من المفيد ان نبسط مفهوم الاقتصاد، ولو بعجالة، حتى تكون للقارئ وجهة نظر، يمكن بها الفرز بين الغث والسمين، وتساهم في تعميق مفهومه من النظرية التاريخية والعلمية، وقد كثر الحديث وتهاطلت المرجعيات في السنوات الاخيرة على البحث عن نموذجللخروج ببلادنا من ازمة خانقة، تتجلى في انهيار كل المؤشرات الاقتصادية المعهودة. يعتبر علم الاقتصاد من أهمِّ العلوم وأبرزها، ويزداد التعمق في اركانه في ظلِّ ما يشهده العالم اليوم من تطورات خطيرة،ومن اعتماد على مبادئ الرأسمالية التي تسيطر على تفاصيله،وتعمل على اضعافه، والاقتصاد ايضا هو من أهمِّ العلوم الاجتماعية،يمتازبحويته نظراً إلى كثرة التطبيقات التي يمكن توظيفه فيها، والتي غالبا تشكل ركائز اساسية للدولة. يبحث في مجمله من ناحية،على سبيل المثال، في الانتاج وفي كيفية توزيعه، وفي عمليات الاستهلاك والخدمات والسلع، وايضا في الاستثماروفي مردوده،وفي العديد من الميادين الاخرى التي تهممتطلبات الإنسان المادية المختلفة،ويساعد،من ناحية اخرى، على معرفة العوامل التي تؤثّر في العرض والطلب، مما يعمل على تطوير وتحسين العديد من العمليات التجارية والصناعية، للفرد وكذلك للدولة.وللرجوع الى تطوره،على مرور الزمن، ومنذ القدم، يتجلى للباحث ان المدارس الفكرية التي اهتمت به،تحدد أبرز رسومهابعجالة، دراسة خاطفة،على النحو التالي: الأفكار البدائية: عرفت الحضارات القديمة الأفكار الاقتصادية المتنوعةوقع درسها خاصة من أرسطو، وابن خلدون، و غيرهم من الباحثين. الاقتصاد الكلاسيكي: تطور الاقتصاد منذ "آدم سميث"وكتابه الشهير"ثروة الأمم"، الذي حدد فيه عوامل الإنتاج الأساسية وهي وجود الأرض، والعمالة، ورأس المال. الاقتصاد الماركسي: تأسس على يد "كارل ماركس"، الذيطالب بضرورة إلغاء الملكية الفردية ودعا الى ثورة الطبقة الشغيلة التي يعتبر ان حقوقها مهضومة. الاقتصاد الكينزي: صاحب هذه النظرية الاقتصادية هو البريطاني "جون كينز"، الذي اقترح، للخروج من الازمة العالمية،الالتجاء الى اقتصاد مختلطيبنى على كل من القطاعين العام والخاص، وتكون فيه للدولة سلطة التدخل في بعض المجالات المحددة كالمشاريع التنموية الكبرى مثلا. اقتصادي إسلاميّ: يُعرف بأنّه نظام مُرتبط بالعقيدة والأخلاق الإسلاميّة، يحتوي على مجموعة من الإرشادات التي تساهم في التحكّم بالسلوك الاقتصاديّ في مجالات الادّخار والإنفاق. و يعتمد أساسا على ثلاثة أُسس اقتصاديّة رئيسيّة وهي الملكيّة المزدوجة أي يحقّ للإنسان المُسلم التملّك ضمن حدود الشريعة الإسلاميّة، والحرية المُقيدة أي الحريّة في مُمارسة الأنشطة الاقتصاديّة التي يريدها طالما أنّها لا تتعارض أو تخالف مبادئ الشريعة الإسلاميّة، والمُشاركة أي اشتراك أكثر من شخص في جهد العمل وقيمة المال، وتكون ملكيّة العمل والأرباح والخسائر مُوزّعةً عليهم جميعاً. اقتصاد المعرفة: ان كانت عوامل الإنتاج المعتمدة في كل المدارس هي اساسا الأرض والمال والعمال، أضيفت لهذه العناصر اليوم، المعرفة والخدمات والذكاء، من ما شكل قيمة اكبر من المنتجات اليوم،مقارنة مع الاقتصاد المبني على الإنتاج الذي يعتمد على المنتجات وكمياتها، وهو غالبا لا يحتوي على المعارف بنسبة كبيرة. ومن هذا