الحب لحن جميل يتغنى بين قلبين ولكن – كما هو معلوم – قبل الأنغام يأتي الكلام. والكلام في الحب شعر أو لا يكون. الحب يقول بلزاك Balzac هو شعر الحواس فهو وجد ومناجاة وهو لوعة واشتياق وكثيرا ما يلتجئ العشاق لتبرير ما يختلج في ثنايا أفئدتهم فيهيمون في بحر التوسّل: حبيبي إذا جاءك المغرضون وقالوا لغيرك غنّت وقبلك كانت أحبّت فلا تلق بالا لما يدّعون فما كان يمكنني أن أحب وهل من الوجود سواك يحبّ هكذا صدّت زبيدة بشير مزاعم المتشككين، وفي المقابل لقد راوغ نور الدين صمود حبيبته فراوغته: قوّلتني ما لم أقله مدى العمر وقالت قد قلت إني أحبك قلت ما بحت بالغرام وبالأشواق قالت قد باح بالحب قلبك وقد سبقه أبو فراس الحمداني في مثل هذه المسألة: تسائلني من أنت وهي عليمة وهل بفتى مثلي على حالة نكر فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى قتيلك قالت:"أيّهم فهم كثر؟" إنّ للحبّ إكسيرا عندما يعانق المتيّمين، يدمج روحيهما دمجا. لقد غنّت ذات يوم نعمة فأطربت: إحنا في الدنيا ما ناش إثنين أحنا روح وحدة ما بين جسمين وفي هذا المعنى كان ابن حزم صاحب "طوق الحمامة" الكتاب المرجع لكل من ولج في بحر الهوى تجاوز الدنيا إلى الآخرة: وددت بأنّ القلب شقّ بمدية وأدخلت فيه ثم أطبق في صدري فأصبحت فيه لا تحلين غيره إلى مقتضى يوم القيامة والحشر هل الكلام وحده قادر على الإفصاح عن الشعور طبعا لا إذا ما صدقنا العنوان البديع لّإحدى حصص الإذاعي المتميز بوراوي بن عبد العزيز :"حديث بلا شفاه". لننصت مليّا إلى حديث العيون كما جاء على لسان أحمد شوقي الذي حلّقت به قريحته عاليا في سماء الشعر: وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيني في لغة الهوى عيناك لا أمس من عمر الزمان ولا غد جمع الزمان فكان يوم رضاك لله درّ أمير الشعراء فنظمه يلهج به حتى من به بكم .