شملت تونسيين : انتهاء المرافعات في قضية أوراق بنما    رئيس الإمارات يكرّم فتاة تونسية قامت بعمل بُطولي    بطولة إفريقيا للتنس: التونسيتان لميس حواص ونادين الحمروني تتوجان بلقب الزوجي    كأس تونس: برنامج مواجهات اليوم من الدور السادس عشر    دراسة تكشف أصول "القهوة الصباحية".. كم عمرها؟    عاجل/ إضراب مرتقب في قطاع المحروقات.. وهذا موعده    جندوبة: انطلاق بناء مدرسة اعدادية بجاء بالله طبرقة    كيف سيكون طقس اليوم ؟    قفصة : الاعدادية النموذجية تتحصل على أفضل عمل متكامل    يساهم ب 16% في الناتج المحلي: الاقتصاد الأزرق رافد حيوي للتنمية    "حراك 25" يناشدرئيس الدولة الترشّح لانتخابات 2024    جبنيانة: حجز 72 طنا من الأمونيتر    هيئة الدّفاع عن المعتقلين السّياسيّين: خيّام التركي محتجز قسريا وهذه خطواتنا القادمة    عاجل/ إتحاد الفلاحة: "تدهور منظومات الإنتاج في كامل البلاد"    غارة جوية تستهدف موقعا عسكريا لقوات الحشد الشعبي في العراق    يستقطب قرابة نصف اليد العاملة.. مساع مكثفة لإدماج القطاع الموازي    أميركا توافق على سحب قواتها من النيجر    الصين تعلن تشكيل قوة عسكرية سيبرانية جديدة    منظمة الصحة العالمية تعتمد لقاحا جديدا عن طريق الفم ضد الكوليرا    جمعت 3 وزارات.. جلسة عمل للوقاية من حرائق الغابات والمزارع لصائفة 2024    المنصف باي.. الكشف عن عملية سرقة باستعمال النطر والإحتفاظ بشخصين    المنستير للجاز" في دورته الثانية"    استكمال تركيبة لجنة إعداد النظام الداخلي بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم    كرة اليد.. الترجي يحقق فوزه الاول في بطولة إفريقيا للأندية الفائزة بالكأس    عبد الكريم قطاطة يفرّك رُمانة السي آس آس المريضة    منوبة: حجز طُنّيْن من الفواكه الجافة غير صالحة للاستهلاك    جندوبة: حجز أطنان من القمح والشعير العلفي ومواد أخرى غذائية في مخزن عشوائي    بنزرت: القبض على تكفيري مفتش عنه ومحكوم ب8 سنوات سجنا    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب    هزيمة تؤكّد المشاكل الفنيّة والنفسيّة التي يعيشها النادي الصفاقسي    تعاون تونسي أمريكي في قطاع النسيج والملابس    معرض تونس الدولي للكتاب يعلن عن المتوجين    حالة الطقس خلال نهاية الأسبوع    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    مضاعفا سيولته مرتين: البنك العربي لتونس يطور ناتجه البنكي الى 357 مليون دينار    تخصيص 12 مليون م3 من المياه للري التكميلي ل38 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى    سيدي بوزيد: وفاة شخص وإصابة 5 آخرين في اصطدام بين سيارتين    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    انطلاق معرض نابل الدولي في دورته 61    انزلاق حافلة سياحية في برج السدرية: التفاصيل    القصرين: تلميذ يطعن زميليْه في حافلة للنقل المدرسي    أبرز مباريات اليوم الجمعة.    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    رابطة ابطال افريقيا (ذهاب نصف النهائي) : الترجي الرياضي يواجه صان داونز بحثا عن تعبيد الطريق الى النهائي    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    عاجل/ بعد تأكيد اسرائيل استهدافها أصفهان: هكذا ردت لايران..    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    نقابة الثانوي: محاولة طعن الأستاذ تسبّبت له في ضغط الدم والسكّري    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوفل سلامة يكتب لكم : 9 سنوات من الثورة ومازال السؤال مطروحا
نشر في الصريح يوم 07 - 01 - 2020

وفاء لتقليده السنوي الذي دأب عليه منذ قيام الثورة التونسية نظم مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية احتفاء بالذكرى التاسعة لرحيل الرئيس بن علي وسقوط نظامه السياسي ندوة فكرية صبيحة يوم السبت 4 جانفي الحالي احتضنها نزل المشتل بالعاصمة تناول خلالها هاجسا راهنيا وسؤالا لا يزال إلى اليوم محل جدل واسع في أوساط المجتمع وبين نخبه الفكرية يحوم حول النسيان والتجديد دعا لتأثيثها كلا من الدكتور لطفي المرايحي والدكتور مهدي المبروك والأستاذ عبد اللطيف العلوي.
