دعنا نصدع بها منذ الكلمات الأولى و نقول مباشرة أيّ شعب مثل الشعب الفلسطيني بصغاره و شبابه و شيوخه و رجاله قادر على تحمّل الصلف الصهيوني و العنصرية و الفكر الاستعماري له و أيّ شعب في العالم بأسره صمد بصدوره العارية، أمام الآلة العسكرية الصهيو- أمريكية مثل الشعب الفلسطيني، بطائراتها و مدرعاتها و جنازيرها و كلابها و صواريخها و جنودها؟ أ لا تصحّ تلك التسمية التي أطلقها عليه الزعيم الراحل ياسر عرفات حين وصف الشعب الفلسطيني " بشعب الجبارين " أي شعب في العالم بأسره تحمّل السجون و تحمّل المنافي و تحمّل التهجير القسري و تحمّل هدم بيوته أمام عينيه و تحمّل أن تهدم فوق رأسه بل تحدى الموت و ذهب له بأقدام من أجل وطنه و شعبه على أن يعيش حرّا مستقلا مثل بقية الشعوب؟ إنّه و بلا مجاملة شعب فلسطين بكوادره و بمثقفيه و بشعرائه و بكتابه و بمنظريه و بمحاربيه و بشجعانه و ببواسله و بفرسانه و بدمائه و بتضحياته مثل هذا الشعب الفلسطيني الذي أبهر العالم بصموده أمام كلّ تلك العنجهية الصهيونية؟ و لكن الحقيقة التي يتغاضى عنها الكثير و خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية و أنّ الشعب الفلسطيني لا يجابه الكيان الصهيوني بكل عتاده و ترسانته العسكرية فقط بل هو يخوض حربا كونية من أجل حريته بمعنى آخر لو كان هذا الشعب العظيم يجابه فقط الصهاينة لوحدهم لحرر فلسطين في ظرف 24 ساعة و لكنه للأسف – و هذا هو المسكوت عنه – فالشعب الفلسطيني يجابه الغرب بأسره و على رأسه ماما أمريكا التّي تؤازرالكيان الصهيوني بالمعدات العسكرية و بالمال و بالإعلام و بالسياسة و استعمال النفوذ. فلو ترفع أمريكا و حلفائها على هذا الكيان الصهيوني الاستعماري بل لو يصرّح فقط الرئيس الأمريكي بإيقاف كل المساعدات للصهاينة لإنهار هذا الكيان الاستعماري في ظرف وجيز و حلّت به الهجرة المعاكسة و لفرّ حتى عسكره لخارج الكيان خوفا مما سيحلّ بهم و لحرّر بالتالي الفلسطينيون أرضهم و أقاموا دولتهم على الأرض التاريخية لفلسطين؟ و الحقيقة التي على كل العرب معرفتها و أنّ هذا الصمود للشعب الفلسطيني هو من أخّر المشروع الصهيوني في إقامة دولة صهيونية من الماء إلى الماء كما كان يحلم بنو صهيون إلى ذلك و هو الصخرة التي تكسّرت عليها أحلام هذا الكيان الاستعماري السرطاني و من ورائه الولاياتالمتحدة. و للعلم فقط فقد عرف صمود هذا الشعب و على مرّ السنين الكثير من المحطات لعل أهمّها كان : * فترة 1897 – 1917 و هو ما يعرف بالهجرة الاستراتيجية و المقاومة العفوية حيث لم يغد في تلك الحقبة موضوع الهجرة موضوع مشردين بلا هدف سياسي لإذ كانت أهداف مؤتمر " بال " واضحة من تشجيع الاسيتيطان إلى تنظيم اليهود و من تعبئة المشاعر اليهودية إلى تعميق الوعي القومي لذلك فإن عرب فلسطين - وهم يسمعون بالاستعدادات لقيام هذا المؤتمر – قرّروا ضرورة التدقيق في أهداف هذه الهجرة لوضع حدّ للخطر الصهيوني على فلسطين عن طريق هيئة تدقيق ترأسها آنذاك مفتي القدس محمد الطاهر الحسيني. * فترة 1917 – 1929 وهي مرحلة و عد بلفور و تبلور الأطماع الصهيونية و تبدأ هذه المرحلة باحتلال القوات البريطانية للقدس و إعلان وعد بلفور و قد جاء ملتزمين في التوقيت و كانت فلسطين مرهقة و اقتران ذلك بازدياد النشاط الصهيوني و من ذلك زيارة رئيس المنظمة الصهيونية " وايو من " لفلسطين سنة 1917 و ما تلاها من تدفق للهجرة إلى أن وصل مجموع المهاجرين سنة 1925 إلى حدود 100 ألف صهيوني. *فترة 1930 – 1939 و هو ما يعرف بالثورة الكبرى وكانت هذه المرحلة مرحلة الإضراب الكبير والثورة الكبرى؛ لأن مطالب الحركة الوطنية بوقف الهجرة لم تتحقق، ولأن الهجرة زادت، وزادت معها حركة الاستيلاء على الأراضي، وزادت التحديات الصهيونية سواء بتدفق الأسلحة، أو بإنشاء حرس للمستعمرات وحاميات صهيونية. و زادت النقمة الشعبية لأن أداء القيادة الوطنية كان متخلفًا ومترددًا، وكان الانقسام والسعي وراء المكاسب يُشِلُّها. *فترة 1940 – 1949 و هي مرحلة هزيمة العرب و سقوط فلسطين انتهت الثورة وعاشت فلسطين سنوات الحرب العالمية الثانية القاسية، كانت القيادة السياسية قد تفرقت.