المنطلق، إن الموارد البشرية هي التي تمتلك المهارات العالية التي تؤهلها للإضافة، والتجديد والابتكار والابداع وفي هذا النوع من الاقتصاد يمكن خلق روابط مشتركة بين المؤسسات التعليمية والأكاديمية مع المؤسسات التجارية. ومن نتائج تطور هذاالاقتصاد،برزت للوجودثورات معلوماتية هائلة، انتشرت واتسعت وأصبحت متوفرة لكل من يطلبها، بواسطة الأجهزة التكنولوجية المتطورة كالحواسيب، إضافة إلى شبكة الإنترنت، وما تقدمه من خدمات مختلفة في جميع انحاء العالم. تلك هي لمحة خاطفة عن المدارس الاقتصادية التي غالبا ما يلتجأ اليها،قصد بناء منوال تنموي، لكن الوضع ال2قتصادي العالمي لاينبىء بخير، وسيكون من أصعب ما عرفه التاريخ الحديث٬ لان درجة النمو المتوقعة لاتتعدى 2٬5 في المائة، واعتبارا لذلك فقد لجأت الدول المتقدمة 2لى الضغط على المصاريف ال2دارية، والحد من التداين. ومن البديهي أن يؤثر كل ذلك على اقتصادنا، ويزيد في تعكير وضعه المتردي، الذي هو موروث عن الثنائية الخبيثة حقبة "السلطة والمال"، التي أدت لما تعانيه البلاد اليوم من بطالة استفحلت في العقدين الأخيرين. كان ذلك ناتج عن اختيارات غير مجدية، بني على أسسها اقتصاد مصدره الولاء للحكم الفردي، وللفكر الواحد، وللتصور الخاطئ. ولا يخفى على 1حد 1همّية المرحلة الّتي ستمرّ بها بلادنا حاضرا ومستقبلا، نتيجة العولمة من ناحية، وتردي السياسة ورجالاتها من ناحية اخرى، والفترة عصيبة، ولنذكر ولو بعجالة بعض المؤشرات التي تدل على ما وصل إليه اقتصادنا من تدهور׃اقتصاد يمر بفترة كساد، انخفاض التّمويل الدّاخلي ٬ نسبة نموّ متوقّعة ضعيفة، سيّاحة تشغّل اصلا ما يقارب من 12 في المائة من الطّبقة الشّغيلة متعثرة٬ سوق شّغل تقدّر بما يقارب المليون عاطل عن العمل، بما فيهم مئات الالاف من ذوي الشّهائد العليا٬ أضف الى ذلك نسبة هائلة من الذين هم تحت عتبة الفقر... 2ن ذكر الأرقام اصبح متضارب في كل الميادين، يختلف باختلاف المصدر، وكان من الاجدر على الحكامالالتجاء الى المعهد الوطني للإحصاء من ناحية، والى البنك المركزي من ناحية اخرى، وهما كفيلان، كل في ميدانه و طبق صلاحياته،توفير المعلومة الحقيقية.فالأرقام لا ترمي2لى اﻹحباط بل للمزيد من الاشعار بخطورة الوضع، حتى تتجلّى، بكل وضوح، متتطلّبات المستقبل من النّاحية السياسية والاقتصاديّةوالبيئية. أما من النّاحية السياسية،فان تدفّق الاحزاب والجمعيّات، و2ن كانت وليدة ضرورة تاريخيّة،ادى انبعاثها الى المزيد من اختلاف السبل، و خلط الأوراق،اذ ركبت معظمها الأحداث، وفتحت الباب على مصراعيه للتدخل الاجنبي، وهي بدون تصورات مستقبلية، ولا برامج اقتصادية مرقمة ومدروسة. 2نّ الواجب اليوم يدعوا ويملي على كلّ هاته التركيبات السّياسية، أن تكون مدرسة للحرّية و النّضال الّتي تخصب فيها الآراء، و تطرح فيها المصالح، لان الملائمة بين واقع المجتمع الجديد اّلذي نصبوا إليهجميعا، من رقيّ وازدهار، و نظرا لانتشار المعرفة بكامل أوجهها، و انطلاقا من التّطوّر الحاصل في جميع الميادين، و ما ترتّب على ذلك من تقدّم للقوى العاملة بالفكر والساعد،يحتم كل ذلك،جعل القرارات الميدانيّة تنبعث من الواقع المعاش، وتجسّم إدارة القاعدة الشعبيّة الموسّعة الّتي ينبثق