في هذه الندوة كان سؤال الثورة حاضرا بقوة ومساءلة المنجز الذي تحقق بعد تسع سنوات من قيامها هو الهاجس الأكبر ومسألة تقييم المسار الذي سلكته مطروحا وبارزا بكل وضوح .. في هذا اللقاء قيل الكثير من الكلام حول الثورة وإخفاقاتها وكل المنعرجات التي حفت بها وكذلك الانعطافات التي حصلت لها والأخطاء التي ارتكبت وتم الحديث عن القوى الثورية وعن الفاعل الثوري وقدرته على أن يكون فعلا ثوريا كما يدعي وقيل كلاما آخر عن حالة الارباك التي عليها الأحزاب السياسية وعجزها على مواكبة التحولات التي تعرفها البلاد وفشلها في اقتطاف اللحظة الراهنة للوفاء بكل الوعود التي تم القطع بها لتحقيق أهداف الثورة واستكمال استحقاقاتها.
لكن ما ميز هذه الندوة هو أننا بعد أن استمعنا إلى مقاربات ثلاث في علاقة بما حصل يوم 17 ديسمبر 2010 ويوم 14 جانفي 2011 نجد أنفسنا كل مرة نعيد طرح نفس السؤال هل ما حصل من تغيير لهرم السلطة يعد ثورة مكتملة شبيهة بالثورات التي ظهرت في تاريخ البشرية أم لا ؟ وهل ما حدث منذ تسع سنوات يندرج ضمن مفهوم الثورات التي أزاحت نظاما قديما بكل مكوناته ومقوماته وأرست دعائم نظام جديد وبديل عنه ؟ أم أن الذي حصل لا يعدو أن يكون انتفاضة شعبية كل ما قدرت عليه هو أنها أسقطت نظام حكم وأجبرت من كان يحكم على الرحيل ؟ أم هي كما يقول البعض تغيير سياسي بتدبير القوى الغربية ومباركة الأجنبي الذي قرر تغيير رؤوس الحكم في المنطقة العربية وشمال إفريقيا بما يضفي على حدث الثورة في تونس طابع المؤامرة والتخطيط المسبق و بما يلغي أي دور للشعب وأي إرادة للأفراد في اسقاط الحكم الاستبدادي وبما يلغي كل التراكمات التي حصلت وأدت إلى خروج الناس طالبين رحيل النظام ؟
ولكن اللافت في كل ما استمعنا إليه هو الانطباع العام الذي حصل من كوننا لا نزال إلى اليوم نسأل عن حقيقتنا ونبحث عن وعينا بما حدث ونواصل إلى اليوم وبعد مضي تسع سنوات من الثورة تبحث عن المعنى الحقيقي لما حصل ولازالت نخبنا الفكرية إلى اليوم لم تتفق على كلمة سواء حول ما حدث منذ تسع سنوات وهو جدل حاد وهام يعكس بدرجة كبيرة حالة الانقسام التي عليها المجتمع حول توصيف الحدث ويعكس حالة الاختلاف حول المصطلح والمفهوم الذي وجب استعماله بما يؤكد المأزق الكبير الذي تعرفه نخبنا وهو مأزق المفاهيم والمصطلحات والمعنى حيث وجدنا الدكتور لطفي المرايحي يقدم مقاربة اقتصادية لمعنى الثورة ويركز على العامل الاقتصادي والاجتماعي لاعتبار ما حدث يوم 17 ديسمبر 2010 ثورة أم لا ؟ فرغم إقراره بأن ما حصل منذ تسع سنوات لم يأت من فراغ وإنما هو حصيلة تراكمات سنوات طويلة من الاستبداد وقمع الحريات والسياسات الفاسدة التي غيبت الفرد من حساباتها ومن معادلة الحكم واستفردت بالمال العام وخيرات البلاد وجعلتها غنيمة لصالح فئة صغيرة مقربة منها وهذا يعني أنه من المفروض عند قيام الثورة أن يتم تغيير هذه المعادلة وأن تقطع الثورة مع هذه السياسة في توزيع الثروة وإدارة الشأن العام بما يجعل من حضور الفرد حضورا بارزا في منظومة الحكم والاستفادة من الخيرات غير أن الذي حصل هو أن السلطة بما هي نفوذ اقتصادي ومالي لم تتغير وأن مواقع التحكم في دوائر التجارة بقيت على حالها وفي يد نفس الأشخاص الذي كانوا جزءا من المنظومة القديمة التي توصف بالاستبدادية وثار عليها الشعب فدوائر النفوذ الاقتصادي هي نفسها لم تتغير بعد الثورة واليوم فإن نفس الأشخاص النافذين من قبل حافظوا على نفس مواقعهم وامتيازاتهم وهنا يطرح السؤال المغيب هل قامت الثورة على هؤلاء ؟ هل افتكت الثورة السلطة الاقتصادية من المتحكمين فيها والماسكين بها ؟ الجواب الوحيد هو أنه لم يحدث شيء من كل هذا والثورة لم تحسم أمرها مع السلطة الاقتصادية والمالية ومع الماسكين بالتجارة والثورة عندي هي تغيير لمراكز النفوذ الاقتصادي وطالما لم تحسم الثورة أمرها مع الماسكين بالسلطة الاقتصادية فإنها لا تعد ثورة لذلك فإن الثورة الحقيقية هي التي تحسم أمرها منذ اللحظات الأولى لقياها وتنتهي مع مراكز النفوذ الحقيقية المرتبطة بالدائرة السياسية وتفتك كل السلطات السياسية والمالية والاقتصادية والتجارية وكلما تأخرت الثورة في افتكاك هذه المواقع كلما سمحت للقوى القديمة بإعادة ترتيب نفسها واستعادة مواقعها القديمة حماية لمصالحها وحفاظا على مكاسبها .
والسؤال اليوم الذي يطرحه كل الشعب التونسي الذي ظن أنه قام بثورة بمجرد أن أجبر رئيس الدولة على الرحيل ومغادرة السلطة هو ما الذي تغير بعد تسع سنوات ؟ وهل فعلا قام الشعب بثورة غيرت كل القديم ؟ في الحقيقة إن الذي تغير هو الواجهة السياسية فقط ولكن النفوذ المالي والاقتصادي لا يزال محافظا على سلطته وقوته .
