عجيب وغريب والله امر اغلب مثقفينا واغلب سياسيينا واغلب فنانينا واغلب العامة فينا فكثيرا ما نسمعهم يتحدثون ويتكلمون ويتحمسون ويدافعون بكرة وعشيا عن تمسكهم وعن تعلقهم بالهوية العربية الاسلامية ...لكن الواقع يؤكد ويثبت ويشهد ان افعالهم وتصرفاتهم اليومية تخالف دعوتهم هذه بصفة تامة كلية وخذ لك مثلا ما تعيشه بلادنا منذ ايام من استعدادات حثيثة قوية للاحتفال بليلة راس العام الميلادي او ليلة راس السنة الميلادية فانك ترى الدكاكين والحوانيت والفضاءات التجارية والأسواق الغذائية تعج وتموج وتروج بلوازم الاحتفال بسنة ما يسمى بابا نوال والناس يؤمونها ويتهافتون عليها نساء ورجال لا قتناء ما يتعلق بتاثيث هذه الليلة على قدم وساق من دجاج وفواكه ومملحات واجبان وحلويات وما يتبعها وما يرافقها وما يصحبها من الماكولات ومن المشروبات وكل ذلك طبعا تقليدا للبلدان الافرنجية المسيحية التي سنت ونشرت هذه العادة فينا منذ استعمارها للبلدان الأخرى وخاصة البلدان العربية والاسلامية وقد صدق فينا والله قول ابن خلدون منذ سنين ومنذ قرون عندما قال(ان المغلوب مولع ابدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر احواله وعوائده) فليت هؤلاء الداعين كذبا وزورا ونفاقا الى التمسك بالهوية العربية الاسلامية ويرفعون شعارات الدفاع عنها في البرامج والبلاتوات التلفزية والاذاعية وعلى منابرومنصات الدور الثقافية يكفون عن تصديع رؤوسنا بشعاراتهم وبخطبهم الحماسية الهستيرية ويستحون من العزف على اوتار العروبة والاسلام التي يتخذونها مطية يجلبون بها الناس ويبيعون بها الاحلام والأوهام ...وانني لمتاكد ومتيقن تمام اليقين ان اكثر هؤلاء العروبيين لا يعرفون ولا يتابعون حتى ضبط تاريخ ايامهم بالسنة الهجرية ولا يعرفون حتى ترتيب ومعاني الأشهر القمرية وانني لمتاكد ايضا بالدليل والبرهان ان السنة الهجرية والأشهر القمرية قد ضاعت او تكاد تضيع عن ذاكرة ومدارك العرب وعن كثير من المسلمين لولا ارتباط فريضة الصيام بشهر رمضان المذكور والمسطور في القران الكريم الذي بقي وحده تقريبا مذكرا بالعروبة وحافظا لدين المسلمين... فكم هو جدير وكم هو حري بنا ان نرسل دمعة على حال العرب وعلى حال الاسلام وعلى حال المسلمين ونحن نراهم على مثل هذا الحال اليوم منغمسين في الاستعداد للاحتفال بطقوس ما يسميه غيرهم بابا نوال ولئن كان النصارى محقين في احتفالهم بسنتهم الميلادية الجديدة لانهم منتصرون على غيرهم من الأمم ومنتعشون ومتصدرون تقريبا في كل الشؤون الا انني لاعجب كل العجب كيف يشاركهم العرب والمسلمون في هذا الاحتفال وهم يعيشون اليوم الخلافات والصراعات الى حد التناحر والى حد الاقتتال وهل حقا ستحلو عندهم الحلويات وستروق لهم المشروبات وهم سيمعون اصوات المدافع والقنابل والصواريخ الحربية لم تهدا ولم تصمت في كثير من بلادنا العربية بينما يعيش النصارى في بحبوحة وامن وامان وهم يسمعون أجراس كنائسهم تدق في هدوء وسلام واطمئنان محتفلة بميلاد المسيح الذي قضى حياته القصيرة وهو يدعو الناس الى الطهارة والى البراءة الطفولية الصبيانية والى التحابب والتاخي ونشر السلام واجتناب سفك الدماء واعتبار ذلك من اكبر انواع الاجرام ومن اول ابواب الحرام عند رب العالمين خالق البشر اذ جاء في الاصحاح الثامن عشر ان المسيح عليه السلام قال لتلاميذه وهم يستمعون الى ما يلقيه عليهم من روائع الكلمات وبدائع المواعظ والعبر(الحق اقول لكم ان لم ترجعوا وتصيروا مثل الاولاد(يقصد في براءتهم وطهارة نفوسهم) فلن تدخلوا ملكوت السماوات)...فاللهم بحق عيسى ومحمد وبحق رسل وانبياء كل الديانات لا تحرمنا من ملكوت السماوت واهد الناس جميعا الى الفضائل والى المحاسن والى الخيرات انك قريب سميع مجيب الدعوات... فهل سيتذكر الناس هذه الكلمات وهذه المعاني الفاضلات؟ ام سيجعلون الاحتفال بذكرى ليلة ميلاد المسيح مجرد مناسبة سانحة لاكل ما طاب من الماكولات وشرب ما لذ من المشروبات وتلبية ما امكن من الشهوات ومن النزوات التي يعتبر العقلاء ذكرها وتفصيل القول فيها من قبيل (بيان الواضحات من الفاضحات)؟