أثار الاستاذ الطاهر بوسمة على "الصريح أونلاين" مواضيع هامة، وهو رجل قانون، تحمل عدة مسؤوليات في اعلى هرم الدولة في العهد البورقيبي بالتدقيق، وكان خاصة من المقربين للأستاذ محمد مزالي، طاب ثراه، ولا تفوتني الفرصة، التي اتاحها الاستاذ للاقتصاديين،للتموقع من الخط الليبرالي الذي يدافع عنه الاستاذ بكل حذق، وهو خط رسمته المؤسسات المالية العالمية، التي اغرقت بلادنا بديون لم نعرف بوضوح مصيرها، وليس كيف كان التصرف فيها، والى اي مدى استعملت للحد من عجز الموازين، منذ الثورة المباركة، و كنا قد لفتنا الانتباه الى هذا الموضوع، في كتاباتنا لأنه من الواجب الرجوع الى الشفافية في اموال الدولة وصيانتها، وانفاق الدين في باب الاستثمار، الذي رهنت البلاد من اجله، لتشجيعه حتى يكون هو المقود، يجر عربة النموالى مؤشر افضل، لما له من تأثيرات ايجابية على معيشة المواطن من صحة ومسكن وتعليم وشغل... وهذه هي اهم عناصر الكرامة التي نادى بها الشعب بفصائله، عندما نزل الى الشارع،طالبا السياسيين بالبحث عن حلول لتوفير هاته الغايات، والسؤال المطروح ما هو دور الدولة التي تجاوزت وظائفها السيادية المعروفة، وهي توفير الامن وتحقيق العدالة و جمع الضرائب، وتدخلت بأكثر قوة في مجال الاقتصاد، للمحافظة على النمو، واستقرار الاسعار، وتوازن التجارة، ومقاومة البطالة، ولو رجعنا الى المدارس المعروفة، وبحثنا عن الفرضيات لمزايا تدخل الدولة من عدمه، وجب التذكير أنها تختلف وتتباين في معالجة الازمات الاقتصادية وفهمها، و للتذكير فان تلك التيارات الفكرية، ظهرت ابتداء من اواخر القرن الثامن عشر بسيطرة المدرسة الكلاسيكية التي واكبتها ثورة صناعية، بنيت على الفحم والآلة البخارية، ثم تلتها المدرسة الاشتراكية العلمية في اواسط القرنالتاسع عشرالتي تناولتبالبحث التناقضات الاقتصادية والاجتماعية التي من شأنها ان تؤدي الى زوال الرأسمالية كنظام اجتماعي، ونظرا لأنها لم تفلح في حل الازمات المتتالية، ظهرت المدرسة الكينزية في اوائل القرن العشرين كبديل، وانتقدت بحدة المدارس التي سبقتها، وامتازت بالبحث عن معالجة البطالة التي اعتبرتها اكبر خطر يهدد النظام الاقتصادي، و للباحث توجد مئات من المراجع، كتبت على مر الزمن، تناولت بالدرس المعمق كل هاته المدارس وغيرها، وقد سادت بينها في الخلاصة، اختلافات جوهرية حتى في طريقة البحث، ومصطلحات التحليل، واتخذت الدولة في كل منها دور من الاهمية بمكان، مرورا باشتراكية الدولة وهو مذهب سياسي يدعو الى اشراف الدولة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، و لم تنجح هذه التجربة على مر السنين، رغم ما اتسمت به من تقدم في الميدان الاجتماعي، ومشاركة للعمال في جميع اطوار الانتاج. أما الوضع العالمي الحالي، والرأسمالية الاوربية خاصة، التي اتخذت مثالا عالميا للنمو، فهيتكاد تكون بخير، وهي اليوم أفضل مما كانت عليه قبل عقود، وذلك نتيجة تكلفة الاستثمار الذي أصبح أفضل، وأكثر مردودية من أي وقت مضى، لان باب الاقتراض أسهل،والفائدة تعادل فيه الصفر، واليد العاملة متوفرة، وهي متعلمة، وافدة من آسيا وافريقيا، وجاهزة للعمل، ولم يصرف على تعليمها او تكوينها أي مبلغ، والاسواق كذلك جيدة خاصة في دول العالم الثالث، والاثمان تكاد تكون في متناول الجميع، بحكم التخفيض في كلفة الانتاج والتصنيع حتى ان الشركات المصنعة لم تعد تشتك من ارتفاع أسعار المواد الاولية من معادن وغيرها، ولكن دور الدولة لا يزال على الاهمية بمكان، فهي الكفيلة بإنشاء مؤسسات قادرة على تفضيل الخلق والابتكار، وتبقى دائما مصدر النمو،تتحكم في قانون العرض والطلب