وانتصر الحلفاء في نهاية الحرب، وانتصرت معهم الحركة الصهيونية، أما دول المحور فقد هزمت، وهزمت معها المراهنة الشعبية العربية عليها، ومنها المراهنة الفلسطينية. *فترة 1949 – 1963 حقبة ما بعد الهزيمة حيث كانت هزيمة 1948م هزيمة كبرى بالنسبة للأمة العربية، ولكنها كانت – بالإضافة إلى ذلك – انقلابًا عظيمًا في حياة الشعب الفلسطيني، ذلك أنه لم يحقق أهدافه في التحرر والاستقلال، وشُرِّدَ معظمه من أرضه، وخضع باقيه في الأرض المحتلة لاحتلال شرس جديد، أما الضفة الغربية وغزة، فقد أصبحتا جزءاً من الأردن ومصر سياسيًّا وإداريًّا، وكانت محاولات التكيف مع الوضع الجديد الشغل الشاغل لكل الفلسطينيين. *مرحلة 1964 – 1993 المقاومة المسلحة و التسوية السلمية حيث اتّسمت هذه المرحلة بالكثير من التطورات في ميدان الصراع العربي- الصهيوني، من احتدام الحروب العربية/الصهيونية ( 1967 – 1973 – 1982 ) و هو ما يعني تحويل الصراع إلى صراع عربي – صهيوني و كانت من نتائج هذه الحروب امضاء اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979 و مفاوضات مدريد سنة 1991 و أيضا قيام منظمة التحرير الفلسطينية و المقاومة المسلحة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة و خارجها و تعبر هذه المرحلة أهم المراحل سواء عبر الدور العربي في الصراع العربي / الصهيوني أو عبر المقاومة الفلسطينية. *المرحلة الأخيرة 1994 إلى اليوم و ارتكزت هذه المرحلة على أمرين، الأول: المفاوضة بدلاً من المقاومة، والثاني: التفاهم مع العدو بدلاً من الصراع معه، واكتساب مواقع بدلاً من تنظيم معارك و ويعود السبب في هذا الانتقال إلى أن قيادات فتح اعتقدت أن أمامها بعد مدريد أن تسير في برنامج سلام خاص، أو أن تخرج نهائيًّا من الساحة لأن الحكومات العربية أخذت تفاوض الكيان الصهيوني، ولما كانت حكومة مصر قد وصلت إلى اتفاق مع العدو الصهيوني في كامب ديفيد، وحكومة الأردن في وادي عربة، وكان العدو يلوح بالخروج من لبنان بلا قيد ولا شرط، وكانت لدى الحكومة السورية أوراق تستخدمها، فإن القيادة الفلسطينية الرسمية قد خشيت أن تظل خارج إطار السلام، فتخرج “من المولد بلا حمص” كما يقال؛ ولذلك هرعت قيادة عرفات إلى ميدان المفاوضات ولكن من موقع الضعف، ومن موقع من يريد أن يبقى طرفًا مهما كانت النتائج. بل ما كان يخيف أكثر هذه القيادة أن حركتي حماس والجهاد الإسلامي قد بدأتا تبرزان كقوة استشهادية وهو مما يجعلهما بديلاً سياسيًّا، يحسب له حساب، وتلتف حوله الجماهير والقوى، وتراهن عليه الحكومات العربية والقوى الدولية، وقد تصبحان –أي حماس والجهاد الإسلامي- مركز استقطاب لتوحيد قوى المقاومة الفلسطينية و إن هذا كله جعل قيادة المنظمة الرسمية تحاول أن تسابق على الاحتفاظ بموقعها من خلال تحولها إلى طرف رسمي دولي يؤمِّن للشعب بعض المكاسب لنختم هذه الورقة بالقول إلى أن الصمود الفلسطيني، بقطع النظر عن مواقف قيادته الرسمية، و التضحيات الجسام التي ما فتئ يقدمها هذا الشعب الصامد منذ ما يزيد عن قرن من الزمن شكّل اللّغز المحيّر لدلا الصهاينة المحتلين لهذا الصمود الأسطوري لشعب رضع النضال مع حليب أمّه و توارثه جيلا بعد جيل و لكن للأسف أنظمتنا العربية لم تع بعد و أنّ صمود هذا الشعب الفلسطيني يمثّل واجهة متقدمة من التصدي لزحف هذا الكيان نحو احتلال بقية الدول العربية بل الأخطر و أنّ بعض هذه الدول العربية تتسابق و تهرول نحو التطبيع مع هذا الكيان الصهيوني الاستعماري و الذي في الأصل تمّ زرعه بالمنطقة العربية ليكون له دور وظيفي في خدمة مصالح أسياده بالغرب و خاصة أمريكا و بريطانيا و إلاّ لزحف نحو هذه الد.