منها اﻹستنباط، و يؤول إليها مراقبة اﻹنجاز. فالمراجعة الجذريّة لأصول التّنمية في جميع الجهات و المجالات، و تلبيّة المطامح الممكنة لكلّ الفئات، بعيدا عن البيروقراطية الضيّقة،تملي كلها اختيار طرق عمل، تتأثّر بالجدوى والفاعليّة، والمحاسبة في كلّ أطوار الإنجاز المرحليّة. و يحتّم ذلك استقطاب الكفاءات و استيعاب القدرات الكفيلة بالتطلّع للمستقبل، ﻹستقطاب الجماهير الشعبيّة، كي تدعّم المبادئ، و تشارك فعليّا في بلورتها، ولا يكون ذلك 2لاّ بإذكاء جذور التضحيّة، و استقراء المستقبل، و محاولة تسييره في الطّريق المؤدّية الى بناء مجتمع الشّراكة و التّضامن و التّوافق، من أجل مستقبل منيع لوطن يطيب فيه العيش على اختلاف الجهات والمذاهب والأعمار. ولسائل عن الوضع، هل نحن في الاتجاه الصحيح ؟ هل كل القوى الوطنية شاعرة بالمأزق الذي نحن فيه؟هل يكفينا الدمار والافلاس التي ادت اليه حكومات التوافق؟ هل فقدنا الرشد كما غاب عنا تحديد مصيرنا بأنفسنا، وتركناه للمؤسسات المالية الدولية تتحكم فيه؟ هل لنا خريطة طريق تمتاز بإنجاز ولو مشروعين اثنين يكونا بداية انفراج لازمة طالت مداها؟ هل لنا مبادرة برفض الانانية في الحكم وتسخير كل الوسائل السمعية والبصرية للاعتراف بسياسة مخطئة،اتبعت مبنية على تصور مخطئ للنواميس الاقتصادية؟ هل مازال وفاءنا لتونس ثابت على مرّ الزمن؟ هل زرعنافي الماضي الريح لنحصداليوم العاصفة؟ تلك هي أسئلة وخواطر جعلت منيان أكون "عبد الله المقهور الثاني"،لأنني لم أجد من يشفي غليلي بالإجابة عليها، بواقعية وأدلة،ان ما آلت اليه بلادنا مرعب، لا ينبآ بمستقبل واعد لأبنائنا، ضحيت كغيري لأجل رفع رايتها مرفرفة بين الامم، لا ولاء لنا الا لتونس العزة والكرامة،ولأمجادها الابرياء،رغم المحاولة البائسة بالإطاحة بما بنيناه،وتعطيل مسيرتنا المهنية، ومحاولة اقصائنا من الحياة السياسية، هي ثلة خدمت ركاب عهد ولى ومضى، عهد الانقلاب الطبي ومآسيه، وهو الذيفتح الابواب على مصراعيها الى "ترويكا" أدت بالبلاد الى ما عليها هي اليوم، ولاتزال هذهتحلم برجوعها الى الحكم للاستحواذ عليه من جديد، والتاريخ بالمرصاد لها، يكشف غطاؤها،ولو التجأ بعضهم الى تحريفهومغالطة الناس بازدواجية لغتهم،وعدم الكشف عن نواياهم الحقيقية، تناسىجلهم انهم قتلوا الحزب الاشتراكي الدستوري حزب بورقيبة، وفكرواحتى في تسميم زعيمه، والعدالة بالمرصاد،لن تغفل عن كل من خان تونس، والعقاب آت لاريب فيه انآجلا أو عاجلا. ان المصير المشترك يدعونا الى لم الشمل، وطي صفحات الثورة المخجلة، والنهوض ببلادنا كالرجل الواحد، الى مسار العزة والكرامة واستقلالية القرار،وللمسؤول حديث بعده،وحديث عن انجازاته بالذات، لا حديث عن وعوده وشعاراته وتصرفاته الهامشية كما هو الشأن لبعضهم،وانجبت تونس من هؤلاء من تولى قيادة الدولة، لكن لم يكونوا في المستوى المطلوب، وكانت كل محاولاتهم مآلها الفشل الذريع، ومن الاجدر بهم الركون الى الراحة، ومراجعة النفس،وتقييم ما حققوه من دمار، وهم ينعمون اليوم بجرايات خيالية، ولا احدمنهم اقترح أن يعود الى جرايته الاصلية والى جنسيته الاصلية، ويساهم بذلك في اصلاح قسط من اخطائه، وفي ما كبده للثورة من عناء، نتيجة العجز والكبرياء.