة للإحياء الايكولوجية نصحنا كل من قابلناه بعدم نقل التجربة الفرنسية برمتها أو نسخها على الواقع التونسي وإنما المطلوب المفيد هو أن نستلهم الفكرة والتصور لمفهوم الحي الايكولوجي وأن نقوم بتكييفه بطريقة تجعلنا نجد المعادلة الضرورية التي تتلاءم مع واقعنا وهويتنا وثقافتنا وبحسب خصوصيتنا . قالت لنا مهندسة فرنسية من أصل لبناني " ليس من مصلحتكم نقل التجربة حرفيا " ونفس النصيحة رددها رئيس بلدية مدينة " ميرو " و هو من أصول قبرصية وكان قد زار تونس وأعجب بها بما يعني أن فكرة انشاء أحياء بمقومات ايكولوجية هي مسار طويل و سلسلة من حلقات مترابطة تبدأ بتكوين الفرد على مفهوم المواطنة الذي يبدأ من البيت فالمدرسة فالجامعة فالعمل ليتربى على ثقافة احترام الآخر واحترام الفضاء العام واحترام البيئة فالفكرة الايكولوجية تحتاج إلى وعي بها وثقافة تحترمها وتحافظ عليها ومن دون وعي وثقافة بأهمية البيئة ومحاربة التلوث ومن دون وعي بأهمية النظافة في حياتنا وبأهمية الفضاءات الخضراء فإن مثل هذه المشاريع قد تعرف الكثير من المتاعب.
5/ كل التجارب التي اطلعنا عليها كان وراءها هيكل وحيد أحيانا يكون وكالة التهذيب الفرنسية وأحيانا أخرى البلديات والمحليات وأحيانا جمعيات المجتمع المدني وأحيانا عمل تشاركي بين كل هذه الجهات والدولة وهذه الجهة الوحيدة هي التي تشرف على نجاح المشروع منذ تملكها بالأرض إلى تسليم الشقق والتعهد بالصيانة وهنا يكمن سر النجاح.
5/ خلال كل الحوارات التي دارت بيننا كان السؤال هو كيف يمكن أن نضمن إقامة مدن وأحياء سكنية جديدة وفق التصور الايكولوجي ووفق المعايير الدولية للبناء الجديد من خلال الوكالة العقارية للسكنى التي أوكل لها المشرع مهمة التهيئة الترابية فقط لتقوم بعد ذلك بالتفويت في المقاسم التي هيئتها إلى من سوف يتولى بناءها وفق كراس شروط أعد في الغرض وهنا يطرح السؤال الكبير كيف يمكن أن نضمن التزام من سوف يتولى عملية البناء بتحقيق كل العناصر الايكولوجية المتفق عليها من دون أن يقوم بتغييرها أثناء الانجاز ؟ وكيف يمكن أن نضمن صيانتها وتعهدها بالرعايا بعد انتهاء مهمة الوكالة ؟ ذلك أن كل التجارب التي زرناها قد أظهرت أنها نجحت لأن من يملك العقار هو من وضع التصور وهو من أشرف على الدراسات وتابع الأشغال وهو من قام بالتفويت في الشقق والعمارات وهو نفسه من تعهد بالصيانة والحفاظ على مكونات المشروع الايكولوجي لضمان دوامه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.