هل حصلت ثورة في تونس ؟ في رأيي طالما تم تغير رأس النظام فقط وبقيت منظومته تعمل بكل هدوء ولم تتغير وطالما حافظ أصحاب النفوذ المالي على مواقعهم وطالما لم تتغير المنظومة الاقتصادية التي حافظت على نفس المصالح وأبقت على نفس الامتيازات وطالما لم يقع إعادة توزيع الثروة الوطنية بأكثر عدالة ومساواة وبقيت نفس الجهات مهمشة وحافظت على نفس وضع الهشاشة التي كانت عليها قبل الثورة وبعدها فإن الذي حصل لا يمكن وصفه بأنه ثورة حقيقة لان المعركة الحقيقية لم تقع وهي معركة الثورة مع مراكز النفوذ الاقتصادي والسبب في ذلك غياب الإرادة الواضحة للقطع مع المنظومة القديمة بجميع حلقاتها. لم تحدث ثورة في تونس لأنه لم يقع القطع مع المنظومة الاقتصادية الفاسدة التي تدار من طرف" الكومبرادوريون " الماسكين بزمام الاقتصاد ويتحكمون في مسالك التجارة ودوائر المال وقد صنعوا لأنفسهم إمبراطوريات مالية وسياسية وإعلامية يحكمون من خلالها بدل الحكام الأصليين اليوم هناك عجز في مقاومة الكمبرادورية الجديدة القديمة التي جلبت لها بعد سقوط النظام القديم أشخاصا جدد يملكون المال ويسيطرون على التجارة ولهم ولاءات لأصحاب المال والأعمال في بلدان ما وراء البحار ولهم مصالح خارجية قبل المحلية وهم في خدمة القوى الأجنبية الماسكة اليوم بمقاليد التجارة العالمية والاقتصاد المعولم لذلك لا يمكن أن نعترف بأننا قد قمنا بثورة حقيقية طالما عجزت الثورة عن مقاومة المنظومة الكومبرادورية القائمة التي تواصل في نفس خيارات النظام السياسي القديم.
يعترف الدكتور مهدي مبروك في بداية مداخلته أن ما حصل منذ تسع سنوات هو ثورة شعب على نظام تسلطي اجتمعت عدة عوامل ولعبت تراكمات السنين في خروج الشعب طالبا رحيل النظام السياسي ولكن هذه الثورة لم تكن ثورة شعبية كما حصلت لدى الشعوب الأخرى حينما خرج كل الشعب في ثورة عارمة وإنما الذي حصل عندنا هو ثورة نخب بعد تفكك أجنحة النظام السياسي مع حياد المؤسسة الدولية ورغبتها في إنهاء الحكم الاستبدادي ولكن ما يحدث اليوم لا يمكن توصيفه بالثورة .
يذهب مهدي المبروك على خلاف الكثير من الناس من الذين يصفهم بالحالمين والذين يعتبرون أن الثورة لا زالت متواصلة ومستمرة أن التوصيف العلمي وحقيقة اللحظة التي نحياها هي أننا قد غادرنا حدث الثورة وأن الثورة قد حصلت وانتهت ونحن اليوم في مرحلة أخرى هي مرحلة الانتقال الديمقراطي لذلك فإنه علينا حسب رأيه أن ننتبه إلى خطورة البقاء في هذا السكن الذي يوهم باستمرار الثورة وخطورة الوهم في كوننا لم نغادر إلى اليوم ساحة الثورة .. هناك هوس بالحديث عن الثورة وهناك تيار كبير لا يريد أن يغادر لحظة الثورة وكل من يواصل إلى اليوم التحدث من موقع الثورة ومواصلة مسارها فإن له غايات نرجسية حالمة فأما الصادقون والمنتصرون لهوس الثورة والذين لا يريدون أن يبرحوا مكانها فإنهم يواصلون هذا الفعل وهذا السلوك من منطلق خوفهم من التحدث عن الفشل والخيبة التي حصلت بعد أن عجزت الثورة عن تحقيق أهدافها فهم يحمون مواقعهم ويخفون فشلهم بمواصلة الحديث عن استئناف مسار الثورة وأما أعداء الثورة والحاقدين عليها فإنهم يواصلون استعمال المصطلح لإظهار الفشل الذي حصل في ظلها وإبراز أن القديم كان أفضل وأن المنظومة القديمة ما كان لها أن تغادر وأن الشعب كان مخطئا لما خرج إلى الشوارع طالبا تغيير السلطة.
ينهي الدكتور مهدي مبروك مداخلته بقوله : في تقديري أن الثورة اليوم قد انتهت وأن الحنين إليها هو شبيه بمن يحلم بعودة الاستبداد فلا هذا ولا ذاك سوف يعود وإنما التوصيف الحقيقي لما تعيشه اليوم هو أننا في مرحلة انتقال ديمقراطي ومرحلة استكمال هذا المسار بكل تقلباته فهذه المرحلة هي مرحلة بناء وتأسيس وهي مرحلة تعرف الكثير من الصعود والهبوط والكثير من الجذب إلى الوراء والرغبة في التقدم نحو الأمام ومرحلة فيها الكثير من التراجعات ومحاولات استئناف المسير وفي كلمة الانتقال الديمقراطي هو مخاض عسير نحو استكمال البناء الديمقراطي وحينما ننجح في هذه المهمة حينها نكون قد انجزنا مهمة الثورة وحينها يمكن لنا أن نقول بأننا قد انجزنا ثورة .
