الفن بما هو جوهر النظر تجاه الأشياء..العناصر..الآخرين..العوالم.. بما يعنيه ذلك من حوار تجاه الذات و هي تنحت رؤاها مثلما ينحت الماء مجاريه في الصخر..ثمة حنين و نشيد من قبيل الموسيقى الأولى..موسيقى البدايات.. و الفن كذلك و مع ذلك هو هذا السفر الدفين قولا بالدهشة و اللمعان في عالم معتل يشغله الصخب و ضجيج الحالات ..هذا ما يفعله الفن بالكائن و هو ينشد لدواخله تحكي شجنه العالي ..من هنا كان لا بد من حكابة تلون أحوال الفنان الطفل المسافر بين دروب شتى يجمعها عنوان لافت هو فعل الازميل و الأنامل و الروح ...تنكب على فعل النحت..انكباي الطفل على دميته يصغي اليها يهبها شيئا من ذاته من طمأنينة مفعمة بالبراءة..بالوداعة..تحكيها خطاه الأولى..حيث لا مجال لغير القول بالوجد و الحميمية نحو الذات..انها لعبة الفنان الباذخة التي يرتجي من خلالها نحت أصواته و ألوانه المحبذة و المحمودة في مساحات الشواسع ..شواسع الكيان... هكذا نلج عوالم فنان طفل يحاور المادة يمنحها شيئا من أنفاسه و هو يدندن أغنية بها شجن قديم تجدده الأنامل ..تعددت أعماله من مختلف الأحجام و عديد المواد من البرنز الى النحاس والرخام و الخشب و غير ذلك.. بعد الأعمال الظخمة التي منها تماثيل عرفتها شوارع و ساحات تونسية تختصر علاقة و محبة الفنان للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ..كان المجال لعدد من الأعمال الفنية التي هي منحوتات مختلفة المواد و التي تميزت بحركيتها و تعبيريتها البينة حيث المرأةالغارقة في الرقص و الفرس في عنفوان الحالات و المرأة على الدراجة ...و غيرها... أعمال و أمثلة تصويرية بتقنية التخطبط للمنحوتات.. و " منحوتات ".. هو العنوان الجامع للمعرض الخاص للفنان الذي نحن بصدده بفضاء العرض برواق الكمان الأزرق و الذي افتتح يوم 12 جانفي ليتواصل الى غاية يوم 29 من شعر فيفري المقبل. الفنان الذي نعني هو النحات الهاشمي مرزوق ابن مدينة المحرس و المقيم بتونس العاصمة من سنوات.. حدثني عن تجربته و اعداده لهذا المعرض و عن أعماله القديمة و الجديدة ...كان ذلك ببيته بضاحية باردو حيث انتصبت منحوتاته بأرجاء بيته الى جانب لوحات تخطيطاتها و مراحل تصورها ..كان السيد مرزوق يحدثني بشغف كبير تجاه عمله و انتصاره لمنجزاته الفنية التي تنوعت منذ منتصف الستينات و الى الآن...رجل ثمانيني بروح طفل و فنان لا يهمه ضجيج الساحة الفنية و تقلب أحوالها فهو لا يفكر في غير عمله الذي ينجزه و هو في حالة من الرقص الروحي مثل زنجي قديم.. في المنحوتات اشتغال على الحركة و تفاعلات الجسد ..و منذ أكثر من خمسة عقود سعى سي الهاشمي مرزوق الى تنويع مواد منحوتاته في تلويناتها و أشكالها و أحجامها ديدنه الجمال المصقول و الحركة في تنوع تعبيريتها كل ذلك ضمن سنوات من العمل المتواصل و الدؤوب و بحرفية و مهارة عرف بها بين جيله من الفنانين ... في رواق الكمان الأزرق أو "لو فيولون بلو" بضاحية سيدي بوسعيد يطلع كل من يزور هذا المعرض الاستعادي من أحباء الفن و رواد الفضاء و من أصدقاء الفنان على بانوراما تبرز حيزا مهما من مراحل تجربة النحات مرزوق . المعرض سبقه صدور كتاب فني عن تجربة الفنان في تأليف للناقد التشكيلي حسين التليلي المهتم بالفنون التشكيلية ضمن عنوان " الهاشمي مرزوق و النحت في تونس " و تصميم غلاف وصور للفنانة ايناس مرزوق ..يسافر بنا الباحث و الناقد حسين التليلي في عوالم التجربة الفنية للنحات مرزوق عبر مراحلها من البدايات الى الآن في نصوص تقرأ التجربة و المنجز... تجربة و مسيرة ..و مجال مفتوح بهذا المعرض بقاليري الكمان الأزرق..منحوتات مضافة لأعمال عرف بها الفنان في مراحل منها البدايات و ما بعدها و منها تماثيل الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في تونس العاصمة و المنستير و القيروان و طبرقة الى جانب الحضور الفنب عبر دروع و هدايا فعاليات ثقافية تونسية منها تظاهرات قرطاج السينمائية وقرطاج المسرحية وقرطاج الموسيقية ومناسبات أخرى . في هذا المعرض تجوال فني يشي بحيز مفتوح على اشتغال حرفي فني من قبل فنان يحاور المادة و يحاولها قولا بالفكرة تنهض على جانب مهم من حلم تشكل منذ البدايات ليتحول الى شغف فني تعددت به و من خلاله منجزات الهاشمي مرزوق الذي لم يجد الطريق معبدة في سنوات الستينيات بل انه كابد و تمسك بولعه الفني ليبلغ هذه اللحظة...لحظة جمالية باذخة يستعيد فيها الفنان مثل متقبل فنه خلاصة التجربة و المنجز و ...الانطلاقة الجديدة..نعم هكذا حدثني و أنا أهم بمغادرة بيته –المعرض المتحف السابق للفيولون بلو..قائلا..انا مواصل في عملي بنفس الروح و الدأب و العزم...الفن حياة مفتوحة... بين الزيارة و المعرض..بين لقاء المنزل بباردو و قاليري الكمان الأزرق و كتاب حسين التليلي...تمكث تجربة فنان محرسي قديم متجدد لا يلوي على غير القول بالفن كملاذ و متنفس و ...مجال تعبيري هام في حياة الناس...