وتوازنه، علاوة على ذلك، لها دور في إنشاء مؤسسات مثالية مصحوبة بسياسات اقتصادية هيكلية، تجعل سوق السلع والخدمات منافسة ومرنة، و لها أيضا مهمة قصوى في دفع الاستثمار بكثافة في التعليم العالي والبحث العلمي، و كذلك الدفاع عن المؤسسات الحياتية الضرورية للبناء والتشييد، شريطة تطهيرها وجعلها تتماشى مع الجدوى والفاعلية، و يكون ذلك بإعادة هيكلتها، ولا احد ينازع في ضرورة التخلي عن المؤسسات التي لا تعود بفائدة على الدولة، نتيجة عدم التحكم في التصرف فيها عن دراية وشفافية، والتي وجب اعادة النظر في تقويمها، قبل عرضها للسوق، فلا فائدة للدولة مثلا في امتلاك صحافة او وسائل اعلام، أقر الجميع بعدم مردوديتها، وهي تمول خاصة من ميزانيتها كما هو الحال، بل من الاجدر التخلي عنها، والقوانين موجودة لردعها ان لم تحترمها، و الدولة تبقى المرجع والضامن للمحافظة على بيئة سليمة من كل تلوث، وهي التي بيدها أيضا امكانية مسايرة الثورة الرقمية والتأثير فيها،ولا يخفى على 1حد 1همّية المرحلة الّتي ستمرّ بها البلاد وهي عصيبة ولنتذكر ولو بعجالة الأرقام الواردة في تقارير المعهد الوطني للإحصاء، وهيتؤكد ان وضع الاقتصاد كارثي اذتقلصت فيه نسبة النمو، واستفحلت البطالة 2لى عدد يكاد ان يكون خياليا،وتقلص المردود السياحي رغم بوادر تحسن طفيفة،وتكاثرت اﻹضرابات المشروعة والغير المشروعة، مما أدى الى إفلاس بعض الشركات،والمتوقع أن تحسم هاته الوضعية باﻹلتفاف حول الدولة وبنائها من جديد بمفاهيم عصرية، وإعانتها للخروج ولو على مراحل، من هذا المأزق، ولا يجب ان ننسى ان الثورات لها كلفة، وثورتنا غالية في فحواها وفي أهدافها،والدولة عبر أجهزتها ومؤسساتها كانتولا تزال ركيزة اساسيةلتجاوز السلبيات،وخاصة في سوق الشغل٬ اذ يمكن لها الحد من البطالة٬ ومن عدد الذين هم تحت عتبة الفقر، 2ن ذكر هذه الوضعية لا يرمي 2لى اﻹحباط بل للمزيد من إشعارنا بخطورة الوضع حتى تتجلّى بكل وضوح متتطلّبات المستقبل من النّاحية الاقتصاديّة والاجتماعية. أما من النّاحية السياسية فحياد الدولة هي الطريقة المثلى التي يجب اتباعها، والتجربة أثبتت بكل وضوح ان الائتلافات في الحكم بدون خارطة طريق تذكر غير مجدية،لأن تدفّق الاحزاب والجمعيّات انبعثت لتزيد في اختلاف السبل، و خلط الأوراق، بعضها لتركب الأحداث وهي بدون تصورات مستقبلية ولا برامج اقتصادية مرقمة ومدروسة، وفقد الحوار البناء،وغابت مدرسة الحرّية و النّضال، الّتي تخصب فيها الآراء، و تطرح فيها المصالح، وإن الملائمة بين واقع المجتمع الجديد اّلذي نصبوا إليه، والّذي هو بصدد البناء بعد ثورة 14 جانفي،يجب ان تتجلّى فيه التّطلّعات المستقبليّة للأجيال، و ما تطمح إليه من عمل و رقيّ وازدهار، وانطلاقا من انتشار المعرفة بكامل أوجهها و التّطوّر الحاصل في جميع الميادين،وما ترتّب على ذلك من تقدّم للقوى العاملة بالفكر والساعد نتيجة مخططات انمائية مجدية، ومنهج بورقيبي أصيل،وجب التركيز على تنويع طاقات الدولة اﻹنتاجيّة الحياتية للمواطن، والبحث على تطوير الموجود، والتخلص من الميادين التيلا تعود بالفائدة للجميع، ذلك هو المسار المحمود الذي يقع الاجماع حوله، فالوقت قصير، وهو ثمينوحاسم، وكفى البلاد تدهورا انعكس على القدرة الشرائية للمواطن، وللتصدي لكل المخاطرلماذا لا يدعى من طرف الحكومة الجديدة الى تجميع كل القوى الفاعلة، مفتوحة علنا لكل الاطراف السياسية من يسار ويمين ووسط ومجتمع مدني، يتم خلالها تشخيص الواقع ومناقشة دور الدولة والقطاع الخاص، واختيار الاهم عن المهم،لإصلاح الاوضاع،وبرمجة المستقبل، فهل من آذان صاغية لتونس البناء والتشييد؟