إن السكن في الثورة وعدم الاعتراف بأن الثورة قد انتهت وطويت صفحتها هو حلم ووهم متواصل فنحن اليوم نعيش مرحلة أخرى بعد مرحلة الثورة وهي مرحلة الانتقال الديمقراطي واستكمال بناء المسار نحو الديمقراطية ولكن علينا الاقرار بأن هذه المرحلة التي هي بين الاستبداد وبين الانتقال نحو الحياة الديمقراطية تنتابها الكثير من المنعطفات وهي ليست في معزل عن الاخفاقات التي يسميها بعض المفكرين بالديمقراطية العليلة والديمقراطية الكسيحة و صورتها أن تتحول الديمقراطية إلى مجرد اقتراع لا غير وان تختزل المسألة في يوم الاقتراع ووضع ورقة في الصندوق فقط وأن تتحول العملية إلى تفويض شعبي لا غير وهذا هو التحدي اليوم وهو كيف يمكن أن يتحول هذا المسار الانتقالي إلى حياة ديمقراطية حقيقة بكل مكوناتها ومقوماتها التي نشهدها في النظم الديمقراطية الغربية.
آخر مداخلة في هذه الندوة كانت للأستاذ عبد اللطيف العلوي أحد القيادات البارزة في حزب ائتلاف الكرامة الذي أبدى منذ بداية كلامه امتعاضه من التحاليل التي تقلل من حدث الثورة وتبخس من الفعل الثوري وانتقد النخبة المثقفة التي تسوق أن البلاد لم تعرف ثورة حقيقية لأنها لم تنه القديم و لم تأت بالجديد أو لأن الثورة كانت قوسا وأغلق لنجد أنفسنا في وضعية أخرى ومرحلة مختلفة كما انتقد الرأي الذي يعتبر أن الثورة كل لا يجزأ وأن منجزها السياسي برحيل رأس النظام أو كله وبقاء حلقاته الأخرى لا يفيد أن الشعب قد قام بثورة طالما وأن حاله ووضعه الاقتصادي والاجتماعي لم يتغير وبدلا عن كل هذه الأطروحات يذهب عبد اللطيف العلوي إلى أن البلاد في 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011 قد قامت بثورة حقيقية إطاحت برأس النظام غير أن الخلل الذي اعترى هذا الفعل الثوري كان في غياب الوعي بمعنى الثورة فما حدث هو أننا كنا في حاجة إلى حالة من الوعي عند الناس حتى نتعامل مع قوانينها في علاقة بتوفير العمل والشغل وتحقيق الكرامة وتحسين حال الجهات المهمشة ما كان ينقصنا هو الوعي بأن الثورة غالبا ما يصاحبها تدهور كبير في مستوى الخدمات المقدمة وانخرام في الوضع الاقتصادي وما يرافق ذلك من صعوبات مالية فكل الثورات التي حصلت جلبت معها اخلالات كبيرة هي من طبيعة القوانين التي تحكمها فلا توجد ثورة حققت الانجاز المطلوب منذ أيامها الأولى وهذا الوعي هو غائب اليوم حتى عند النخب الفكرية التي يغيب عنها معطى التهديم الثوري لكل شيء وهذا ما يفسر حالة الحيرة التي نجدها عند الناس وفي عدم رضاهم عما تحقق وعما جلبته الثورة لذلك كان من المفروض أن يتصدى المثقف لهذا المنزلق ويشرح للناس قوانين الثورات بدل الانخراط في خطاب الفشل وتعميق الأزمة خاصة وأن غياب الوعي عند الكثير من الناس هو الذي يجعلهم يتحدثون عن عودة النظام القديم ويتحسرون على أيام حكمه لسبب وحيد وهو غياب الوعي بقوانين الثورات عندهم وتخلف المثقف عن لعب دوره كحام للثورة وحام لمسارها .
ويضيف العلوي فيقول بأنه من بين قوانين الثورة الغائبة عند الناس وحتى عند المحسوبين على الطبقة المثقفة أن من طبيعة الثورات أنها تقسم الشعوب بين من يريد أن يتقدم إلى الأمام و يبني عالما جديدا ومختلفا وبين من يريد الجذب إلى الوراء واستعادة القديم في اعتقاد منه بأن الاستبداد أفضل من واقع الحرية وبأن من كان يحكم قبل الثورة كان أفضل ممن جاؤوا بعده ولم يفعلوا شيئا وهذا الموقف هو طبيعي لأن الثورة من قوانينها أنها تهدد مصالح الكثير من المستفيدين وتهدد مواقع الكثير من الناس الذين استفادوا من الحكم الاستبدادي وهي لا يفيدها إلا مثل هذا المناخ الفاسد لذلك كانت الثورة ولا زالت هي حرب مواقع وحرب مصالح وحرب امتيازات وهذه الحرب هي التي غالبا ما تؤجل الانجاز الثوري وتأخر تحقيق الأهداف الثورية وهذه المعركة كانت تحتاجها الثورة التونسية وقد تجسدت في انتخابات 2014 التي أعادت المنظومة القديمة إلى الحكم وهي المحطة الانتخابية التي كشفت عن نوايا الثورة المضادة وقامت بعملية فرز ضرورية بين من كان مع المنظومة القديمة ومن كان في الخط الثوري وما حصل في الانتخابات الأخيرة سنة 2019 من فوز الأستاذ قيس سعيد بالرئاسية وصعود القوى المحسوبة على الثورة إلى قبة البرلمان دليل على الجهد الذي بذل لاسترجاع وهج الثورة واستكمال مسارها الذي تعطل في سنة 2014 وإصلاح الخلل الذي تعطب بعودة المنظومة القديمة لفترة .
ينهي المحاضر كلمته عن راهنية الثورة فيعتبر أن الثورة تحتاج إلى الخطاب الشعبوي لتأجيج الروح الثورية في النفوس وإعادة الحياة للنفس الثوري الذي تعمل الكثير من الجهات على قبره وهذا يبرز جليا في الكثير من الخطابات مثل خطاب الثورة انتهت والثورة قوس وأغلق وأن المرحلة الحالية هي مرحلة انتقال ديمقراطي ومرحلة استكمال البناء وأن الحديث عن الثورة هو حديث رومانسي وحالم وبعيد عن الواقع ولكن هذا الخطاب الشعبوي هو ليس كما يقال وهمي وإنما هو خطاب حقيقي أمام ما يترصد الثورة من أخطار لذلك فإننا في هذه المرحلة من المفيد ان نبقى يقظين ومتأهبين لكل محاولة تقزيم الثورة والتقليل من شأنها وإني على عكس كل ما قيل وما استمعت إليه فان الثورة في نظرنا هي مسار وليست محطة ولا نقطة من التاريخ إنها مسار طويل و كالنهر المنساب والمتدفق بقوة الذي يعرف طريقه رغم ما يعترض طريقه من صخور ولا يتوقف ولا يهدأ حتى يصل إلى نهايته بتحقيق أهداف الثورة كاملة أو على الأقل بنسب معقولة وينهي مساره واليوم الثورة في تونس في سنتها التاسعة تستكمل طريقها بكثير من الصعوبات والمخاطر ولكنها ماضية وسائرة طالما توفر الوعي بقوانينها التاريخية ونحن على وعي تام بأن هناك محاولات للإجهاض عليها بكل السبل ومن هذه السبل الإنهاء الفكري والثقافي والتنظير إلى أن الثورة مرحلة وانتهت. إن الثورة التونسية قد اختارت مسارها واختارت وعيها واختارت نسقها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.